توقعوا انهيار الدولار.. في أية لحظة!

يتزايد التركيز الإعلامي الغربي على تباطؤ الحركة الاقتصادية وانعكاساتها المالية على العملات الأساسية.

وفعلاً إذا تذكرنا أزمة جنوب شرق أسيا، فقد استطاع الاقتصاد الأمريكي تجنبها بفضل مختصي البورصة الذين أوصوا المواطنين الأمريكيين بشراء أسهم على أوسع نطاق، وإذا علمنا أن أكثر من نصف سكان الولايات المتحدة يدخرون بالأسهم. فقد تمكن تدفق أموالهم الذي حرضه المختصون عبر أجهزة الإعلام وخاصة المرئي منها من تجنيب السوق المالية الأمريكية جانباً هاماً من الآثار السلبية لانهيار جنوب شرق أسيا.

ولكن الموضوع له جانب أخر وهو يبرز الآن في ظروف اهتزاز السوق المالية التي ترتفع أسهمها وتهبط بسرعة كبيرة وفي كل يوم، إذ تفقد الأسهم جاذبيتها كأداة استثمار بسبب ازدياد طابع المضاربة في عملياتها التي تحّول أسواق الأسهم إلى ناد كبير للقمار، عندما تأخذ عملية شرائها وبيعها هدف تحقيق الربح السريع من خلال تغير الأسعار الدائم، وهذا كله يؤدي إلى تخفيض ثبات الاقتصاد بشكل عام ويضعه تحت رحمة عمليات المضاربة في سوق الأسهم.

لقد خسرت أسهم الشركات الأمريكية الكبرى خلال السنوات الأربع الماضية مبلغ ثلاثة آلاف مليار دولار، أي انخفضت أسعارها بهذا المقدار، وهذا تجل واضح لأحد جوانب الأزمة، وهذا الرقم بحد ذاته يصعب تخيله ولكنه بالنسبة لأصحاب الأسهم، وخاصة الصغار منهم، رقم حقيقي وخسارة فعلية، مما حدا بحاملي الأسهم بأن لا يثقوا بأي توصيات يطلع بها المختصون في البورصات وفي هذه الحالة فقد يأخذون بالتخلص من أسهمهم للحفاظ على نقودهم مما يخلق حالة ذعر كبيرة في السوق.

الهرم الدولاري.. وفقاعة الصابون

إن اللعب بالأسهم في السوق، للحصول على أرباح سريعة، يؤدي إلى بناء هرم مالي، لا بد له من الانهيار في نهاية المطاف، وكلما كان الهرم أكبر كانت النتائج أسوأ.

 ونتيجة لذلك انفصل القطاع المالي إلى حد كبير عن القطاع الاقتصادي الحقيقي المرتبط بالإنتاج والخدمات. إن القطاع المالي الأمريكي الحالي هو فقاعة صابون كبيرة، غير مغطى فعلياً بشيء. ويكفي أن نعلم أن مؤشر «ناسداك» NASDAQ للسوق المالية هو الذي يعبر عن حالة الأسهم في القطاعات التكنولوجية المتقدمة قد هبط في خلال العام الأخير بنسبة 64% وهكذا خسر أصحاب الأسهم أكثر من نصف توظيفاتهم في الأسهم.

وإذا علمنا أن الكتلة النقدية الدولارية مغطاة فعلياً بنسبة 4% فقط باحتياطات من الذهب والعملات القوية الأخرى، فسيصبح مفهوماً لماذا تؤكد جمعية الصناعيين الأمريكيين أن قيمة الدولار الحالية هي أعلى بـ 25 30% من قيمته الفعلية، والتقدير الأخير يعتبر مبالغاً في تفاؤله لأن الوضع هو أسوأ من ذلك بكثير.فالأسواق المالية لعبت دور كابح للأزمة حتى الآن، من خلال استيعابها وتدويرها السريع للكتلة الدولارية الفائضة، ويكفي أن يفقد مجموع المستثمرين ثقتهم بالسوق وأن يبدأوا باسترجاع أموالهم حتى تحل الكارثة، لأن هذا الحجم الدولاري الهائل المتحرر من الأسهم كاف ليحدث تضخماً هائلاً مخفضاً الإدخارات الدولارية الكبيرة.

هل يمكن أن يتجنب الدولار الأزمة؟

عندما يجري الحديث عن عملة تشكل العمود الفقري للاقتصاد العالمي لا يمكن للسياسة إلا أن تتدخل في الموضوع. لقد كان الدولار يطبع ويقذف إلى السوق خلال السنوات الثلاثين الماضية بكميات لا حدود لها معتمداً، من جهة، على كون الدولار عملة عالمية، أي وحدة قياس بين كل العملات الموجودة، ومن جهة أخرى، مستنداً إلى النفوذ السياسي العالمي الأمريكي المعتمد على القوة العسكرية. ولكن هذا الدعم لا يمكن أن يحمي الدولار إلى ما لا نهاية، فحجم الدين الداخلي الأمريكي، أي العجز في حجم إصدار الدولار بالنسبة لحجم تغطيته الفعلية، قد وصل إلى 26 ألف مليار دولار وهو رقم فلكي، وهو ما يدفع البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تخفيض أسعار الفائدة من أجل تشجيع الاستثمار بالدولار الذي اهتزت فيه الثقة جدياً، وقد وصل سعر الفائدة بعد مجمل التخفيضات إلى حدود 2% ، وعندما سيتبين إنه حتى هذا الإجراء غير قادر على حل الأزمة، سيضطر البنك الفيدرالي إلى التخلي عن سياسة «الدولار القوي» والانتقال إلى سياسة «الدولار الضعيف» مخفضاً سعره بالنسبة للعملات الأخرى ورافعاً سعر الفائدة عليه من جديد، لأن حجم الدين المتراكم لا يمكن أن يجري دفع ثمنه بـأي حال من الأحوال وقد أشار تقرير صندوق النقد الدولي الأخير لهذا العام والصادر في حزيران من هذا العام إلى هذا الاحتمال، وهنا يستند الأخصائيون إلى التجارب السابقة في التخفيض المتحكَّم به عوضاً عن ترك العملية عفوية عرضة لعوامل السوق المفاجئة التي لن ترحم الدولار.

إن حجم الدين الأمريكي الذي ساهم في بناء الهرم المالي الكبير، هو ضخم لدرجة أصبح لا مهرب من مواجهة الواقع لتخفيض الأضرار المحتملة وعلى حساب البلدان الأخرى.

متى ستنفجر الأزمة.. وكيف؟!

العد العكسي بدأ، ويتوقع الاختصاصيون في الغرب والشرق أن تنفجر في أية لحظة وتوضع توقعات تبدأ في آواخر آب وتنتهي في آواخر تشرين ثاني ويربطون هذه اللحظة بالتخلص الواسع والسريع من الدولار في أية منطقة من مناطق العالم بسبب فقدان الثقة به، والتي سببتها الخسارات في أسواق الأسهم التي وصلت حتى الآن إلى 9 آلاف مليار دولار. ويتوقع أن يشارك الين الياباني الدولار مصيره، لأن اليابان كان الشاري الأساسي للدولار المطبوع، كما أنها طبعت بدورها كميات كبيرة من الين الذي يعتبر العملة التي تعتمد عليها جنوب شرق أسيا، وهذا التفاعل بين الين والدولار، سيعطي للانفجار طابعاً عالمياً. ويبقى وضع اليورو الأوروبي أفضل نسبياً لأنه مغطى بشكل أفضل وبسبب الدور المتنامي للاقتصاد الأوروبي في الاقتصاد العالمي الفعلي. وفي النهاية سيتبين أن العملات التي ستحد من تأثير الأزمة عليها هي تلك العملات غير القابلة للتحويل عالمياً، والتي تخدّم دورة اقتصادها داخلياً بالدرجة الأولى مثل الـ «يوان» الصيني.

وهنا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن الرساميل العالمية في خلال هروبها من انفجار الفقاعة ستحاول التوجه إلى البلدان الأخرى للتوظيف في البنى الثابتة من أراض وأبنية وثروات باطنية مما يشكل خطراً على أمن هذه البلدان، اقتصادياً على الأقل. والملفت للنظر أنه في هذه اللحظات بالذات سنت الدولة الروسية قانوناً جديداً يسمح ببيع وشراء الأراضي، الأمر الذي كان غير مسموح به في السابق والأسوأ أنها فتحت هذا المجال للأجانب أيضاً.

 

إن نهاية مسلسل التخفيضات على سعر الفائدة الأمريكي الذي لن يعطي النتيجة المرجوة، مع التخلص الواسع من الدولار في أية منطقة في العالم نتيجة لحالة الرعب السائدة في الأسواق المالية والمرجّح أن تبدأ في أوروبا، كل ذلك نتيجة لظهور اليورو على الساحة فعلياً، أن يؤدي إلى حدوث ذلك الزلزال الذي ستكون عواقبه الاجتماعية والسياسي على المستوى العالمي كبيرة جداً وتاريخية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
156
آخر تعديل على الخميس, 15 كانون1/ديسمبر 2016 15:56