كمال مراد كمال مراد

ندوة في معهد «غوته« بدمشق: بين «فخ العولمة».. وعولمة الفخ!!

عقدت في معهد «غوته« بدمشق ندوة حول العولمة، وذلك في يوم 24 من شهر حزيران الماضي.

وقد شارك في الندوة د.خضر زكريا و د. صادق جلال العظم الذي أدار الندوة، وضيفان من ألمانيا هما البروفسور غريغور باول والبرفسور يوخن هيبلر.

مخاطر العولمة

تحدث د.خضر زكريا تحت عنوان «الآثار الثقافية للعولمة في سورية والعالم العربي« عن مخاطر تمرير مفهوم العولمة والقبول بها كأمر موضوعي وواقعي، بعيداً عن تفكيكها ومجابهتها بصفتها طورًا جديداً من الاستعمار تحمل نتائج كارثية على بلدان ما يسمى بـ «العالم الثالث»..

ثقافة المهيمنين

وطرح د.زكريا أمثلة عديدة على أشكال هذه المخاطر، وخاصة في حقلي التعليم والإعلام. فبالرغم من وجود اتجاه لتحسين النظام التعليمي عبر استخدام ثمار التكنولوجيا (الإنترنت ـ الكمبيوتر..) إلا أن نقاطاً سلبية خطيرة تواكب هذا الاتجاه، إذ يفرض اليوم على الدول أن تغير أنظمتها التعليمية بما يتلاءم مع متطلبات ومصالح الجهات المهيمنة، وستبقى العولمة ثقافة المهيمنين، حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لفرض ثقافتها ونظامها التعليمي على شعوب العالم قاطبة...

وبين أن العولمة تفرض ربط التعليم باحتياجات السوق،بينما كان يرتبط ذلك سابقاً بضرورات التنمية الوطنية.. وعلى صعيد التكنولوجيا فإن أصحاب العولمة يريدوننا أن نتقن الكمبيوتر وغيره من المسائل الاختصاصية دون أن نفكر في السياسة وقضايا المجتمع..

انقسام اجتماعي حاد

وحذر د. زكريا من الاتجاه العالمي نحو خصخصة التعليم، حيث تسيطر المؤسسات الخاصة وتفرض أنماطها وتوجهاتها وصولاً لسيادة المؤسسات الأجنبية، وعندها لن تكون المؤسسات الحكومية قادرة على المنافسة، وهذا بدوره سيؤدي إلى انقسام اجتماعي حاد: الفقراء يدرسون في مدارس حكومية، والأغنياء في مدارس خاصة أجنبية، حيث يتلقى كل طرف مناهج مختلفة ومتباينة ترسخ الانقسام داخل المجتمع الواحد.

مخاطر الهيمنة الإعلامية

وحول المخاطر المتعاظمة في حقل الإعلام، نوه د. زكريا إلى أن الشركات الإعلامية العملاقة تتوجه اليوم أكثر فأكثر نحو الاندماج، وهذه الشركات هي ملك لحفنة قليلة جداً من البشر، وبالتالي لا تعبر الشركات الإعلامية إلا عن مصالح هذه الحفنة المهيمنة.التي تحاول إظهار القيم الغربية، وبخاصة الأمريكية على أنها النموذج الذي يجب أن يتبعه الجميع ومحاولة تجميل القبيح وتشويه الحسن تبعاً لأهواء مصممي الاستراتيجيات الإعلامية.

وأكد أن الإعلام بقدراته المتنامية والمؤثرة صار يروج لأنماط محددة من السلوك، ومشجعاً الأنماط الاستهلاكية.. كل ذلك سيغير بالتالي في عقلية الناس وأسلوب معيشتهم وبالنتيجة فإن الهامش الديمقراطي وهامش الحريات يضيق من خلال سيطرة الشركات الإعلامية الكبرى..

ازدواجية المعايير

وتحدث د. زكريا عن التناقض الذي يشهده العالم في ظل العولمة من حيث الازدواجية في المعايير والكيل بعدة مكاييل، وهذا ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة القضايا الكبرى على صعيد العالم.. فهي تدعم بعض الأنظمة التي لا تعترف بأية حقوق للإنسان، أو تعتدي عليها كل يوم. وبالمناسبة فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر منتج لأدوات التعذيب في العالم. والأمثلة على ذلك كثيرة من تقرير منظمة العفو الدولية ـ أمنستي ـ الأخير

وخلص إلى أن العولمة حققت الرخاء للبعض اليسير، ولكنها تسببت بالفقر والديون والتمزق للكثير من المجتمعات..

قيد التشكيل.. قيد الوصف!!..

وفي المقابل رفض د. صادق جلال العظم اعتبار العولمة مجرد استهلاك وترويج للاستهلاك وأمركة واختصارها في رموز مثل«ماكدونالد وكنتاكي»، معتبراً ذلك اختزالاً تبسيطياً يفتقد الدقة.. واعتبر أن الحديث عن العولمة بصفتها نقيضاً للدولة، وعن ذوبان الحدود السياسية، شطط كبير في فهم موضوعة العولمة. حيث مازالت الدول الكبرى هي التي تصنع حدود العولمة وتوجهها، وما زالت عملية الإنتاج وإعادة الإنتاج بحاجة إلى دولة!!... متوصلاً إلى أن العولمة نقلة جديدة وطور جديد داخل النمط لرأسمالي، وبالتالي بما أنها مازالت قيد التشكيل فإنها قيد الوصف والدراسة!!..

«ثقافة عولمية»!!

وخلص د. العظم إلى تعريف للعولمة بأنها حقبة التحول الرأسمالي للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة مركز (الغرب) الذي يشرف على هذا التحول...

وأضاف: إذا كنا نعيش حقبة العولمة، فمن الطبيعي أن تفرز هذه الحقبة شكلها الثقافي، ومن هنا مشروعية الفكرة القائلة بنشوء ثقافة عولمية تتجاوز ثقافاتنا وتوجهها !!...

الخوف من العنوان!!..

وأشار إلى الكتاب الألماني «فخ العولمة« مبدياً خشيته من عنوانه، ومتسائلاً: هل العولمة فخ؟.. مضيفاً: قد يكون للعنوان جاذبيته في ألمانيا، ولكنه سيعزز في بلادنا نظرية المؤامرة .!!.. وفكرة الفخ إرادوية زائدة قد تحجب معاني أدق!!...

الفطرة الإنسانية ..

وقدم البروفسور الألماني غريغور بول مداخلة فلسفية توصل في ختامها إلى أن العولمة الثقافية لا يمكن أن تفرض على الآخرين... وعوّل على الفطرة الإنسانية التي تشكل القاسم المشترك للناس جميعاً، حيث أنها تنزع دوماً نحو الحرية والعدالة ومحاربة الفقر والعنف، وهي قد تكون ضمانة من نوع ما..

أمر واقع!

أما البروفسور الألماني يوخن هيبلر فقد اعتبر أن العولمة أمر واقع وشبه محتوم وخاصة في المجال الاقتصادي، مؤكداً أنه من الصعب تجاهل وجود عولمة ثقافية، وأن تأثر ثقافة ما بثقافات العالم الأخرى هو أمر طبيعي، ولكن ما هو غير طبيعي أن تصاغ هذه الثقافة حسب رغبات وشروط البنك الدولي، وهذا ما يجب رفضه قطعاً ...

وادعى هيبلر أن للعولمة جوانبها الإيجابية (تطور المعرفة ـ المعلومات ـ الحوار ـ تفتح الوعي...) وجوانبها السلبية (إضعاف النسيج الاجتماعي لبعض المجتمعات ـ استغلالها من قبل نخب معينة...) ..

ليست مسائل صغيرة!!

وعقب د. زكريا على مداخلة د. العظم، منوهاً إلى أن العولمة ليست للإنسانية جمعاء كما قال العظم، بل لقلة قليلة من البشر... وأضاف أنه خلافاً لما قاله العظم أيضاً، «فماكدونالد وكنتاكي« ليست مسائل صغيرة، هي أمور خطيرة لها مدلولاتها ومؤشراتها...