لاءات نتنياهو السبع وتفرعاتها

باستثناء المواقف الأوربية- الأمريكية التي تسعى إلى تسويق «موافقة» مجرم الحرب الصهيوني بنيامين نتنياهو على «قيام دولة فلسطينية»، بوصفه «إنجازاً ومكسباً مهماً»، وإلى تجميل ما جاء في خطابه المتضمن رؤيته «للسلام»؛ يجمع غالبية السياسيين والمراقبين العرب على أن هذا الخطاب يشكل صفعة أخرى (بعد خطاب باراك أوباما) لدول الاعتدال العربي، وللمنطق القائم على جدوى التفاوض و«التهدئة»، ناقلاً الصراع العربي الصهيوني إلى إحداثيات جديدة أكثر انخفاضاً للجانب العربي/ الفلسطيني، يراد أن يصبح «المكسب» بعدها «السعي» إلى «تليين وتشذيب» موقف نتنياهو وحكومته عبر المنطق القديم/ الجديد القائم على تقديم تنازلات أخرى، في مقابل ذلك.   

«لا» وقف للاستيطان، «لا» عودة لاجئين، «لا» قدس عربية واعتبار ذلك خارج النقاش، «لا» مرجعيات دولية ولا حتى عربية أو أمريكية (على علاّتها)، وإنما فقط مرجعية إسرائيلية بنسخة «نتنياهونية»، تقضي تكرماً بقيام «دويلة فلسطينية مسخ» تعترف فقط بيهودية الكيان وتصبح «محمية» تابعة له، ولكن «لا» سلاح فيها، و«لا» سيادة جوية، و«لا» تتمتع بصلاحية عقد اتفاقيات خارجية، وكل ذلك من أجل ضمان «أمن إسرائيل» مقروناً «بضمانات» دولية!

وبموازاة السعي الأمريكي-الأوربي الخطير لاختزال كل القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي في قضية المستوطنات و«تجميدها دون إزالتها»، على أهمية ذلك، فإن ما جاء في خطاب نتنياهو، استكمالاً لتثبيت أركان «اليهودية الخالصة لدولة الكيان» و«اعتبار الولاء لذلك معياراً للمواطنة»، إنما يسعى إلى فرض معطيات جديدة على الأرض، أقلها التهجير والتوطين، أي استكمال ترحيل أكثر من مليون ونصف فلسطيني متبقين داخل الأراضي المحتلة في عام 1948، وتوطين لاجئيهم ونظرائهم من الأراضي المحتلة في عام 1967 في دول الشتات التي لجؤوا إليها، أي إلغاء حق العودة مرة وإلى الأبد، تحت مقولة «حل قضية هؤلاء خارج إسرائيل».
وعلى الرغم من حديثه الاستفزازي عن «أفضليات» «السلام الاقتصادي» و«الاعتراف والتطبيع الكامل»، و«تكرمه» بالاستعداد للقاء القادة العرب سواء في دمشق أو بيروت أو القدس «الإسرائيلية طبعاً بمنظوره»، فإن ما يستتبع «لاءات» نتنياهو الأساسية ويوازيها هو «لا» تفكيك للجدار العنصري الاستيلائي المستمر في تطاوله وقضمه لأراضي الفلسطينيين، و«لا» رفع للحصار على غزة، لأن نتنياهو أعلن هدفه وتخوفه وذريعته بأن «لا» تقوم «حماس ستان» أخرى في الضفة، أي تثبيت الفصل الجغرافي السكاني الفلسطيني بما يجهض قيام أية «دولة» فلسطينية حتى بتصور «المعتدلين» تفاؤلاً!

الخطاب «السلاموي» الذي «دغدغ» مشاعر الإسرائيليين، تأكيداً لطبيعتهم العنصرية العدوانية الناسفة لأي «تعايش سلمي»، حظي بتأييد 71 %  ممن استطلعت آراءهم صحيفة هآرتس، وهو «يحشر» قيادات السلطة الفلسطينية، وقادة نظام «الاعتدال» العربي، في مقدمتهم مصر والسعودية، في خانة «اليك» أمام الجماهير الفلسطينية والعربية، مما يدفعهم «لانتقاده» دون أن يعني ذلك احتمال «انقلابهم» إلى خانة «المواجهة والرفض» لأنهم لا يرون أنفسهم هناك، وإنما هم قائمون ويستمدون بقاءهم من خلال «حبل» الشراكة والتفاوض مع الكيان. وبالتالي ستكون مهمتهم المقبلة هي «السعي» لتخفيض «لاءات» نتنياهو، بعد اعتبارها قاعدة الانطلاق الجديدة التي فرضها «من ملعبه وعلى أرضه وبين جمهوره»، وهو «سعي» ينطلق من منظور الهزيمة مسبقاً، ومنطق تحصيل ما يمكن تحصيله، أي اجترار كل مواقف الاستجداء العربي التي أثبتت إفلاسها سابقاً، لأنها قامت على «تثبيت حسن النوايا» عبر الضغط على المقاومة الفلسطينية والعمل على نسف مفهوم المقاومة برمته لدى الشعوب العربية، عبر التشويش على تعبيراتها وتجلياتها السياسية والفكرية. ولكي تستمر في «حسن نواياها»، ستعمل على تنفيذ شروط نتنياهو  بأن تقوم «السلطة الفلسطينية بفرض القانون والنظام والتغلب على حماس»، لأن «إسرائيل لن تتفاوض مع إرهابيين يحاولون تدميرها» بعدما مهد واشتغل كثيراً في خطابه على «المعالجة التاريخية التوراتية» الموجهة بالدرجة الأولى للشعوب الغربية، بخصوص «أرض إسرائيل».

وبناءً عليه، فإن المستوطنات التي يرفض نتنياهو تفكيكها، تغطي 40 بالمئة من أراضي الضفة، في وقت تمكن فيه سلفه أولمرت من بناء 1200 وحدة سكنية استيطانية في الضفة خلال عام واحد فقط، معلناً تحفظه حتى على «خارطة الطريق» سيئة الذكر، ورغم كل التطبيل والتزمير للمطلب الأمريكي له بوقف الاستيطان.
وإذا كانت الإحداثيات المتغيرة ضمن «سباق التتابع» بين قيادات الحكومات الإسرائيلية هكذا، يعود السؤال مرة أخرى حول مصير وجدوى ما يسمى بـ«المبادرة العربية للسلام» والمفاوضات غير المباشرة؟؟ وإلى أي حد هو واقعي أي «رهان» تضخيمي على قيام «مواجهة» أو حتى «تباين» أمريكي-إسرائيلي، تسوق له بعض التحليلات وبعض التصريحات من الوفود الأمريكية الزائرة للمنطقة، إذا كان البيت الأبيض قد رحب بالخطاب/ الرؤية «النتنياهونية»، اللهم إلا إذا كان سينحصر «الإنجاز» الأمريكي «الأوباموي» في تثبيت كل عناصر ذلك الخطاب على الأرض مقابل «تفكيك» بعض المستوطنات «غير القانونية»، وتسويق ذلك أمام الجانب العربي، «قصةً لما قبل النوم»، بأنه «ثمرة» معركة «مضنية» خاضها أوباما «الطيب» مع نتنياهو «الشرير»، و...«توتة توتة خلصت الحدوتة»..!
ولأن نتنياهو و«لاءاته» السبع ليس «سنو وايت أو فلة والأقزام السبعة»، ينبغي أخذه إلى «بلاد العجائب» (مع الاعتذار من أطفالنا وشخصيتهم المحببة «أليس»)، وهي بلاد المقاومة وأرض المعركة التي اختبرها سلفه في تموز 2006 وغزة 2009، بناءً على إحداثيات وخيار الغالبية الساحقة من أبناء شعوب المنطقة، أي على أرضية رفض حدود 1967، أقلها باتجاه القرار الدولي 181 الذي يعطي الدولة الفلسطينية 13 ألف كم2، وليس أقل من ستة آلاف هي المساحة الحالية المقضومة في مجموع الضفة والقطاع التي يرفض نتنياهو التنازل عنها كلها.
إن تراجع مكانة المركز الإمبريالي الأمريكي على خلفية الأزمة الرأسمالية العالمية الحالية هو أمر يرعب الكيان الإسرائيلي وقادته، ما يدفعهم لرفع سقف شروطهم التعجيزية الاستقوائية، لأنهم يدركون أن حالة النهوض العالمي المضاد ستضع مستقبل هذا الكيان، وحجمه ودوره، إن لم يكن وجوده ككل،على جدول العمل السياسي الدولي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
409