لنوقف تقدم الفاشست!
حينما حدث الانفجار الثوري كان الأداء الشعبي رائعا. برزت شعارات «سلمية.. سلمية» و «الشعب والجيش ايد واحدة». وتبلورت المطالب في «التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية « بصياغات بسيطة ولكنها عميقة. وسرعان ما قفزت قوى النخبة السياسية والطبقية بما في ذلك الاخوان والسلفيون، وأصبح الجميع ثوريين، وأقاموا منصاتهم وحركوا طاقاتهم الاعلامية الهائلة وعناصرهم ومجموعاتهم سابقة التجهيز إمبريالياً وصهيونياً للاستيلاء على المشهد الثوري برمته ، وتوجيهه لمصلحتها بعكس المسار المستهدف له. وكانت نقطة الضعف القاتلة هي ضعف الطليعة الثورية التي انصرف الجانب الأكبر من مكوناتها إلى مواقف إصلاحية ومجرد تحسين شروط وجودها تحت هيمنة النظام العميل والمتوحش والمستبد. رغم نضج الظروف الموضوعية وتوفر الظرف الثوري. غاب العامل الذاتي عن الحدث الثوري.
انهمرت كالسيل الجارف أموال الامبريالية خاصة الأمريكية ، وأموال مشيخات النفط خاصة كبراها الوهابية وأصغرها القطرية. وبدأت أوسع عملية قصف اعلامي لتزييف الوعي بهدف التمكين للطبقة المهيمنة للاستمرار اكتفاء بضربة جزئية لقمة النظام ومجموعة ضيقة من حزب المخلوع مبارك. وفي سياق التضليل روّجوا أن العلة هي في الفساد المستشري الذي يمكن القضاء عليه مع بقاء النظام الاجتماعي على حاله، وفي تجاهل متعمد أن الطبقة السائدة التي هي أوسع بكثير من حزب المخلوع تكونت بالفساد، أي أن الفساد ليس منتوجاً جانبياً لها، ولا يمكن اجتثاث الفساد سوى باجتثاثها. ولمزيد من التضليل والتزييف قاموا بطمس طبيعة العدو، تارة بادعاء أنه داخلي فقط، وأخرى بأنه أقاليمي فقط، أو بأنه خارجي فحسب. في حين أنه تحالف إمبريالي صهيوني رجعي عربي رأسمالي عميل في الداخل. بل وتطور أمر التضليل غير المسبوق بالترويج بأن الجيش المصري هو العدو، وأصبح معيار الثورية هو ترديد هتاف « يسقط يسقط حكم العسكر» بواسطة قوى محسوبة على قوى الثورة. ثم اقامة تحالفات غير مبدئية لتحقيق مكاسب ضيقة وتافهة. وتركت الساحة خالية لقوى الثورة المضادة لتنشب مخالبها في الحركة الشعبية باستخدام الدين ونهج التكفير بالإرهاب الفكري للناس البسطاء، وفي غياب كامل لبرامج سياسية يلتف حولها الشعب. وهكذا ركب الا خوان والسلفيون المشهد الثوري وتم الاستيلاء على البرلمان.
كان هذا الخطر ماثل منذ فترة وقبل الانفجار الثوري بزمن، وسبق أن نبهنا اليه بأن البلاد مقدمة على انفجار أو انهيار، نتيجة لعمق الأزمة الشاملة. وهو ما كان يتطلب من وجهة نظرنا أن تكف نخبة اليسار بمعناه الضيق والواسع على السواء عن نهجها وخطها الاصلاحي والاكتفاء بمجرد تحسين شروط وجودها في ظل هيمنة الرأسمالية العميلة دون النضال الفعلي لإسقاط النظام. غير أن سهام الاتهام بالتطرف لم يتوقف إطلاقها علينا.
وحينما بلغت معركة التوريث أقصى درجات اشتعالها ولاحت في الأفق بوادر حسمها ، وهبط من أراد اقتطاف الثمرة بدعم أمريكي يحاول تجاوز الرفض الواسع للموضوع وامتصاص السخط مع إبقاء البلاد في وضع التبعية نبهت إلى المشروع الأمريكي في عمقه، والشروط التي وضعها الأمريكيون فيمن يشغل موقع رئيس الجمهورية، وهي الحفاظ على الاقتصاد الحر والاستجابة وتنفيذ تعليمات المؤسسات المالية الدولية، والحفاظ على الاتفاقيات مع العدو الصهيوني، وألا يكون منتمياً سابقاً أو راهناً للقوات المسلحة المصرية.
ومؤخرا اتضح للعيان خطر ما يقوم به الاخوان بهدف استلاب الدولة، في اطار المخطط الأمريكي لهيمنة هذا التيار على البلدان العربية كلها وخطر الدور التركي والنفطي الداعم لهذا التوجه. دون أن تحاول أي من جماعات النخبة إدراك حجم الكارثة المحدقة.
في السلوك الذي اتبعه هذا التيار مؤخراً، وما كشفت عنه التطورات، ما يؤكد انعدام أي مصداقية له.
انكشفت اتصالاته وعلاقاته القديمة مع أمريكا، رغم الصراخ لسنوات طويلة – كذبا – بعدائه للأمريكيين. وقدم لهم علنا عربون الولاء والتعهد باستمرار الاقتصاد الحر واستمرار التبعية، وطمأنهم على تمسكه بالاتفاقيات المعقودة مع العدو الصهيوني، وأكد بالمواقف العملية عداءه للجيش. وهذا ما يطابق المواصفات الأمريكية المطلوبة.
لكن الانكشاف الذي فضحهم جماهيريا وسط جماهير البسطاء هو انقلابهم المتوالي والمتسارع على مواقفهم المعلنة، ومنها تجاهل ما ظلوا يلحون عليه من عدم رغبتهم في الحصول على أغلبية مجلس الشعب. ثم محاولة الهيمنة على لجنة اعداد الدستور لاصداره وفق مصالحهم. والوقوف ضد قوانين ومواد دستورية أيدوا إصدارها وتطبيقها بشدة، ثم عارضوها مؤخرا حينما تعارضت مع أهدافهم. بل واعلانهم أن شرعية الميدان قد انتهت وعلى المعتصمين مغادرته والالتزام فقط بشرعية البرلمان الذي حصلوا على الأغلبية فيه ، ثم عودتهم الى الميدان للضغط من أجل عدم استبعاد مرشحهم الى انتخابات رئاسة الجمهورية والادعاء بعكس ما أعلنوه سابقا واعتبار شرعية الميدان هي الأصل.
لكن الأمور تصاعدت الى حد الكارثة بما أعلنه الاخوان والسلفيون باللجوء الى العنف واعلان الجهاد وتقديم الشهداء من أجل تمرير مرشحيهم للرئاسة! أي استلاب الدولة بكاملها عنوة.
لكن ما سبق لا يعدو كونه مجرد تفاصيل تنهض على قاعدة أعلن عنها واعترف بها المرشد العام للجماعة بعد طول انكار، بالرغم من أن الجماعة لا تمتلك شرعية قانونية ولا يزيد دور الحزب عن مجرد ظل لها.
ففي سياق معركة لجنة الدستورصرح المرشد العام بما يلي نصا: «إن الجماعة مؤسسة دولية لديها القدرة على ادارة الدفة ، ولا تجب الاستهانة بها». وإذ يؤكد الواقع أن الجماعة تمتلك إمكانيات مالية تبلغ عشرات المليارات من الدولارات واستثمارات حول العالم جانب كبير منها في تركيا ومشيخة قطروالكاريبي...الخ، وتنظيم دولي يتواجد في 70 بلداً. فإننا نكون أمام اخطبوط مالي هائل عابر للقوميات، وتنظيم دولي هو صاحب القرار «فوق الوطني». وتتجلى خطورة الأمر في القرار الأمريكي الجاري تنفيذه بمساعدة هذا التيار على الوصول الى الحكم في البلدان العربية ، بما يعني امتداد خط يبدأ من شمال شرق البحر المتوسط (تركيا) ثم سورية ومعها لبنان ثم فلسطين (شرق البحر المتوسط) ثم مصر وليبيا وتونس والجزائر أي جنوب المتوسط شمال إفريقيا. بكل الأهمية الاستراتيجية لهذا الخط، وبما يتضمنه من إدماج الكيان الصهيوني في الإقليم بدور قيادي حاكم. وصولاً إلى تحقيق احتوائه بالكامل في الاستراتيجية الأمريكية وحلف الناتو وصياغة جغرافية المنطقة بما يتفق مع الهدف الصهيو – أمريكي من تقسيم وتفتيت. وهو ما يتطلب النظر إلى ما يجري ليس باعتباره أحداثا متفرقة تخص كل بلد على حدة، وانما باعتباره قضية تخص كل بلدان المنطقة.
وخلاصة القول إن ما يجري في مصر في ارتباط بالاقليم هو استلاب للدولة المصرية والقيام بانقلاب فاشي يستهدف هيمنة الفاشست على مصر وكل بلدان المنطقة.
السيناريوهات المتوقعة في مصر هى:
نجاج الانقلاب الفاشي وهيمنة هذا التيار الفاشستي على البلاد بكل آثاره وويلاته.
الدخول الى مرحلة من الاضطرابات والفوضى وصولا الى حروب أهلية مدمرة.
انفجار عسكري يوقف هذا المشروع.
لكن الموقف الصحيح هو المسارعة ببناء تحالف مدني – عسكري ، مستقل عن النخبة المهترئة. يضم في الأساس الحركة الشعبية البازغة والقوى الأكثر جذرية مع القوات المسلحة المصرية لانقاذ البلاد بأقل خسائر ممكنة. ويمكنه صياغة وتحقيق مشروع نهضوي.
دون ذلك فإن الفاشست قادمون.