رجال الانتفاضة يدخلون الرعب في قلوب الإسرائيليين:

نعم.. العين تقاوم المخرز!
أكدت الأعمال البطولية التي قام بها شبان الانتفاضة، ردا ًعلى الاعتداءات الإسرائيلية البربرية على الشعب الفلسطيني وأرضه ومدنه صحة ما قاله الأديب العربي الكبير عمر فاخوري: «نعم إن العين تقاوم المخرز، وكان ينبت للعين دوماً ظفر وناب».

ففي يوم 19 أيلول الماضي، استطاعت الانتفاضة الفلسطينية أن تمد لهيبها على طول فلسطين وعرضها، من غزة إلى الجليل، من البحر إلى النهر، إذ قامت بعمليات استشهادية في غزة ونهاريا وبيت ليد، وفي غور الأردن، مما أوقع الحكومة الإسرائيلية في دائرة العجز والارتباك، وبدلاً من التهديدات المعهودة التي كانت تطلقها بعد كل عملية استشهادية أعلنت عن «عدم وجود نوايا لديها» لتنفيذ عملية واسعة ضد الشعب الفلسطيني. كما اضطرت إلى إلغاء مشروع الجيش الإسرائيلي لإقامة منطقة عازلة.. وإعلانها «منطقة عسكرية مغلقة» بهدف مكافحة «الإرهاب الفلسطيني» كما تدعي دائماً، كما سارعت إسرائيل إلى وصف العمليات بالعمل المنظم الذي لم يسبق له مثيل.

إن جوهر العمليات الأخيرة لا يكمن في عددها فقط بل يكمن في الاختراقات النوعية التي مثلتها.
فالإسرائيلي الذي اعتبر ميزان الدم على الدوام معياراً أصيلاً لتفوقه أدخل الفلسطيني بقوة يوم 9 أيلول ميزان الرعب داخل هذه المعادلة. وعند تقدير خطورة العملية بالنسبة لإسرائيل صار الحديث ليس فقط عن حجم الخسائر بل صار تقدير الخوف النابع من نتائج «حسن الحظ».

وقد برزت تطورات عديدة في العمليات الثلاث أهمها:
ـ أعلنت إسرائيل أن منفذ عملية «نهاريا» البطولية هو مواطن من عرب الـ 48 واسمه محمد صلاح حبيشي، من سكان قرية «أبو سنان» الواقعة بين عكا ونهاريا، وهذه أول عملية استشهادية في هذه المنطقة يقوم بها واحد منها.
إن مشاركة الجيش في الفعل الاستشهادي تعني أن كل تدابير «الفصل» بين فلسطينيي الضفة الغربية وغزة، وفلسطينيي الـ48 هشة، وتعني ثانياً أن هذا الجزء من الفلسطينيين شرع في الاستعداد للمشاركة القصوى، وتعني ثالثاً أن فلسطيني الـ 48 يعتبرون أنفسهم جزءاً من الشعب الفلسطيني لا جزءاً من دولة إسرائيل، وإذا كان هناك من يعتبر الحبيشي «ذئباً منفرداً»، فإن الكثير من الشارات تؤكد بأنه السنونو الذي يبشر بقدوم الربيع.

ـ التزامن والتسلسل في العمليات، وهذا يشير إلى أن الانتفاضة أخذت تعتمد أسلوب الهجمات المتعددة في زمان واحد وأمكنة متفرقة لإرباك الاحتلال الإسرائيلي، وضعضعة قواه، مما يسهل تنفيذ عمليات كهذه.
ـ كف الإسرائيليون لأول مرة، منذ بدء الانتفاضة عن التجمهر عقب كل عملية استشهادية لإطلاق الهتافات التهديدية بـ «الموت للعرب» فبعد أن غدا الفلسطيني «طالب موت». من اجل استعادة حقوقه المغتصبة. لم يعد الهتاف مجدياً، وربما صار من الضروري تمني الحياة لأن موتاً كهذا الموت لا تريده إسرائيل.

رب ضارة نافعة
إن إسرائيل بسياستها وإيصالها الأوضاع إلى ما آلت إليه هي المسؤولة عن ذلك، فهي التي ألغت الخط الأخطر، ودفعت بقطعان المستوطنين إلى الضفة الغربية والقطاع، وهي التي أزالت بسياستها القمعية أي فارق أو فاصل بين السلطة الفلسطينية والشعب، وبين الفصائل الفلسطينية ذاتها، ودفعتها للتوحد ضد العدو المشترك، وبين المناطق الفلسطينية، إذ لم يسلم عرب الـ48 من ضحايا هذه السياسة، حيث قتلت القوات الإسرائيلية قبل الانتخابات ثلاثة عشر فلسطينياً وكانت سبباً في سقوط باراك لأن الفلسطينيين امتنعوا عن التصويت، وذلك ليس مستغرباً أن يتحد الجميع لرد الصاع صاعين على عدوهم الغاشم وكما قيل: رب ضارة نافعة.
ـ تركزت العمليات الأخيرة في الغالب على خطوط المواصلات. فبعد موجة العمليات في الأسواق والأماكن العامة جاءت الموجة الأخيرة، من حيث لا تحتسب إسرائيل، ضد خطوط المواصلات، طرقاً وقطارات وحافلات، أي أنها جاءت لتؤكد أن إسرائيل كلها باتت ساحة للعمل الفدائي الفلسطيني، إن كان ذلك على الطريق أو داخل بناء وفي السهل وفي الجبل، في الشمال أو الجنوب.
هذا عن نضال الشعب الفلسطيني الذي لا هوادة فيه ضد الاحتلال ومن جل استرداد الحرية والأرض والكرامة.
أما الحكام العرب، فإن قرارات وزراء خارجيتهم لن تزعج أحداً لا في واشنطن ولا في تل أبيب، وربما لم تتفجر الانتفاضة مرة أخرى إلا بعد ما أصيب الفلسطينيون باليأس من مواقف الحكام العرب المتخاذلة وقراراتهم الهزيلة.
إن مناقشات وزراء الخارجية العرب يسيطر عليها مفهوم يقول بأن القرارات التي تغضب واشنطن هي خطوات ضلت طريقها، مع أن السياسة التي تجعل كل الأوراق بيد واشنطن، وتعتمد عليها وحدها لإخراج الزير من البير هي سياسة متخاذلة، ويخشى أصحابها من شعوبهم أكثر مما يخشون من أعدائهم، إن كانوا يعتبرونهم أعداء.
ولا نغالي إذا قلنا أن نصف القيادات العربية لا ترغب، بل لا تجرؤ على الخروج من التبعية لواشنطن، لأنها ولية نعمتها ومثبتتها على عروشها، ولأنها لا تريد أن ترى حقيقة ما تنجزه الانتفاضة على أرض الواقع، وفي المقابل ثمة ما يثبت اليوم أن مقاومة الباطل خير من التمادي فيه، ويرتفع بأصحابه إلى مصاف النبوءة.
إن اهتزاز المجتمع الإسرائيلي لم يعد وهماً أو خيالاً، ولا يحتاج الأمر إلا إلى متابعة النضال الذي لا هوادة فيه. لأن النصر لن يكون إلا للصامدين، لا للحكام المتخاذلين، وإن هذا النضال سيحظى بدعم الشعوب العربية وجميع القوى الشريفة فيها، كما سيلقى الدعم والتعاطف من جميع قوى الخير والعدل في العالم.  > >
الشعوب العربية في خندق.. والحكام العرب وإسرائيل في خندق أخر..

كتبت صحيفة «الفايننشيال تايمز» البريطانية تعليقاً على الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب جاء فيه:
كما كان متوقعاً لم يخرج هذا الاجتماع إلا بمزيد من البيانات، والجمل الخطابية الرنانة، والسبب أن الحكومات العربية مازالت تصر على التمسك بالطريق الدبلوماسي واستبعاد أي طريق أخر لاسترداد الحقوق، لأن الحكام العرب يخشون إغضاب واشنطن في حال قيامهم بقطع علاقاتهم مع تل أبيب أو حتى استخدام سلاح البترول، وأضافت الصحيفة: إن معظم الحكام العرب يريدون اليوم قبل غد وضع نهاية للانتفاضة المشتعلة في الأرض المحتلة، ولكن لا أحد يجرؤ على الإعلان عن ذلك قبيل التوصل لأية تسوية فلسطينية، وتشير الصحيفة في هذا السياق إلى ما أعلنه الرئيس مبارك من أن عرفات لن يكون بمقدوره الدعوة إلى هدنة قبل أن يمنح شعبه بعض الأمل في إنهاء الاحتلال وهو ما يرفض أن يقدمه شارون.
ومع عدم بزوغ أي ضوء في نهاية الممر، كما قالت الصحيفة، فإن الحكومات العربية تخشى أن تؤدي المحاولات الإسرائيلية لسحق الانتفاضة الفلسطينية إلى تأجيج المنطقة العربية وتثويرها، وزيادة جماهيرية المعارضة الإسلامية، ولفتت الانتباه إلى أن التأييد غير المحدود من جانب واشنطن لإسرائيل وضع حلفاء واشنطن بالمنطقة وعلى رأسهم النظامين المصري والسعودي في حرج كبير. فالمسؤولون السعوديون مثلاً يخشون أن يؤدي تصاعد العداء لأمريكا بالمنطقة إلى شن هجمات فدائية على المصالح الأمريكية في الأراضي السعودية. في حين قامت الحكومة الأردنية بحظر المظاهرات المناهضة لإسرائيل، ومن المرجح أن تقوم بتأجيل الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في الخريف القادم خوفاً من أن يكتسح الإسلاميون والفلسطينيون، بثقلهم الكبير الانتخابات.
وتشير الصحيفة المذكورة إلى أن الفجوة تتسع بين الرأي العام العربي وبين الحكومات العربية، وخاصة أن الانتفاضة قد سلطت الضوء على عجز هذه الحكومات في وضع حد لتدهور الاقتصاد وتنامي معدلات البطالة، فضلاً عن استمرار الاستبداد السياسي.
واختتمت الجريدة تعليقها قائلة: إن الشعوب العربية تواجه الآن، وفي ذات الوقت، الدولة العبرية والحكومات العربية معاً.