امبراطورية «اسرائيل الكبرى»العابرة للقارات.!!!

  شعارات اسرائيل المتجددةوالتحالفات الاستراتيجية، من النيل إلى الفرات من جديد، من التوسع العسكري إلى التوسع الاقتصادي الواقعي، والتحالف الأنجلوسكسوني، والعوامل الإسرائيلية والتغيرات في العالم تضعنا امام لحظة مفصلية.

منذ نشأ الكيان الصهيوني ومصطلح «إسرائيل الكبرى» يتردد مصحوبا بخرائط متباينة ومخططات مختلف، ولعل المفارقة أن الخرائط ليست محل إجماع بين الصهاينة أنفسهم وتشير عبارة من النيل إلى الفرات والإحالة على الخطين الملونين باللون الأزرق في علم إسرائيل كرمز للنهرين الأكثر شيوعاً من بين تصورات عديدة لخارطة هذه الدولة. وكان الانكماش الجغرافي للكيان الصهيوني الذي فرضته التحولات الإقليمية، مؤشراً أن «إسرائيل الكبرى» ستأخذ شكل سيطرة إقليمي دون توسع عسكري وهو ما عكسه مشروع «السوق الشرق الأوسطية» الذي ولد ميتاً.

التحول إلى قوة دولية:

الشكل الذي يبدو أن هذا الكيان سيتخذه هو بلورته ملامح تقرير صهيوني شديد الأهمية، يربط من خلال قراءة متسرعة للتقرير بين الطموح الذي يعبر عنه وبين الحرب على العراق فإن هذا الطموح على الأرجح يستند إلى ظرف دولي أكبر حجما وسيكون أعمق تأثيرا متمثلاًُ في الصعود الإنجلوسكسوني المشهود وتبلور ملامح حلف دولي جديد يضم بالأساس الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا. واستنادا لمقولة «القيم المشتركة» بين إسرائيل وأميركا يرى ساسة إسرائيل أنهم أمام فرصة تاريخية لأن يكون الكيان عضوا فاعلا في حلف سياسي ربما أصبح القاطرة التي تحدد مسار السياسة الدولية.

وهذا الصعود المشهود للتحالف الإنجلو سكسوني بدأت مراكز البحوث الأميركية مؤخرا توليه المزيد من الاهتمام، فيصف الكاتب الأميركي جيم مان (المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية أميركا) في مقال نشره قبل حرب العراق: « بدأت تسيطر على الولايات المتحدة في غضون أشهر فكرة غريبة في إطار البحث عن أساس جديد يمكن أن تبنى عليه السياسة الخارجية وحتى تنجلي هذه الفكرة فلنسمها الوهم الأنجلوفوني». ما يربط أركان التحالف الجديد ليس اللغة وحسب بل الثقافة الإنجلوسكسونية التي حمل بذورها المهاجرون إلى ما سمي «العالم الجديد».

وحسب بلير: «نتفق مع الأميركيين في الكثير من وجهات النظر لتطابق ذلك مع المصالح الوطنية لبريطانيا، كما أن تأملاتنا وأحاسيسنا متطابقة كما أنها تطابق قناعاتنا بحتمية اتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهة القضايا العالقة». معللاً بأن وقوف بلاده إلى جانب الولايات المتحدة يضمن نفوذاً واسعاً في المسرح السياسي الدولي مما ينعكس بشكل إيجابي على الميدانين السياسي والاقتصادي للمملكة المتحدة. وما شهدته الحرب على العراق من تباعد في المواقف بين الولايات المتحدة والقوى الكبرى في أوروبا نتاج مزيج من اختلاف المصالح والإحساس المتزايد بالاختلاف.

ومن المؤكد أن غياب التهديد السوفييتي قد أقام مناخا جديدا إذ قلص على نحو ملموس إحساس الولايات المتحدة وأوروبا بالخطر، وهوما أحدث تغييرا في الواقع الدولي. أحلام امبراطورية بديباجات دينية تشير دراسات عديدة، منذ عهد ريغان إلى حضور متزايد للدين على الساحة السياسية الأميركية، وبصفة عامة تتسم الثقافة الأميركية بتأثير ملموس للأفكار ذات الأصول الدينية الأمر الذي يجعل للمذهب البروتستانتي الذي يجمعها بحلفائها دورا في تفضيل التعامل مع قوى دون أخرى. وعلى أطراف هذا التحالف تقف هولندا، متمايزة عرقيا ولغويا عن البقية لكن يبقى أثر البعد البروتستنتي في ثقافتها مؤثرا في سياستها، وقد بثت التلفزيون الهولندي في تشرين الأول 2003 فيلما وثائقيا بعنوان «الصمت حيال إسرائيل« تطرق لموضوع العلاقة التي تربط هولندا بالكيان الصهيوني والانحياز الكبير الذي عُرفت به. فقد اتسمت السياسة الهولندية منذ إنشاء الكيان الصهيوني بالانحياز الكامل له ومساعدته ماليا وسياسيا في جميع حروبه ضد الدول العربية.

واعترف وزيرا الخارجية الهولنديان السابقان هانس فان ميرلو وهانس فان دن بروك، خلال البرنامج بأن مؤسسات وزارة الخارجية الهولندية وممثلياتها في الخارج تلقت دوما - خصوصا إبان الحروب والأزمات. أوامر تشدد على ضرورة مساندة الكيان الصهيوني. بل إن هانس فريلينخ وزير الدفاع الهولندي الأسبق فجر قنبلة عندما قال: «إن القوات الهولندية تلقت الأوامر إبان حرب تشرين 1973بأن تكون في حالة استنفار قصوى لمساعدة قوات الكيان الصهيوني في حال احتاج إلى ذلك». وتضمن البرنامج الوثائقي مقتطفات من لقاء كان التلفزيون الهولندي قد أجراه مع غولدا مائير بعد حرب 1973 وهي توجه الشكر للهولنديين وللدولة الهولندية لوقوفهم مع الكيان الصهيوني في لحظات عصيبة مرت به. وقرار دولة تدار بشكل رشيد تجعل قواتها في تأهب للتدخل في نزاع يدور بعيدا عنها في ظروف دولية معقدة، يفترض أن تحكمه اعتبارات «نفعية» رشيدة بالمعايير الغربية. والإطار الوحيد الذي يفسر ذلك هو النظر للهوية بوصفها إحدى مقومات الوجود ومن ثم فيجب التصرف وفقا لمقتضياتها حتى لو على حساب المصالح بمعناها المعروف. فالتدخل العسكري خرجت من القاموس السياسي الهولندي قبل حرب أكتوبر بقرون، وهي لا تخوض حروبا خارج حدودها على الإطلاق، وبالتالي فنحن أمام «لحظة كاشفة» بالمعنى الحرفي للكلمة.

جناح الحلف الشرقي: وأما استراليا الجناح الشرقي للحلف فشهدت في تشرين الثاني من العام الماضي مشهدا جديرا بالتوقف عندما تعرضت حنان عشراوي لهجوم غداة تسلمها «جائزة سيدني للسلام« ووصفتها عشراوي بأنها «أسوأ من هجمات الإسرائيليين»، رغم أن الجالية اليهودية باستراليا مارست ضغوطا قوية لمنع منحها الجائزة.

ومن الثوابت التي طرأت على السياسة الاسترالية تأكيدها في النصف الثاني من التسعينيات أولوية التحالف العسكري مع أميركا، ففي تموز 1996، تم تأكيد هذا التحالف وبدأت محادثات دفاعية سنوية وصدر إعلان للتعاون «إعلان سيدنى« وقرر الجانبان إجراء أكبر مناورة عسكرية مشتركة بين البلدين منذ الحرب العالمية الثانية (آذار 1997). ولم تهتم استراليا بتقوية العلاقات مع الولايات المتحدة في مجالات التعاون العسكري وحسب بل أكدت أيضا توافقها معها في القيم والنظم السياسية والقانونية، وهو ما كان مقدمة لإعادة صياغة الدور الإقليمي والدولي لاستراليا كليا في إطار تأكيد أولوية الهوية، وهي تبذل جهودها لكي تتوافق رؤيتها مع رؤية الولايات المتحدة في كثير من المشكلات العالمية.

بناء الكومنولث الصهيوني وبناءً على المعطيات السابقة يطرح البروفيسور دي لا فيرغولا صيغة للعلاقة بين الكيان الصهيوني ويهود العالم إنه: «على ضوء الاعتراف بعلاقة كافة اليهود في العالم بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني فإنه يتوجب إشراك ممثلي كافة جاليات الشعب اليهودي (في العالم) في حسم قضية الصراع، برغم أن اتخاذ القرارات الفعلية حق حصري لإسرائيل». موسعاً دائرة الشراكة مطالبا بإشراك ممثلي اليهود في العالم ليس فيما يتعلق بالصراع فحسب بل أيضاً أن تأخذ كل قرارات حكومة الكيان بالحسبان انعكاساتها على اليهود في العالم –وهو الأمر الذي نشهده بشكل كبير هذه الأيام ابتداءً بطلب شارون ليهود فرنسا الرحيل إلى فلسطين، ومن ثم تشجيع أعداد كبيرة من اليهود في الهند الأوربية على التوجه نحو فلسطين أيضاً.

 «ويتضمن ذلك قرارات الحكومة الإسرائيلية المتعلقة بالقضايا الأمنية الآنية. ولا يعني الاكتراث باليهود في العالم إلغاء احتياجات إسرائيل لكن الأخذ بالحسبان على الأقل انعكاسات ذلك على اليهود في العالم وان يتم اتخاذ الحيطة» بما يتلاءم مع السياسة التي تقررها الحكومة الإسرائيلية. وللفكرة التي يطرحها التقرير لها جذور تاريخية تعود لنشأة الكيان الصهيوني حيث دارت صراعات متعاقبة حاولت فيها منظمات صهيونية عديدة رفض مساعي الكيان الصهيوني لأن يبتلع الحركة الصهيونية في العالم أجمع من خلال فرض منطق المركز والأطراف على أعضاء الجاليات اليهودية في العالم كله، ومؤخرا اقترح الوزير نتان شرانسكي إقامة «سينات يهودي« يمثل التنظيمات والتجمعات اليهودية في العالم ويكون بمنزلة جسم استشاري يقدم خدماته للكنيست وللنواب. ومن أجل تعزيز مكانة المعهد لدى متخذي القرار في الكيان الصهيوني وبين يهود العالم، تم مؤخرا تعيين الدبلوماسي الأميركي دينيس روس رئيسا لمجلس إدارته.

ما يثيره التقرير من مشكلات محتملة نتيجة تبني هذه الصيغة قد يحتاج لوقفة أخرى فهو يعيد إنتاج إشكالية ازدواج الولاء ويحمّل يهود العالم تبعات السياسات الرسمية للكيان بل قد يزيد مشاعر العداء لليهود على نحو غير متوقع. وبخاصة في الدول التي تشهد قدرا كبيرا من التماسك القومي، كما أنه لا يأخذ في الحسبان تفاوت ردود الفعل المتوقعة من يهود العالم بل احتمال تباينها تماما. لكنه يطرح تصورا طموحا لإقامة امبراطورية «إسرائيل الكبرى« العابرة للقارات لا من النهر إلى النهر بل من المحيط إلى المحيط، وهي امبراطورية ستلعب «السكان» فيها دورا أكبر من الجغرافيا وهو تحول نوعي شديد الخطورة وتحد جديد سينقل الصراع إلى أفق مغاير.

 

 ■ بقلم: ممدوح الشيخ

معلومات إضافية

العدد رقم:
227
آخر تعديل على الإثنين, 28 تشرين2/نوفمبر 2016 14:30