المنتدى الاجتماعي العالمي بمدينة بورتوأليغري البرازيلية نحو بناء عالم آخر

بدأ المنتدى الاجتماعي العالمي الثاني أعماله يوم الخميس في 31 كانون الثاني بمدينة  بورتوأليغري البرازيلية بتظاهرة حاشدة تحت اسم «مسيرة من أجل السلام» ضمت نحو ستين ألف  شخص  رفعوا شعارات معادية للعولمة ومؤسساتها ولسياسات  الولايات المتحدة في العالم،كما رفعوا الأعلام الحمراء وصور غيفارا وماركس إضافة إلى أعلام الأرجنتين ونقاباتها العمالية تضامناً مع الشعب الأرجنتيني في أزمته الحالية. والملفت للنظر أن فلسطين كانت حاضرة بقوة في التظاهرات والنقاشات المختلفة.

المنتدى المضاد
ويأتي المنتدى الاجتماعي العالمي كفعالية مضادة لما يسمى بالمنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعقد سنوياً في منتجع دافوس السويسري، حيث يجتمع أولئك الذين يطمحون لإملاء مجرى الاقتصاد العالمي من كبار القادة والسياسيين و الاقتصاديين ورجال الأعمال، والذي ينعقد للمرة الأولى في نيويورك في إطار ما وصف بأنه مبادرة تضامن مع «المدينة المنكوبة» بعد أحداث 11 أيلول، رغم أن البعض قال إن سبب نقل مكان المنتدى هو تعاظم التظاهرات المعادية  للعولمة والتي باتت تنظم سنوياً في دافوس.
ويشمل المنتدى برنامجاً واسعاً من المؤتمرات وحلقات البحث وورشات العمل والفعاليات الثقافية تستمر من 31/1 ـ 5/2،  يشارك فيها قرابة 50000  شخص من دول الشمال والجنوب، ويناقش تجارب ويقترح بدائل لمواجهة نمط العولمة الذي يفرضه الرأسمال العالمي  وممثلوه.
انعقد المنتدى الاجتماعي العالمي أول مرة في بورتو أليغري من25 إلى 30 كانون الثاني عام 2001، في الفترة التي انعقد فيها المنتدى الاقتصادي في دافوس. وقد حضره نحو 20000 شخص قدموا من أكثر من 100 بلد، وكان من بين الحضور 165 شخصية برازيلية وعالمية و 4702 وفداً و2000 مشارك في معسكر الشباب و700 في معسكر الشعوب الأصلية، ومثل الصحافة 1870 صحفياً منهم 1484 برازيلياً و386 من بقية أنحاء العالم.

لقد زاد عدد الوفود المسجلة بشكل ملحوظ منذ المرة الأولى. ففي حين كان عددها نحو 4700، ارتفع عام 2002 إلى 19180 وفداً، علماً أن العدد الأعظمي الذي كان من المقرر استيعابه هو 12000. أما ورشات العمل، فقد ارتفع عددها من 400 إلى 700 ورشة، مما يدل على الأهمية والشهرة العالميتين اللتين اكتسبهما هذا المنتدى.
هذا وتتألف «اللجنة التنظيمية البرازيلية» ـ المنظم الأساسي للمنتدى ـ من ثماني منظمات هي: الجمعية البرازيلية للمنظمات غير الحكومية  ABONG ، ATTAC ، هيئة العدل والسلام البرازيلية CBJP ، جمعية الأعمال البرازيلية من أجل المواطنة CIVES ، كونفدرالية اتحاد التجارة المركزي CUT، المعهد البرازيلي للدراسات الاجتماعية والاقتصادية TBASE ، حركة عمال الريف «الذين لاأرض لهم» MST، الشبكة الاجتماعية للعدالة وحقوق الإنسان. وبالإضافة إلى اللجنة التنظيمية البرازيلية فهناك «المجلس العالمي» المؤلف من نحو 70 منظمة تمثل أغلب بلدان العالم. كما يدعم المنتدى «المجلس البرازيلي» و «لجان التعبئة» المنتشرة في أنحاء العالم كله.
ويستضيف المنتدى عدداً كبيراً من الشخصيات البارزة والمعروفة عالمياً، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: جوزيه ساراماغو ـ الكاتب البرتغالي الحائز على جائزة نوبل، ديتا ساري ـ الناشطة الأندونيسية الأكثر شهرة في مجال حقوق الإنسان، والتي قادت حركات طلابية ونقابية وسجنت وعذبت مرات عدة، كما كانت أحد قادة حركة الاستقلال في تيمور الشرقية وإغناسيو رامون ـ رئيس تحرير صحيفة «لوموند ديبلوماتيك» الفرنسية، ونعوم تشومسكي ـ أحد أكثر الكتاب السياسيين جرأة وأهمية في الولايات المتحدة، وهو بروفسور في اللسانيات في معهد ماساشوسيث للتكنولوجيا، وله أكثر من 30 مؤلفاً في السياسة، وسيعرض  آخر مؤلفاته «11 أيلول» الذي يتهم فيه أمريكا بإرهاب الدولة، ونعومي كلين ـ الصحفية الكندية الشابة التي اشتهرت بكتابها المنشور حديثاً «لا شعار» الذي تتحدث فيه عن حركة مناهضة العولمة المتنامية والحملات والنشاطات الشبابية في مواجهة صندوق النقد  الدولي ومنظمة التجارة العالمية وقمم صنع القرار الأخرى للقوة الاقتصادية العالمية، فاندانا شيفا ـ الباحثة الهندية والناشطة في مجال  الدفاع عن المصادر الطبيعيةو طارق علي ـ الكاتب الباكستاني الذي نفي إلى إنكلترا في الستينات بسبب معارضته للدكتاتورية العسكرية في باكستان، و كان أحد الناشطين البارزين في حركة مناهضة الحرب في أوروبا في أواخر الستينات، وله عدد من المؤلفات  في التاريخ والسياسة.
إن المنتدى الاجتماعي العالمي، كما جاء في «بيان المبادئ» الصادر في ساوباولو بتاريخ 9نيسان 2001، هو «لقاء مفتوح للتفكير التأملي والحوار الديمقراطي، ويسعى لصياغة المقترحات وتبادل التجارب والربط المثمر بين مجموعات وحركات المجتمع المدني المعارضة للنيوليبرالية وسيطرة الرأسمال وكافة أشكال الإمبريالية، والتي تلتزم ببناء مجتمع كوكبي أساسه الإنسان» وهو «سيرورة عالمية» وتتمتع لقاءاته «ببعد عالمي». وإن «البدائل المقترحة في المنتدى الاجتماعي العالمي تقف في مواجهة عملية عولمة رأسمالية تتحكم بها الشركات الكبرى متعددة الجنسية والحكومات والمؤسسات العالمية التي تخدم مصالح تلك الشركات. وقد وضعت هذه البدائل لضمان أن عولمة تضامنية ستسود كمرحلة جديدة في تاريخ العالم، والتي ستحترم حقوق الإنسان العالمي وحقوق كل المواطنين ـ رجالاً ونساءً ـ من سائر الأوطان، وكذلك البيئة. ولسوف تشاد على قوانين وأنظمة عالمية ديمقراطية في خدمة العدالة الاجتماعية والمساواة وسيادة الشعوب».
والجدير بالذكر أن المبادرة إلى تنظيم المنتدى الاجتماعي جاءت في  أوائل شباط 2000 من قبل أوديد غراجو وفرانسيسكو ويتاكر مع رئيس تحرير «لوموند ديبلوماتيك» ورئيس جمعية ATTAC، آنذاك برنارد كاسن. وقد اختاروا البرازيل ـ إحدى دول العالم الثالث ـ بسبب التأثير الرمزي لذلك، وبالتحديد مدينة بورتو أليغري التي باتت معروفة في أنحاء العالم كافة بسبب تجاربها الديمقراطية ونضالها ضد النيوليبرالية. وقد جاء ذلك بعد دعوة أولى أطلقتها حركة public citizens، الأمريكية التي كان يقودها رالف نادر، في مقالة نشرت في لوموند ديبلوماتيك، بقلم محام من الحركة اسمه لوري والاش. وكان الهدف الأساسي من فكرة المنتدى هو البدء بمرحلة جديدة من مقاومة الفكر الذي يصنعه «مالكو العالم» في لقائهم السنوي في دافوس، أبعد من المظاهرات والاحتجاجات التي كانت أشهرها في سياتل وواشنطن وبراغ... وكان المطلوب هو البحث عن أجوبة دقيقة جديدة لتحديات بناء «عالم آخر» يكون فيه الاقتصاد في خدمة الإنسان وليس العكس. وعلى إثر ذلك اجتمعت المنظمات الثماني آنفة الذكر في ساوباولو في 28 شباط 2000 ووضعت ما سمي بـ «اتفاق التعاون» للانطلاق بالمنتدى الاجتماعي العالمي.
وأخيراً وليس أخراً، فقد اقترحت الأفكار / المحاور التالية للتداول والبحث في سياق المنتدى الذي سينعقد ـ كما ذكرنا ـ في بورتو أليغري:

1. إنتاج الثروة: التجارة العالمية، الشركات متعددة الجنسية، مراقبة الرأسمال العالمي، الديون الخارجية، العمالة، اقتصاد التضامن، استصلاح الأرض.
2. مدخل إلى الثروة والاستدامة: المعرفة والملكية الفكرية، الصحة والأدوية، الحفاظ على البيئة، المياه، ذُخرنا المشترك، الشعوب الأصلية، الأرياف والحضر، الأمن الغذائي.
3. المجتمع المدني والملك العام: محاربة التمييز، دمقرطة الاتصالات، الإنتاج الثقافي، وجهة نظر عن الحركة العالمية، ثقافة العنف، الهجرة واللجوء، التعليم.
4. السلطة والسياسة والأخلاق: السلطة العالمية، الديمقراطية التشاركية، السيادة والأمة والدولة، حركة السلم، مبادئ وقيم، حقوق الإنسان.
هذا بالإضافة إلى حلقتي بحث هامتين هما: تحليل شامل للرأسمالية، وعالم بلا حرب ممكن.
المنتدي الاقتصادي العالمي
هذا وقد افتتح في نيويورك يوم الخميس المنتدى الاقتصادي العالمي وسط إجراءات أمنية مشددة لحماية القادة ورجال الأعمال. رغم أن منظمي التظاهرات صرحوا بأنها ستكون سلمية. واسم المنتدى هذا العام هو «القيادة في الأزمنة الهشة، رؤية للمشاركة المستقبلية»، وسيسعى كالعادة لرسم مسارات اقتصادية وسياسية تخدم الرأسمال الإمبريالي ومصالح ممثليه من الشركات الاحتكارية الكبرى.   

معلومات إضافية

العدد رقم:
168