أوباما في الخطوط الأمامية

... بعد ثمانية أعوام من احتلال أفغانستان، وبعد نشر أكثر من مئة ألف عسكري أمريكي ومن البلدان الحليفة لواشنطن، اضطر خليفة الرئيس بوش الرئيس باراك أوباما والذي لا يختلف عن سلفه إلاّ بلون البشرة، أن يعلن إستراتيجية توسيع رقعة الحرب في أفغانستان، عبر إرسال ثلاثين ألف جندي أمريكي إضافي، والطلب من الحلفاء الأطلسيين المساهمة بعشرة آلاف جندي آخرين من بلدانهم!

.. «اللهم لا شماتة» بمن توهم عن عمد أو سوء تقدير بخطابات أوباما الأولى التي خطب فيها ودّ الإسلام والمسلمين ونظرياته حول استبدال القوة العسكرية الفاحشة التي استخدمها جورج بوش بـ«القوة الذكية» في التعاطي مع المشكلات الدولية والإقليمية. لقد أكدنا مراراً أن خطورة الرهان على تغيير الوجوه في البيت الأبيض لأن جوهر الجوهر في السياسة الخارجية للولايات المتحدة- خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي- هو السيطرة المباشرة على مصادر الطاقة في العالم والحفاظ على أمن الكيان الصهيوني.
.. فمن أجل الوصول إلى تأمين هذين الهدفين الاستراتيجيين، وفي ظل استمرار تفاقم الأزمة الاقتصادية للرأسمالية العالمية، ذهبنا في التحليل باكراً إلى أن إدارة أوباما لن تستطيع الخروج من عباءة توسيع رقعة الحرب المباشرة وغير المباشرة من المتوسط إلى بحر قزوين.
يتوجب أن نقرأ خطاب أوباما في الأكاديمية العسكرية في نيويورك ليس من باب الأرقام العسكرية التي اقترح إرسالها إلى أفغانستان، بل من باب الفشل الاستراتيجي في تحقيق أي تقدم فعلي على الأرض، وتداعيات كل ذلك على الداخل الأمريكي نفسه.
.. ففي تعليقه على خطاب أوباما و«إستراتيجيته الجديدة» أشار زعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي ستيبني هوبر إلى أن «الرئيس أوباما يخرج للخارج وهو قلق على الوضع الداخلي حيث تجاوزت أرقام البطالة 10% من اليد العاملة، لكن أوباما يكرر تجربة الرئيس بوش الذي فر من الحرب في أفغانستان وغزا العراق، وها هو الآن يحاول كسب الحرب في العراق وأفغانستان حيث فشل بوش»!
.. من اللافت أن أوباما ناقش خططه الجديدة بشأن أفغانستان مع قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا والهند وباكستان والصين ولم يلق التجاوب المطلوب إلا بشكل جزئي من بريطانيا، وهذا ما سيفرض عليه الانتقال بنفسه إلى الخطوة الأمامية في معركة كسر عظم حتى وإن كانت غير مضمونة النتائج، لأن إدارة أوباما تعمل الآن تحت ضغط الزمن وازدياد تعثر المشروع الأمريكي الكوني، ففي أمريكا اللاتينية يزداد رسوخ واتساع التوجه اليساري في بلدان القارة (والأورغواي ليست آخر العنقود)، كما يزداد فشل السلطات التي نصبتها واشنطن في العراق ورام الله وأفغانستان واليمن وباكستان والصومال وجورجيا ومعظم دول البلقان، وبالمقابل يزداد الالتفاف الشعبي والجماهيري حول أية مقاومة وطنية حقيقية ضد التحالف الإمبريالي- الصهيوني.
.. وإذا كانت الإمبريالية الأمريكية قد استدعت في عام 2006 خدمات الكيان الصهيوني العسكرية لإنقاذ مشروعها المتعثر في العراق وضرب سورية والإجهاز على المقاومة في لبنان وفلسطين وتطويع إيران، فإن العسكريتارية الإسرائيلية والقيادة في الكيان الصهيوني لم تخرجا للآن من فشل العدوان على لبنان وما ألحقه صمود المقاومة «بهيبة» نظرية الردع الاستراتيجي الإسرائيلي.
نحن لا نزعم بأن القوة العسكرية الغاشمة للتحالف الإمبريالي الصهيوني قد هزمت، أو أنها لا تعد العدة لجولات عدوانية جديدة. لكن تجربة المقاومة في لبنان وفلسطين أكدت لكل ذي بصيرة أنه عند توفر الإرادة السياسية للمواجهة وعند عقد الرهان فقط على قوى الشعوب يمكن الانتقال من حالة الدفاع والصمود إلى وضع الهجوم وتحقيق الانتصار وإلحاق الهزيمة بالتحالف الإمبريالي- الصهيوني رغم الفارق في ميزان القوى.
وبالعودة إلى خطاب أوباما ومراميه القريبة والبعيدة وبالاستناد إلى السلوك العدواني الصهيوني في الأراضي المحتلة والتهديدات التي يطلقها قادة الكيان الصهيوني ضد لبنان وسورية وإيران، فليس أمام شعوب هذا الشرق العظيم من خيارات إلاّ المواجهة، وجعل خطط أوباما نسياً منسياً بعد إلحاق الهزيمة بالمشروع الإمبراطوري الأمريكي.
 

معلومات إضافية

العدد رقم:
431