مدانون... حتى لو تظاهرتم بالدهشة!!

ينبغي ألاّ تجعلنا إدانة برلمانيين أمريكيين للتعذيب بعد نشر صورٍ لما حدث في سجن في أبو غريب ننسى أنّ أولئك البرلمانيين هم أنفسهم الذين فرضوا إعادة التعذيب لمكافحة الإرهاب بعد 11 أيلول. إنّ الممارسات الحالية هي التطبيق الدقيق للكتيّبات العسكريّة المنتشرة في أمريكا اللاتينية منذ أربعين عاماً، في البداية وفق الأوامر المباشرة لكلاوس باربي، ثمّ وفق التعليمات السياسية لديك تشيني وجون نيغروبونته.

إنّ الإدانة شبه الجماعية التي قام بها البرلمانيون الأمريكيون للانتهاكات والتعذيب المرتكبين في سجن أبو غريب بعد نشر صور في قناة CBS ينبغي ألاّ تجعل هذه الممارسات نسبية، وألاّ تحجب تعميمها غداة اعتداءات 11 أيلول 2001. إنّ هذه الحرب، التي حرّرتها واشنطن على الفور من كلّ حدودٍ فضائيّة وزمنية، والتي نحّيت بسرعة من الإطار العام لاتفاقيات جنيف ثمّ جرى قسمٌ كبير منها تحت غطاء الدفاع السرّي، لم تتّخذ أبداً، ولا حتى على السطح، مظهر حربٍ حقيقية إلاّ في البيان الرسمي. الأمر لا يتعلّق بحلّ نزاعٍ سياسيّ عبر مواجهةٍ بين جيشين، بل بحملةٍ استعمارية تشمل السيطرة على السكان المدنيين والاستيلاء على الموارد الطبيعية. لماذا إذن التظاهر بالدهشة أمام هذه الصور، التي أخرجت بصورةٍ علمية، والهادفة إلى السيطرة النفسية على الخصم الحقيقي أو المحتمل؟ إذ لو كان هناك حرب، فهي لم تجر إلا ضدّ مدنيين، خضعوا بادئ الأمر إلى مبدأ Shock and Awe  (الصدمة لفرض الاحترام) حتى الذهول، ثمّ أرعبهم التعذيب حتى الخضوع.

يلاحظ جورج سوروس في مقالةٍ نشرت مؤخراً أنّ الحدث الذي هزّ الولايات المتحدة كان حقاً «الصور» وليس معرفة وجود تلك الممارسات. في هذا المقال، ينقل سوروس مقابلةً غير رسمية مع مستثمرين في وول ستريت أفضت إلى اتفاقهم على أنّه في مواجهة الإرهاب، فإنّ معظمهم يؤيّدون التعذيب، لكن شرط ألاّ يعلموا شيئاً عن الأمر.

 

كيف يمكن تفسير الاختلافات في ردود الأفعال في مواجهة الجدل حول إعادة العمل بالتعذيب، الذي تحمّس له قانونيون وسياسيون أمريكيون منذ نهاية العام 2002، وفي مواجهة صور ممارسةٍ معيّنة، اللهم إلاّ بواقع أنّ الصور تثير ردّ فعلٍ انفعاليّ لدى الرأي العام، إنّ الأمر يتعلّق حقاً باستراتيجية مدروسة ومطبقة بعناية، بعيداً عن أنظار وسائل الإعلام. وقد كان التعذيب على الدوام ولا يزال جزءاً منها، بل إنّه يشكّل أحد مرتكزاتها.