«الملطشة» المهزومة ومقاومتها..
على نحو بات لافتاً بتكراره واستفزازيته للسوريين يُكثر بعض من الإسرائيليين الحديث عن السلام مع سورية وآفاقه ووعوده مقترناً بالتلويح بوجود رفض له من جانب بعض آخر، كلما كانوا بصدد تصعيد عدوانهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولاسيما على غزة، وذلك بهدف مكشوف يبتغي تحييد الموقف السوري تجاه أي عدوان مرتقب يراوغ قادة الاحتلال في إعلانه أو التستر عليه حسب مقتضيات اللحظة السياسية إسرائيلياً، وعواملها المرتبطة باعتماد الإبادة البطيئة لسكان غزة والضفة عبر الحصار والجدار وإغلاق المعابر، ومنع الوقود وتوقيف المشافي، وقتل مرضاها بالتالي، وتعطيل المخابز، وشل أوجه الحياة ومصادرها، أو عبر العمليات المحدودة التي تستهدف نشطاء المقاومة، أو تلك المرتبطة بشن عملية واسعة، شريطة أن تكون غادرة، تحددها الضرورات الحزبية الداخلية الإسرائيلية انتخابياً، ومقتضيات الأمر الواقع للخروج من الأزمة الإسرائيلية وتجلياتها المختلفة وفي مقدمتها السعي للتخلص من عقدة هزيمة تموز وتناذراتها.
وتحت هذا الباب تحديداً، وكما هي الحال مع مساعي تحييد سورية ميدانياً، مع الأخذ بعين الاعتبار إدراك «إسرائيل» لاحتمال قيام آلية «الدومينو» في انفتاح جبهات الصراع، تأتي محاولات الكيان لفرض الحالة الانتظارية على حزب الله والمقاومة اللبنانية في أية لحظة صفر عدوانية جديدة في الأراضي المحتلة، حيث شكلت عملية اختطاف المزارعين اللبنانيين، وإعادتهما «عبر اليونيفيل»، بالون اختبار لنوايا واستجابة حزب الله، ولكن مع تولي خصومه السياسيين في الداخل اللبناني مهمة تكبيله بضرورات المصالحة الوطنية اللبنانية ومقتضيات المعركة الانتخابية المرتقبة في لبنان بين مختلف الكتل والتيارات السياسية المتصارعة.
عدد من فصائل المقاومة الفلسطينية انتقل إلى حيز الفعل، المندرج في رد الفعل أصلاً، وأطلق في يوم واحد 40 صاروخاً على مواقع ومستوطنات إسرائيلية، والسؤال الذي يطرح نفسه وسط معضلات المشهد الفلسطيني الداخلي وأبعاده ومسؤولياته هو حول ما إذا كانت المقاومة الفلسطينية قد حزمت أمرها، وقررت إعادة الاعتبار للخيار المسلح استباقاً لصنوف العدوان الإسرائيلي اليومي والمبيت توسيعاً أكثر فأكثر، لتعلن المقاومة الفلسطينية بذلك أنه لا يوجد لديها ما تخسره أكثر، بعد التصفية والقصف والحصار وفناء قواعد تأييدها الشعبي تدريجياً، وأنها استفادت من تجربة حزب الله عشية عدوان تموز، مع إدراكها لخصوصية أرض معركتها بنيوياً وسكانياً وجغرافياً ولوجستياً في ظل الحصار ولكن إبداعياً بالمعنى المقاوم. وهو التحول الذي سيعيد فرض نسق الأوراق في الأراضي المحتلة والكيان الإسرائيلي وعموم المنطقة والعالم بالنتيجة.
ولأن حقائق ووقائع التاريخ البعيد والقريب تؤكد صوابية خيار المقاومة بعد دفع أثمانه، جاء على سبيل المثال الموقف الصفيق من النظام المصري الذي قام «باستدعاء» السفير السوري في القاهرة «احتجاجاً على تظاهرة الرعاع» أمام السفارة المصرية في دمشق مطالبين حسني مبارك بفتح المعابر مع غزة إنقاذاً لأهلها، وقام بالمقابل «بالطلب» من وزيرة خارجية الكيان تسيبي ليفني زيارة القاهرة لبحث الوضع في غزة، وقام كذلك بتشديد إجراءاته الأمنية على طول الحدود مع غزة، وذلك لضمان قضية واحدة هي عدم وصول إمدادات السلاح إليه، وذلك عوضاً عن أن «يستدعي» ومنذ أشهر طويلة «السفير الإسرائيلي» في القاهرة احتجاجاً على جرائم الكيان المستمرة، إن لم نقل طرده منها، علماً بأن نظام مبارك ذاته لم يقم باستدعاء سفيري لبنان والأردن «احتجاجاً» على تظاهرات مماثلة شهدها محيط السفارة المصرية في كل من بيروت وعمان سابقاً، فلماذا ولمصلحة من تجري محاولة استعداء السوريين أمام أشقائهم من المواطنين المصريين، وكأن الأمر أشبه بمحاكمة لبعض المواقف السورية وللمزاج الشعبي في البلدين؟
و«على سيرة المحاكمات»، يشاع في العراق حالياً، وإلى جانب الحديث عن مطالب البصرة بالانفصال تنفيذاً لمشروع التقسيم الأمريكي، أن الشيوعي المغوار منتظر الزيدي الذي أضحى حذاؤه «أشهر من بوش على خازوقه في أرض الرافدين»، سيمثل أمام المحكمة عشية رأس السنة الجديدة، بعد إجباره على تقديم اعترافات متلفزة ومحددة، (ربما تريد ربطه بتنظيم القاعدة مثلاً!؟)، لتشكل تلك المحاكمة المشكوك بعدالتها ومصداقيتها أصلاً، رسالة تهديد لكل الأحرار والمقاومين في العالم، على اعتبار أن بوش ومن لف لفه من العملاء والدمى والبطاشين باتوا يدركون عمق الدلالات والمعاني والرسائل المضادة في تصرف الزيدي، من أن هناك عدداً متزايداً باطراد من جيش المستائين من السياسات الأمريكية بات يتجرأ على أكبر رموز الامبريالية والصهيونية العالمية، وبسلاح فردي أقل من خفيف، هو الحذاء، الذي استنسخت مشاهده في عواصم العالم المختلفة على صور بوش ومجسماته، وذلك انسجاماً مع إدراك الناس لحقيقة أن أمريكا «بجلالة قدرها»، وتحت تأثير أزمتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية الشاملة، باتت «ملطشة»، وهو ما يعني بالمحصلة ضرورة العمل لاستكمال وقوع العدو والإجهاز عليه، وهي عملية تقترب تاريخياً شريطة الإبقاء على شعارها الأساس «لا بديل عن المقاومة الشاملة».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 385