حوار القاهرة في طريق مسدود!

 ثلاثة أيام كانت كافية ليسدل الستار على لقاءات جلسة الحوار السادسة بين فتح وحماس، التي انعقدت في أجواء من «التشاؤل» الفلسطيني، خاصة وأن الفترة الفاصلة بين الاجتماع السابق، والأخير (28 / 6)، كانت قاسية وصعبة على الفصيلين، وعلى أبناء الشعب الفلسطيني الخاضع لقمع وعسف الاحتلال. فعلى صعيد القوتين المتناحرتين، استمر الشحن الداخلي المترافق باتساع حملة الاعتقالات في الضفة الغربية المحتلة، وقطاع غزة، مع تسارع واضح في المنطقة الأولى.

ويترافق ذلك مع بقاء الاستعصاءات السابقة المطروحة على جدول الأعمال، خاصة ملف الأجهزة الأمنية والانتخابات واللجنة/الهيئة الفصائلية المقترحة من مصر كبديل لحكومة الوحدة الوطنية. ما رشح عن المداولات بين الطرفين بعد انقضاء اليوم الأول من اللقاءات، يشير إلى خلاف واضح بدأ منذ اللحظة الأولى على صيغة جدول الأعمال، كما عبّر عن ذلك عضو وفد فتح نبيل شعث بقوله (وفد حماس أصر على مناقشة موضوع المعتقلين قبل البدء في مناقشة قضايا الحوار الأساسية، إذ أن حماس تقول إن 900 من أعضائها معتقلون في الضفة الغربية وأنها تحتجز 240 من أعضاء فتح في غزة)، مما دفع بالمتحاورين للوصول إلى صيغة توافقية أدت لتشكيل لجنة فرعية لبحث موضوع المعتقلين.
 
أما قضية الانتخابات فقد بقيت مطروحة على طاولة الحوار كما يقول عضو وفد فتح عزام الأحمد الذي تحدث عن (وجود مقترح مصري بشأن الانتخابات تجري دراسته، يقوم على أساس نظام مختلط تتقسم وفقه الدوائر على الشكل الآتي: 75 في المئة نسبية، و25 في المئة دوائر، و3 في المئة نسبة الحسم). مؤكداً بذات الوقت على (أن الخلاف لا يزال قائماً إزاءها منذ بداية الحوار، معرباً عن أمله أن تلقى هذه القضية طرحاً جديداً يدفعها إلى الأمام). لكن اللافت لنظر المراقبين، كان التوقيت والإعلان عن المذكرة التي تقدمت بها ثمانية فصائل فلسطينية للسفارة المصرية في رام الله المحتلة.
فقد عبّرت الفصائل عن قلقها الكبير «إزاء المنحى الخطير الذي أخذ ينحو إليه مسار الحوارات الثنائية بين فتح وحماس» لأنه يشكل في بعض جوانبه «تراجعاً عما أنجزته جولات الحوار الشامل وما توصلت إليه اللجان الخمس المنبثقة عن مؤتمر الحوار».
المذكرة حملت امتعاض القوى لعدم وجود ضمانات لإنهاء الأمر الواقع لأن «اللجنة الفصائلية المشتركة دون ضمانات لن تكون أكثر من صيغة تنسيق كونفدرالية بين حكومتين وكيانين منفصلين، الأمر الذي يعني قوننة وشرعنة واقع الانقسام بدلاً من إزالته، وتكريس الانفصال بدلاً من تجاوزه». واعتبرت المذكرة أن المقترحات لحل المسألة الأمنية، عبر تشكيل قوة مشتركة من الطرفين بدلاً من إعادة صياغة الأجهزة الأمنية على أسس وطنية مهنية وغير فصائلية، هي «صيغة هشة وغير قابلة للحياة. ولأن إقرارها ينطوي على مخاطر جمة، تنعكس على وحدة الكيان الوطني الفلسطيني ووحدانية التمثيل الفلسطيني وتقود إلى تمزيقه وتآكل مكانة م.ت.ف كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني» لأن هذه القوى «لايمكن أن تقبله ولا أن تكون شريكة فيه». كما نظرت القوى الموقعة على المذكرة «بخطورة بالغة إلى التراجع عن مبدأ التمثيل النسبي الكامل، والارتداد إلى مبدأ النظام المختلط والدخول في مساومات حول النسب بين القوائم والدوائر وحول عتبة الحسم».
وكان الموقف الأبرز في المذكرة، تأكيد تلك الفصائل على موقفها الرافض لنتائج الحوار الثنائي بين فتح وحماس: «إن نتائج الحوار بين فتح وحماس لن تكون ملزمة لفصائلنا، التي لا تقبل أن تكون طرفاً في أي اتفاق لا يضمن وضع حد فوري لواقع الانقسام، المتمثل في وجود حكومتين وكيانين في غزة والضفة الفلسطينية، أو لا يوفر الضمانات لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها الدستوري المقرر في كانون الثاني 2010، مع تأكيد أهمية اعتماد نظام التمثيل النسبي الكامل بنسبة حسم لا تتجاوز 1.5%».
 
مذكرة الفصائل أثارت لغطاً كبيراً داخل أروقة غرف الحوار، وعلى صعيد الساحة السياسية، نظراً لأن بعض الفصائل الموقعة، مشاركة في حكومة سلام فياض، و بعضها الآخر متوافق- بل متطابق- مع برنامج السلطة، مع الإشارة إلى أن أبرز القوى الموقعة «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» مازالت تؤكد بخطابها السياسي/ الإعلامي على تمايزها- عن معظم الفصائل الأخرى التي شاركت بصياغة المذكرة- في رؤيتها لمعالجة الانقسام ونتائجه.
في ظل هذا المشهد الفلسطيني المتنافر، لم يكن ممكناً أن يكون يوم السابع من تموز الذي تسعى إليه القيادة المصرية كموعد لإنهاء الانقسام، ولتوقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية، «مسك الختام» في ماراثون الحوارات العتيدة، خاصة مع الرؤيا/ الموقف الذي عبرّ من خلاله «أسامة المزيني» أحد قادة حماس عن انتقاده التمسك المصري بموعد السابع من تموز لتوقيع الاتفاق، متسائلاً (إن لم يكن هناك اتفاق على النقاط الباقية، فما قيمة أن تعلن مصر اتفاقاً... وإذا لم يجر التوصل إلى حلول، فهل ستجبر مصر الطرفين على رؤيا معينة؟ وهل يمكن أن يحصل تصالح بين شخصين بالإكراه). وأضاف (لابد من أن نصل إلى حل من القلب يوافق عليه الطرفان، وإلا فستعود الأمور كما حدث بعد اتفاق مكة، وسرعان ما تنفجر الأمور بعد ذلك).
مع انفضاض جلسة الحوار السادسة، تحدث عضوا وفد حركة فتح، زكريا الآغا ونبيل شعث (إنه تقرر أن تكون الجلسة المقبلة من الحوار يوم الخامس والعشرين من تموز المقبل، تعقب ذلك جلسة شاملة بمشاركة الأمناء العامين للفصائل أو من ينوب عنهم، ليتم التوقيع على الاتفاق يوم الثامن والعشرين من الشهر ذاته). وأوضح شعث أن (الأشقاء في مصر قد منحوا الحوار الفلسطيني فرصة أخرى للوصول إلى أهدافه). وهذا ماأكده مسؤول مصري رفيع المستوى في تقييمه لما حصل (سيتعيّن على الجميع أن يعودوا مجدداً إلى هنا قبل نهاية الشهر، تلك ستكون المهلة الأخيرة، بعدها لكل حادث حديث).
لقد جاءت نتيجة الأيام الثلاثة من الحوار، لتعكس عمق الأزمة بين القوتين المسيطرتين، ولتكشف بذات الوقت عن المأزق الذي يعانيه كل طرف، بما يفرضه ذلك على الشعب الفلسطيني في كل مناطق وجوده من مآس. إن قراءة الواقع الراهن بتطوراته ودلالات أحداثه، تؤكد أن خلاص شعبنا من حالة الانقسام مرهون بقدرته على تجديد وحدته «شعباً وأرضاً وسياسة» حول برنامج المقاومة، وعلى رفضه صيغ الحكم الإداري الذاتي مهما تنوعت أسماؤها، والتي كانت إحدى إفرازات اتفاق أوسلو الكارثي وملحقاته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
411