أوباما وأفغانستان: إستراتيجية التحضير لمواجهة واقع مرير
كالمجبر على الانخراط في حرب يتمنى لو لم يكن طرفاً في وضع نهاية غير مشرفة لها، أنهى باراك أوباما جلسات البحث والتمحيص التي كان يعقدها مع مجلس الحرب وكبار مستشاري الدفاع والسياسة الخارجية والميزانية ليعلن أمام طلاب الكلية العسكرية في «وست بوينت» ليل الثلاثاء عن إستراتيجيته للمرحلة القادمة من الحرب الأمريكية في أفغانستان: تصعيد للحرب هناك وضخ المزيد من القوات فيها، رغم كل الصرخات المنادية من أجل نهاية لعصر الغزوات والحفاظ على ما تبقى للبلاد من موارد وثروات، ولطموحات مزيد من القانطين بحثاً عن عالم الحلم الأمريكي،،، وما قد تكون خلفته لهم حروب السنين الأخيرة والأحداث، من بقايا أحلام أو فتات.
واشنطن- خاص قاسيون
المفارقة تزداد اتساعاً حيال إستراتيجية أوباما الجديدة حيال حرب ما تزال محيّرة للأمريكيين في كل من أهدافها النهائية وتوقيت الخلاص منها، يؤيدها مناؤو أوباما الجمهوريون، ويعارضها عدد هام من كبار رفاقه الديمقراطيين.
أطلع أوباما الحلفاء الأطلسيين على التصورات العامة لهذه الإستراتيجية قبيل الإعلان عنها، وأطلع زعماء الكونغرس على تفاصيل إستراتيجيته هذه أثناء لقاء بهم في البيت الأبيض قبيل ساعات من إعلان تفاصيلها التي تتضمن تجاوبه مع مطالب الجنرال (ستانلي ماكريستال) قائد القوات الأمريكية في أفغانستان.
تصعيد الجهود الحربية الأمريكية هناك يتجسد بعزم أوباما إرسال حوالي ثلاثين ألف جندي إضافي، تتحول مهمتهم العسكرية بالتوجه من قواعدهم في الولايات المتحدة إلى أفغانستان، بدلاً من التبادل مع قوات أمريكية أخرى توجد حالياً في العراق.
تتألف القوات المزمع إرسالها لأفغانستان حسبما نقل عن البنتاغون من 15 ألفاً من قوات الجيش وثمانية آلاف من المارينز وسبعة آلاف للدعم اللوجستي وخمسة آلاف قوات دعم إضافي تتمركز الآن في كل من قاعدتي (فورت دورم) في ولاية نيويورك، وقاعدة (فورت كامبل) بولاية كنتاكي.
بحسب المراقبين العسكريين هنا، فإن صعوبة المسالك البرية وعدم توفر قواعد عسكرية أمريكية قريبة من ساحات القتال شبيهة بما كان يتوفر أثناء تحضيرات الحرب على العراق، لن يجعل بإمكان القوات الإضافية الوصول إلى أفغانستان حتى شهر شباط أو آذار القادم ، حيث سيتمركز بعضها في مراكز مدنية كثيفة السكان، وجزؤها الآخر في مناطق مواجهات القوات الأطلسية مع نفوذ قوات طالبان في قندهار وبقية جنوب شرق أفغانستان.
اعترف أوباما قبل بضعة أيام من إعلان إستراتيجيته الجديدة، بسوء إدارة الحرب الأمريكية في أفغانستان، مشيراً إلى ما وصفه بمرور «سنوات ثمان على خوض حرب لم يكن يتوفر لها لا الموارد ولا الإستراتيجية لإنجاز مهمتها»، مضيفاً «وإن هذا ما سوف أسعى لتأديته من أجل إنجاز المهمة».
الأمريكيون منقسمون حيال دعم هذه الحرب والأكثرية تريد وضع حد لها ولهدر مزيد من موارد البلاد وأرواح الأمريكيين فيها.
الحاجة لإقناع الرأي العام والكونغرس الأمريكي بوجود شراكة أفغانية في القتال القادم، ومحاولته التغلب على غموض معارك قادمة في هذه الحرب، والأهداف الممكنة التي يسعى لتحقيقها منها في أفغانستان، تشكل بمجموعها بعضاً من تحديات تواجه أوباما في ترويجه لإستراتيجيته الجديدة عند الأمريكيين، ذلك فيما الإدراك المحلي، كما الأفغاني والعالمي، واسع المدى عن عجز إمبراطوريات غازية سابقة عن تحقيق ما يشبه هذه الأهداف النهائية في حروب سابقة.
فالأمريكيون جاهدون في التعامل مع معطيات الأزمة المالية والاقتصادية والبطالة وآثارها على مختلف أطيافهم، وهم يبدون اليوم مضطربين ومشوشين حيال أهداف هذه الحرب وما تعلق بتكاليف الحفاظ على ما سيصل عدده إلى مئة ألف جندي أمريكي في أفغانستان، كلفة الجندي الواحد منهم سنوياً مليون دولار، أي بما يضع كلفة سنوية على عاتق الميزانية الأمريكية لدعم هذه القوات تصل إلى (75) مليار دولار.
دعا هذا الوضع رئيس لجنة الإنفاق في الكونغرس (ديفيد أوبي) إلى الحديث عن فرض ضريبة مجهود حربي إضافية على الأمريكيين، أمر لا يجرؤ كثير من أعضاء الكونغرس على الموافقة عليه، كونه من أكثر المسائل المثيرة للجدل مع ناخبين سيغدون غاضبين لحد إرسال كثيرين من أعضاء الكونغرس إلى التقاعد، في حال التصويت على تحميل دافعي الضرائب مزيداً من الهموم الاقتصادية والضرائب الثقيلة.
وأكد السناتور كارل ليفين رئيس اللجنة العسكرية بمجلس الشيوخ معارضته لشبكة (سي إن إن) عشية إلقاء أوباما خطابه،«لن أوافق على إرسال قوات أمريكية إضافية من دون توفر شراكة جيش أفغاني في قتالنا مع قوات طالبان».
مطلب من هذا السناتور، مع وجود حكومة أفغانية متهمة بالضعف واستشراء الفساد في أركانها وأوساط جيش لا تبدو عليه حماسة كبيرة في منازلة قوات أخرى من الأفغان، يبدو اليوم غير واقعي. كما أنه لن يثني أوباما عن قرار إرسال القوات حيث سيكون بإمكانه الاتكال على صلاحيته الرئاسية بالحصول على مخصصات متضمنة الموافقة عليها ضمن قوانين ليست ذات علاقة بالحرب، يصوت عليها الكونغرس لاحقاً.
وتؤكد رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي في ضوء الجدل الكبير وانقسام الأمريكيين والاعتراضات على تصعيد الحرب بأوساط رفاق ديمقراطيين بارزين بمجلس النواب، عدم موافقتها هي الأخرى على قرار إرسال قوات إضافية لأفغانستان بقولها إنه «ليس هناك من دعم كاف من الأمريكيين لإرسال قوات إضافية إلى هذه الحرب».
لم يسلم أوباما من انتقادات زعامات جمهورية تصفه بطول التردد في قرار إرسال قوات أخرى لأفغانستان، وأكدت هذه الزعامات عشية الإعلان عن إستراتيجية أوباما الجديدة، دعمها الكامل لحقن الحرب بقوات وعتاد وموارد إضافية، وأشار النائب الجمهوري البارز (توم برايس)، العائد لتوّه من مهمة وفد كونغرس في أفغانستان إلى ما يراه من أهمية قصوى في «أن يسمع الأمريكيون والأفغانيون والعالم من أوباما إصراراً على إتمام المهمة التي تضمن أمان الشعب الأمريكي»، وضرورة ألا يظهر أوباما تردداً منه في أفغانستان، تفادياً للتأثيرات السلبية المتعلقة بالشكوك في مقدرات ونوايا أمريكا وحلفائها الأطلسيين الاستمرار في عزمهم على البقاء لمدة تتطلبها مهمتهم العسكرية المستقبلية في أفغانستان.
يشير مسؤولو الإدارة عشية خطابه لما يوصف بـ«دقة أوباما في طرح تفاصيل ومستقبل أهداف الحرب في أفغانستان، وللإطار الزمني- للانسحاب- مما كان عليه الأمر قبل إلقائه خطابه» مبيناً شروحاته لما «سوف تنتهي إليه هذه الحرب» ولتأكيده على أهمية دور أكبر للحكومة والجيش الأفغانيين عبر المسيرة القادمة، ولإِعلانه أمام طلاب الكلية العسكرية عن المحطات الزمنية المحددة لتحقيق إنجازات سوف تشكل بمجموعها جدولاً يستبق الانسحاب الأمريكي المستقبلي من أفغانستان.
وبينما يخوض أوباما معركة أخرى في مواجهة جبهة وأطياف القوى الأمريكية المناهضة للحروب في الخارج إضافة لمواجهته مع رفاقه الديمقراطيين في الكونغرس، أكد عضوا الكونغرس الجمهوريان البارزان، السناتور (جون كايل) والنائب (توم برايس)، في مقابلة تلفزيونية على شبكة (سي. إن. إن)، أكدا جدية اعتراضات الجمهوريين على أي إعلان من أوباما عن تحديد زمن نهائي للحرب، وتوقيت لانسحاب أمريكي من أفغانستان.
ويرى هؤلاء وآخرون أن إعلان أوباما عن جدول زمني تضع الحرب أوزارها في نهايته هو أمر سيزعزع ثقة الحلفاء والأفغان والباكستانيين، و«يوفر لقوات طالبان وآخرين المزيد من مقدرة فاعلة على الانتظار، واستثمار الوقت لحين موعد الانسحاب من أفغانستان، بما يأمل الأمريكيون ويصلّي معهم الأطلسيون، في ألا يتحقق بنهاية المطاف، كيلا يجروا أذيال الخذلان والهوان.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 431