«نمشي ونكفي الطريق...

أن تكتب يوم «أربعاء»، عن حدث سيجري يوم «جمعة»، مادة ستنشر يوم «سبت»، هو ضرب من الجنون الصحفي، أو أقله تحدي كبير، ولاسيما أنك لست بصدد استقراء حدث أو تصريح أو موقف سياسي صرف، بقدر ما أنت بصدد الكتابة عن اندماج ذلك كله بحالة جماهيرية ذات طابع وجداني عارم، تتعلق باحتفال الشيوعيين السوريين واللبنانيين بـ85 سنة على ولادة حركتهم وحزبهم! وإن هذا التحدي الزماني نفسه يضعك أمام صيغة «سيكون/ كان»!

لذلك، وبغض النظر عن شكله وحجمه ومدى نجاحه الذي سيظهر في موعده وبواقعه الملموس، يمكن الاستباق بالحديث عن الاحتفال ومعانية غير المرتبطة به حصراً، وهي الموجودة في أسباب التحضير له، والإعلان عنه، وإقامته، والبناء على النتائج المرجوة منه.
يمكن قراءة الحدث/ الاحتفالية بأنه رسالة ضمنية وخارجية على حد سواء، وهو على المستوى الأول الشكلاني فرصة للقاء أعداد لا بأس بها ممن استطاع مادياً ولوجستياً من الشيوعيين السوريين «كبيرهم وصغيرهم والمقمط بسريرهم» وأصدقائهم وجماهيرهم إلى دمشق سبيلاً من كل أنحاء سورية الوطن، من القامشلي واللاذقية شمالاً إلى السويداء ودرعا جنوباً، ويزيدها المشاركة اللبنانية والمصرية ببعديها العربي والمقاوم في انعكاس لروح النضال والمقاومة المتجذرة في صفوف أبناء الشعب السوري والمنطقة.
وهو بالتالي خطوة تنسيقية ملموسة أخرى للأمام على طريق وحدة الشيوعيين، تكسر انطواءهم وانعزالهم عن بعضهم وتقوقعهم، نحو إلغاء الحالة الفصائلية، و«الدكاكين» الشيوعية، أي ذاك الحزب الشيوعي الواحد الموحد الذي يقوم بدوره الوظيفي في البلاد، حزب جماهيري واسع النفوذ والتمثيل للتنوع الحضاري والجغرافي السوري الغني، يعتمد برنامجاً وطنياً بمرتكزاته المترابطة عضوياً بالمعنى والجوانب السياسية والاقتصادية-الاجتماعية والديمقراطية.
وبهذا المعنى فإن ما «سيكون/ كان» هو حدث/ احتفال يستحقه الشيوعيون أبناء الوطن، محطةً لمراجعة 85 سنة من عمر الحزب الشيوعي تختزن ذاكرتها الكثير من الألقاب المستحقة بجدارة كما روى ويروي مناضلونا الأوائل، من حزب الوطن، وحزب الخبز وحزب الجلاء، وصولاً إلى ذاكرتنا القريبة التي تؤكد أن الحركة الشيوعية القوية والمتبصرة هي ضرورة موضوعية للبلاد، حيث أثبت تطور الأحداث صوابية القراءة الشيوعية العلمية لها، ولاسيما عبر «قاسيون»- التيار والصحيفة- سواء فيما يتعلق بالأزمة الرأسمالية العالمية أو الموقف من المقاومة وضرورتها (عدوان تموز 2006 وغزة 2009 والعقوبات على سورية ومحاولات تطويقها) أو حتى داخلياً فيما يتعلق بالشراكة الأوربية ومعارك رفع الدعم، وسياسات الحكومة والفريق الاقتصادي، الآيل منطقياً للسقوط.
قد يقول قائل على نحو ببغائي «لسّا بتحكو بالإيديولوجيا بعد ما سقط عصرها وانقصف عمرها؟» والجواب بسيط: «إيه طبعاً..! ليش ما في إيديولوجيا صهيونية، وعقيدة محافظين جدد، وأنصار مالتوسية جديدة؟.. وبشو بدك تواجه هدول (إنشاء) الله؟ باللا- إيديولوجيا، يللي هي بحد ذاتها إيديولوجيا، ولكن مضادة وسلبية وتضليلية؟».. «وكيف بالله إجا مستشار سابق لريغان ويللي هو مالو شيوعي بالمرة وقال إن جائزة نوبل لازم تروح لماركس ولينين..؟».
وبالعودة إلى «سيكون/ كان» التي تفترضها المقالة ويفرضها الحدث فإن، الحزب الشيوعي، بالمعنى المنشود، كان، وهو، وسيبقى، وسيكون..!
وهي فرصة أخرى لتوجيه الدعوة لجميع الشيوعيين السوريين المخلصين على امتداد سورية للتوحد على أسس شفافة تحترم رأيهم وجماهيرهم وتلتزم بما هو مناط بهم من عمل ونضال في خدمة الشرائح الطبقية الأوسع التي يمثلونها، بلقمتهم وكلمتهم، تحقيقاً لمصالح غالبية أبناء الشعب وإسهاماً في حماية الوطن.
قد يقول آخرون، ونحن منهم، «هل هذا كاف؟ هل يكفي وضع الرؤى والتحليلات وصياغة الخطاب وتطبيق بعض من الممارسة، وإعادة تكريس بعض من المصداقية أمام الناس؟»..
جوابنا المباشر، كان وسيكون: «بالطبع لا، لكننا- ومن دون أن نضع أقواساً في الأفق- سنمشي ونكفي الطريق..!

معلومات إضافية

العدد رقم:
431