بعد عام من ذريعة 11 أيلول: الأزمة الرأسمالية تتعمق
كان الكثير من المهتمين والمختصين يتوقعون انهياراً اقتصادياً أمريكياً كبير الحجم في الربع الثالث من 2001، وكان واضحاً أن الحرب الكبيرة هي المخرج الوحيد لنظام كهذا في وضع كهذا… وبغض النظر عمن خطط ونفذ أحداث 11 أيلول، فإن النتيجة تبقى واحدة، وهي: أن الاقتصاد الأمريكي استطاع التقاط أنفاسه وتأجيل الانهيار المتوقع، وإن كان لفترة بسيطة، لن تتجاوز حسب كل التقديرات اليوم العام الواحد. وهكذا يتبين أن التحضيرات المتسارعة لتفجير الوضع في منطقة الشرق الأوسط بذريعة العراق، هو استمرار لما بدأ في 11 أيلول 2001.. فتصوروا مدى عمق أزمة هذا النظام الذي لم تكلفه جرعة 11 أيلول إلا أقل من عام!!
أمريكا.. رأس الارهاب
من المفيد، قطعاً، أن ندرك بأن الحرب في جنوب آسيا هي أكثر من استمرار لسياسة الـ C.I.A الخارجية، والتي زعمت عناصر قديمة ساخطة في هذه الوكالة عام 1990، بنحو يمكن تصديقه، أنها قتلت، في الحد الأدنى، ستة ملايين مدني في أنحاء العالم خلال الثلاثين سنة الأخيرة، ومولت باستمرار منظمات إرهابية في ثلاثين بلداً في الكرة الأرضية ، حتى الآن («الحرس البريتوري» من قبل «جون ستوكويل») وقد ظل الغربيون في مأمن من هذه الشرور. فقد تغيرت اللعبة اليوم، ليس فقط، لأن رجال الـ C.A.I قد اغتالوا، بنحو أعمى ودون تمييز، آلافاً من مواطنيهم، بهدف إطلاق موجة عاتية من الإرهاب، بقوة جديدة، لم يسبق لها مثيل ضد شعوب آسيا الجنوبية والشرق الأوسط، ولكنهم استخدموا قتلاهم الأمريكيين كوسيلة للحد من الحقوق المدنية ومن حرية الرأي والكلام في الغرب، وذلك في مستويات لم يشهدها أحد منذ الحقبة الفاشية.
قوانين إرهابية..
لنتأمل، الآن، تطور الوضع الداخلي منذ 11 أيلول. ففي الولايات المتحدة، سنت قوانين تسمح بالاعتقال بلا حدود، من دون محاكمة، ومن دون اتهام، ومن دون أدلة، قوانين سيباهي بها أي دكتاتور في بلدان العالم الثالث: سلطة لا محدودة، لمراقبة وتجميد الأموال، سلطة لا محدودة لمراقبة واعتراض الإيميلات وحركة مرور الانترنيت. اعتمادات مالية ضخمة جداً للوكالات المتنكرة بشتى الأقنعة، والمكلفة بتطبيق هذه القوانين، مزيد من السلطات المطلقة الجديدة أيضاً، لتطبيق مهمات الاعتقال، ومراقبة الأشخاص، والتنصت على المكالمات الهاتفية، وتم تعريف المنظمات «الإرهابية»، تبعاً لمبدئها السياسي والإيماني، لا تبعاً لأدلة تثبت ضلوعها في أعمال إرهابية. ويستنتج من ذلك، بأن مناضلين ضد العولمة، من أمثال ناومي كلين يمكن أن يكونوا منذ الآن مصنفين كإرهابيين. إذا ما جرى الاستناد إلى القوانين الجديدة.. وفي هذا الصدد فإن رئيس حزب الخضر الأمريكي يعتبر منذ اليوم، ممنوعاً من السفر عبر الخطوط الجوية. أما المتهمون الأجانب بالإرهاب فمن المفترض أن يحاكموا أمام محاكم عسكرية، بدلاً من محاكم مدنية، دون أدنى مراقبة عامة، ودون أدنى استئناف، مع إمكانية مراقبة المحادثات بين المتهمين وبين محاميهم (إن كانوا يملكون الحق بإقامة دعوى).
تقليص للحريات
وفي بريطانيا العظمى، حاول توني بلير إدخال قوانين مشابهة، ولكن مجلس اللوردات رفض بعضها. ومع ذلك، فإن تقليصاً شديداً للحريات المدنية جرى تطبيقه، وقد وصف موظف كبير، في الحكومة البريطانية، منذ وقت قريب، حالة الحريات المدنية، في عالم ما بعد 11 أيلول بأنها «أشباح وهمية تنتمي إلى الماضي».
وفي أستراليا، وضعت قوانين تسمح باعتقال أي شخص كان لمدة 48 ساعة، دون تفويض قانوني، وحتى لو لم يكن الشخص مشبوهاً بالإرهاب، بل يمتلك معلومات يمكن أن تكون مفيدة، بوجه الاحتمال. وفي اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور أعلن أن الحكومة الأسترالية ستجمد أموال 200 فرد ومنظمة قرر الرئيس الأمريكي بأنهم كانوا يدعمون الإرهاب. وإذا فهمت هذا جيداً، فلن يكون هناك ثمة اتهام، ولا أدلة، ولا محاكمات، ولا حق استئناف. وفي الغرب اليوم، فإن كل شخص يتهم بالإرهاب يفقد أتوماتيكياً كافة حقوقه المدنية، كما أن أي شخص، كائناً من كان، يمكن أن يكون متهماً على النحو الأشد تعسفاً. إن كل ذلك مفزع، بحد ذاته، بما يكفي، وحتى لو كان الأمر يتعلق فعلاً، برد فعل مفرط على عمل إرهابي خارجي، ولكن حينما ندرك أن هذه القوانين كانت مجهزة ومقرة بالتصويت ومطبقة من قبل الأشخاص أنفسهم الذين نظموا، في الواقع هذا العمل الإرهابي الذي أتاح لهم فعل ذلك، فإن السيناريو يبعث على القشعريرة ويجمد الدم في العروق. وفيما يتعلق برئيس الولايات المتحدة، فمن المناسب أن نلفت النظر بأنه ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، فإن الرجل الذي كسب الانتخابات في معركة الرئاسة لم يكن منتخباً ليكون رئيساً، وحينما نضيف ذلك إلى المبالغ المالية الهائلة التي أنفقت دون حساب من اجل ضمان ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية، داخل الحزب الجمهوري، في مواجهة مرشحين آخرين من الحزب. أكثر جدارة منه لمجابهة آل غور، وما تبع ذلك من انتخابات مزورة بكل وضوح، داخل الحزب، يغدو واضحاً بأن جورج دبليو بوش سيكون الرئيس مهما كانت العقبات.
خطة مدبرة
من الواضح في المحصلة، بأن هذه الخطة تعود إلى ما قبل تشرين الثاني عام 2000، وأن الأحداث الفظيعة، في 11 أيلول كانت، أو لم تكن مخططاً لها في تلك الفترة، حيث لا نستطيع الجزم بذلك. ولكن من الجلي بأن كل البرنامج الواسع الذي تنامى حول هذه الأحداث يرقى إلى تلك الفترة. لاحظوا بأن الرئيس الحالي الذي لم يكن منتخباً بعد، ابن لرجل هو أيضاً مساهم كبير في المجمع الجبار «كارليل»، الذي هو شركة لصنع الأسلحة، ومن المؤكد أنه حصل على فوائد مالية ضخمة من هذه الحرب. فهذا الرجل عينه هو المدير السابق للـ C.I.A، الذي ساعد طالبان في الوصول إلى السلطة، في أفغانستان، وهو أيضاً نفس الرجل الذي التقى بعائلة أسامة بن لادن (وهذا الأخير لم يكن منبوذاً من عائلته على الإطلاق) لأسباب تتعلق بصفقات تجارية، من دون شك، وقبل وقت قريب، ما دامت أن هذه الخطة وضعت عام 2000. والجانب الفاضح في القضية، هنا هو أن الرئيس الحالي هو الوريث المفترض لثروة تراكمت من وراء هذه الحرب، وسيتبدى أيضاً بأن الهدف المفترض لهذه الحرب خليق هو أيضاً أن يكون مصدراً ثراً لاجتناء المزيد من الفوائد. والأمر ذاته ينطبق على وزير الدفاع. ثمة تضارب في الآراء كما يبدو بين أبطال هذا المخطط حول السيناريو الذي جرى وضعه وتحديد موعده. ولكنهم سيكونون جميعاً الأشخاص الوحيدين الذين لن يتأذوا منه قيد أنملة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 182