د. صالح بن بكر الطيار د. صالح بن بكر الطيار

هل سقطت أسطورة دبي المالية؟

ما إن تم الكشف عن حجم أزمة إمارة دبي المالية حتى بدأت البورصات العالمية تسجل هبوطاً ملحوظاً في حركة الأسهم الأمر الذي يؤكد مدى ترابط الاقتصاد العالمي وتداخله ومدى هشاشة الركائز التي يقوم عليها خاصة اقتصاد الدول التي شهدت صعوداً سريعاً في نموها والتي تعتمد بشكل أساسي على قطاعات الخدمات والعقارات والتوظيفات المالية.

 

والمعلوم أن إمارة دبي قد توسعت ونمت في زمن قياسي، فبرزت الأبراج وناطحات السحاب الفخمة، إضافةً إلى المجمعات المالية والسياحية، والمنشآت الرقمية المعلوماتية، ووسائط تكنولوجية الاتصالات. وساعدها في ذلك موقعها الجيواستراتيجي حيث تحتل نقطة تواصل بين منطقة الخليج العربي وجنوبي شرق آسيا، إضافة إلى إقامتها أفضل العلاقات التجارية مع إيران التي تعاني من شبه حصار اقتصادي منذ سنوات عدة. وبحكم الأنظمة المرنة التي اعتمدتها إمارة دبي فقد أصبحت مركز جذب للمستثمرين الدوليين الذين يفتشون عن أرباح سريعة. وهذا ما لعب دوراً في استقطاب مئات مليارات الدولارات. وبما أن حكومة دبي هي شريكة أساسية في معظم المشاريع، فقد أنشأت شركات عملاقة واستدانت على هذا الأساس مليارات الدولارات من مؤسسات مالية ومصرفية عالمية وقد أدى التوسع والاستدانة واستقبال تدفقات رأس المال الأجنبي بالمقابل إلى توسع الالتزامات المترتبة عليها، وقد ظلت هذه الالتزامات تخلق المزيد من الأعباء والضغط، والتي بدورها ظلت تتراكم. وفي ظل ضغط الأزمة المالية العالمية وتداعياتها، وفي ظل انخفاض أسعار النفط وغيرها، لم تعد دبي قادرةً على سداد هذه الالتزامات، فقامت بالاتصال ببعض الأطراف الدائنة الغربية لجهة إقناعها من أجل تأجيل سداد مبلغ 3.25 مليار دولار مستحقة السداد إلى تاريخٍ لاحق، وقد أدى هذا الطلب إلى لفت انتباه الدائنين الغربيين، والذين بعد قيامهم بإجراء الدراسات والتحليلات أدركوا وجود التزامات تقول أوساط خليجية بأن حجمها الإجمالي في حدود 80 مليار دولار، وتقول أوساط أوربية بأن حجمها الإجمالي في حدود 123 مليار دولار أمريكي. وما هو مثير للانتباه، هو مدى الفارق الكبير بين تقديرات المدينين وتقديرات الدائنين، وهو فرق يبلغ 43 مليار دولار، أي أكثر من 50% من تقديرات المدينين التي مازالت تصر على أن مبلغ الالتزامات هو 80 مليار دولار. ويبدو أن دبي باتت في وضع يمنعها من مواجهة أزمتها المالية ولهذا طلبت تدخل أبو ظبي التي اشترطت أن تقدّم الدعم اللازم ليس على أساس كلي، وإنما على أساس جزئي، بحيث يتم التعامل مع كل حالة إعسار مالي على حدة، وهذا معناه، أن السلطات المالية في أبو ظبي سوف تتعامل مع شركات دبي المتعثرة عن طريق إعداد دراسةٍ خاصة بكل شركة، وتحديد مواردها والتزاماتها، وصولاً إلى تحديد حجم العجز المالي، ثم العمل بعد ذلك على تقديم الدعم اللازم. مما يعني أن أبو ظبي لن تعمل على معالجة أزمة دبي . وكذلك الحال بالنسبة للمؤسسات المالية العالمية التي تتعامل مع أي قرار لإنقاذ دبي من منطلق جنيها لأكبر قدر من الأرباح. وهذا ما يعيد إلى الذاكرة أزمة دول النمور الآسيوية قبل سنوات. وإضافة إلى ذلك هناك بعض الدول التي تنتظر

أن ترث دبي، إما عبر شراء بعض المشاريع فيها، وإما عبر جذب الرساميل التي ستهرب من دبي بعد نشوب هذه الأزمة التي ستكون حكماً طويلة الأجل وستنتقل عدواها ولو بشكل جزئي إلى منطقة الخليج وإلى بعض الدول الأوربية خاصة وأن البنك البريطاني المعروف باسم HSBC له بذمة دبي 17 مليار دولار. ويبقى السؤال الذي من الصعب الإجابة عنه الآن هو هل انتهى عصر دبي؟ وهل أصابتها بأنفلونزا مالية ستكون قاتلة، أم مجرد وباء يحتاج إلى حجر صحي وإلى نفس طويل في المعالجة. !.

--
* رئيس مركز الدراسات العربي الأوربي

معلومات إضافية

العدد رقم:
431