الانتخابات اللبنانية: من يملك يحكم!
تقول العامة: «من جرب المجرب كان عقله مخرب». فمنذ عام 1860 يحكم لبنان وفق صيغة طائفية وضعتها آنذاك مجموعة من القناصل الأجانب الذين راعوا ضرورة استمرار التدخل الخارجي في شأن الكيان اللبناني وضرورة استمرار صيغة المحاصصة بين أهل الحكم والزعماء من مختلف الطوائف بحيث تمنع تلك الصيغة أية فرصة لإلغاء الطائفية السياسية بهدف إجهاض تكوين الدولة الوطنية وحقوق المواطنة المتساوية فيها بدل فرض الانتماء للزعيم والقبيلة والطائفة.
هاقد مر أكثر من مائة وخمسين عاماً على صيغة «المتصرفية» مروراً بصيغتي 1943 والطائف 1990 ومازال قانون الانتخابات في لبنان رغم تعدد إصداراته، وأبرزها قانون 1960، يمنع وصول أي حزب أو حركة سياسية تمثل مصالح فقراء الشعب إلى البرلمان اللبناني، الذي يعدو كونه مجلساً دائماً لوكلاء الطوائف من أصحاب الثروة والجاه.
وهنا لابد من التذكير بالمقولة التي ترقى إلى مرتبة القانون: «إن من يملك يحكم». وقد علمتنا الحياة أن الطبقة الحاكمة تفصل قانون الانتخابات على قياسها بحيث يسمح باستمرار سلطتها فوق الشعب وليس من أجله. وطالما يحلو للطبقة السياسية الحاكمة في لبنان تسمية فرنسا «بالأم الحنون» نذكر القارئ بأن قانون الانتخابات الفرنسي موضوع بطريقة تسمح للنائب الديغولي بالدخول إلى البرلمان بأصوات أقل بثلاثة أضعاف مما هو مطلوب لدخول مرشح شيوعي إلى البرلمان.
وبالعودة إلى الانتخابات اللبنانية وما تمخضت عنه من نتائج، نلاحظ مدى الوهم الذي وقعت فيه المعارضة من جراء قبولها بقانون 1960 حيث غاب عنها أن ذلك القانون ليس فقط يكرس الطائفية والمذهبية والمناطقية بل يقدم أكبر خدمة لأرباب المال المرتبطين بالخارج والممسكين بمفاصل الحكم والتحكم بثروة البلاد وقوت العباد. ولا يغير من هذه الحقيقة كل المقولات التضليلية (حول الديمقراطية التوافقية والتشاركية وإدارة البلد بشكل جماعي).
نحن لا نعتبر كل من دخل البرلمان من المعارضة خاسراً بل الذي خسر هو الشعب اللبناني وقواه الحية من الفقراء والكادحين الذين ترتب عليهم القيام بعبء أكثر من 50 مليار دولار ديون خارجية من جراء النهب الكبير والفساد المستشري في كل مفاصل الحكم .
لعل أكبر خطأ استراتيجي ارتكبته المعارضة عدم الإصرار على قانون (النسبية العامة على مستوى البلاد) الذي يفتح الطريق أمام إلغاء الطائفية السياسية وبروز حامل اجتماعي جديد للطبقات والشرائح المهمشة والمهشمة، التي تطحنها الأزمة الاقتصادية. ومن جهة أخرى عدم النضال من أجل فرض قانون (النسبية العامة الموحدة) سيعيد إنتاج الأزمة اللبنانية وصولاً للحرب الأهلية والتي سيكون أول ضحاياها خيار المقاومة الذي أول ما يحتاج إليه هو التفاف شعبي عام على قاعدة ارتباط الأمن الوطني بالأمن الاجتماعي – الاقتصادي وليس على قاعدة (التوافق) مع أساطين المال.
من نافل القول إن الدعم الأمريكي للأكثرية هدفه الأساس نزع سلاح المقاومة. وهكذا جاءت نتائج الانتخابات اللبنانية مطابقة للرغبات الأمريكية والإسرائيلية والأوربية والرجعية العربية. كما أن ترحيب هذه القوى بهذه النتائج لايعكس احتراماً لخيارات الشعب اللبناني، بل لأن الفرصة بقيت متاحة أمام التدخلات الخارجية. ولعل تصريحات جوزيف بايدن وهيلاري كلينتون في بيروت قبيل الانتخابات كانت تشير إلى اتجاه الريح وتفضح كل الخطاب السياسي الأمريكي المخادع حول الحوار مع دول المنطقة بما فيها سورية وإيران.
ومن هنا نحذر من استمرار الحديث والتصريحات بأن التقاطعات بين المعارضة والموالاة تمنع تعريض المقاومة للخطر. التجارب علمتنا عكس ذلك تماماً، أي أن الذي يحمي المقاومة هو الجماهير الشعبية، وإشراكها في القرار والممارسة السياسية، وتبني مطالبها، والدفاع عن مصالحها ضد الطغمة الرأسمالية المتوحشة. وأي حديث عن الديمقراطية التوافقية سيترجم على الأرض كتقاسم للسلطة والمواقع بكل ما فيها من مكاسب ونفعية تعيق عملية الفرز الاجتماعي بين المشروعين المتناقضين: المشروع الوطني – الاجتماعي المقاوم والمشروع الامبريالي – الصهيوني المتجسد بالدعوة لإلحاق لبنان بدول الاعتلال العربي بحجة تجنيبه تكاليف المواجهة مع الكيان الصهيوني. وكأن لبنان لم يواجه، ولم ينتصر في تحرير أرضه في عام 2000وصموده في حرب تموز 2006.
إن دعم المقاومة وتحصينها من نتائج الانتخابات اللبنانية لا يكمن في الديمقراطية التوافقية الزائفة، بل في فرض قانون «النسبية» وبالتوازي عبر تفعيل ذلك الجزء الكبير من فقراء الشعب اللبناني الذي لم يشارك في الانتخابات احتجاجاً على طائفيتها ودرجة التحكم بها من الذين يملكون فيتحكمون بالشعب وبمصير لبنان الوطن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 408