خطاب بوش صناعة أمريكا بامتياز «ديمقراطية» البوارج وقاذفات القنابل!!
ليس الخطاب الأول الذي يظهر فيه «فرعون» هذا العصر الرئيس جورج دبليو بوش ليعلن أمام شعوب العالم طالباً تنفيذ ما أقره «صقور» الإدارة الأمريكية من تعليمات يجب تنفيذها وإلا وقعت على من يعارضها صفة «الإرهاب» ووجوب الملاحقة والاستباحة بذريعة الحفاظ على الحرية و «قيم الديمقراطية» حسب المفهوم الأمريكي.
في خطابه عشية الحرب على العراق طلب بوش من العالم الاقتناع بوجود أسلحة التدمير الشامل في العراق دون أي اكتراث لقرارات لجان التفتيش الدولية أو لرفض مجلس الأمن تفويض أمريكا باجتياح العراق.. وفي الأول من أيار وقف الرئيس بوش في الكونغرس مزهواً بإنجاز الانتصار العسكري الأمريكي في العراق وبذات الوقت طلب بوش من دول العالم المشاركة في «إعمار» العراق حسب دفتر الشروط والمقاييس للشركات الأمريكية العملاقة.
ظهور المقاومة ومأزق بوش
بعد ستة أشهر على ذلك الخطاب، وبعد تصاعد أعمال المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال، وفشل القوات الأمريكية في العثور على أسلحة التدمير المزعومة بدأ المشهد الفيتنامي يعود إلى الذاكرة الشعبية الأمريكية خصوصاً إثر هجمات المقاومة وارتفاع عدد القتلى بين الجنود الأمريكيين، وبعد أن ازداد إدراك الشعوب لخطورة العقلية العسكرية الأمريكية المتوحشة ودعمها اللامحدود لمجازر شارون البربرية ضد الشعب الفلسطيني، في هذه الأجواء وهروباً للأمام من تداعيات المأزق الأمريكي في العراق، والمأزق الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، جاء خطاب بوش يحمل بضاعة أمريكية بامتياز ألا وهي فرض «الديمقراطية» على شعوب الشرق الأوسط كتمهيد للبدء بتنفيذ ما أعلنه وزير خارجيته كولن باول بتغيير البنى السياسية ولون الخرائط في المنطقة.
ديمقراطية بوش معادية للسامية
ليس بدون دلالة، أن خطاب بوش جاء بعد نشر نتائج الاستفتاء في أوساط الرأي العام الأوروبي الذي أكد بأن 59 % من الأوروبيين يعتبرون إسرائيل الصهيونية هي الخطر الأكبر على السلام العالمي، وأن أمريكا هي الدولة الثانية في العالم التي تهدد السلام والأمن الدوليين.
فقبل أن يلقي بوش خطابه «الديمقراطي» سارعت أجهزة الدعاية الإمبريالية والصهيونية إلى احتقار نتائج الاستطلاع الأوروبي وأولئك الذين شاركوا فيها واتهمتهم بالعداء للسامية. وهنا لابد من وضع الأمور في نصابها وفضح التضليل الإمبريالي ـ الصهيوني حول ذلك المصطلح، الذي تحول إلى «سيف ديموقليس» فوق رقبة من يتجرأ على انتقاد السلوك الصهيوني العنصري سواء في الأرض المحتلة أو على الساحة الدولية.
وطالما أن العرب هم العمود الفقري للسامية فإن ما جاء به الاستطلاع الأوروبي من نتائج وقبله ما جاء على لسان رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد، يعطي اليوم مفهوماً جديداً وحقيقياً لمصطلح «العداء للسامية» أراد بوش والصهاينة أم لم يريدوا، ونحن نحدد المفهوم الجديد بالعناصر الثلاثة التالية:
1. سياسة الأبارتيد والترانسفير والمذابح التي يمارسها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل وفي المهاجر القسرية التي وجد فيها، هي عين «العداء للسامية».
2. الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل الصهيونية سياسياً، وعسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً، هو تشجيع مباشر «لمعاداة السامية».
3. تواطؤ بعض الحكومات الأوروبيةـ إيطاليا، بريطانيا،، إسبانيا نموذجاً ـ مع الانتهاكات الإسرائيلية اليومية للقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان، يسهم أيضاُ في تسعير «العداء للسامية» أي العداء للعرب!
من هنا نحن العرب من يحق له الشكوى جراء العداء للسامية، الذي تمارسه الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية ضد حقوقنا في الاستقلال وتقرير المصير والسيادة الوطنية.
الاستخفاف بالشعوب
إضافة إلى الهجمة المعتادة في كلمات جورج بوش عكس الخطاب تعنت اليمين المحافظ الذي يعبر عنه الصقور المتحكمون بالقرار الأمريكي أمثال: رامسفيلد وولفوفيتز وريشارد بيرل. وقد تجلى ذلك بالاستمرار في:
1. المكابرة والإصرار على نهج العولمة المتوحشة إزاء جميع الشعوب من خلال شعار «من ليس معنا فهو ضدنا».
2. غياب أي انتقاد لسياسة حكومة الإرهابي شارون إزاء السلام. ولأن بوش يعتبر «إسرائيل دولة ديمقراطية» بالمواصفات الأمريكية، فهو يوافق علناً على سياسة الاغتيالات وبناء جدار الفصل العنصري وهدم البيوت وجرف الأراضي وقطع الشجر وإبعاد المناضلين وإقامة مستوطنات جديدة، ومع كل ذلك مازال بوش يعتبر الإرهابي شارون «رجل سلام».
3. طلب جورج في خطابه من السلطة الفلسطينية قمع المقاومة الفلسطينية ونزع سلاحها وإلا ليس أمامها إلا العزل والإنكار...
● مفارقة أولى:
قدم الرئيس بوش نفسه في الخطاب على أنه «رسول الديمقراطية» ووكيلها الحصري، في حين أن قضية الديمقراطية تخص الشعوب، التي يحتقرها أيما احتقار صقور البيت الأبيض وحتى في تلك البلدان الحليفة لواشنطن لمجرد أن شعوبها جاهرت بحقيقة الخطر الذي تمثله إسرائيل الصهيونية وأمريكا على الأمن والسلم الدوليين.
● مفارقة ثانية:
بشرنا بوش ـ كما في خطابات سابقة له ـ بتعميم النموذج العراقي الحالي للديمقراطية، على دول المنطقة، في حين أن هذه «الديمقراطية» التي هبطت على العراق احتلالاً كاملاً وتفتيتاً لمفهوم الدولة الوطنية وبناها، ونهباً لثرواتها تحت شعار «إعمار العراق» تلقى مقاومة عراقية تتنامى يوماً بعد يوم وقد سبقت في توقيت قيامها توقعات أكثر المتفائلين من بين المحللين السياسيين، بحيث أوصلت المحتل الأمريكي وحلفائه إلى مأزق يشبهه بعض المحللين الأمريكيين بمأزق «فيتنام». ففي ندوة أقامها أكاديميون وسياسيون وعسكريون متقاعدون ـ بناء على طلب لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس ـ لمناقشة أسباب عدم تحويل الاحتلال العسكري إلى انتصار سياسي في العراق، وصف ا لأكاديمي فريمان جونيور وضع القوات الأمريكية في العراق بأنه يشبه مأزق كلب ظل يطارد سيارة إلى أن بلغها وعض دواليبها. ثم تساءل: « وماذا بعد؟ لقد أصبحنا مسؤولين عن حل وضع شائك نحن أوجدناه. إن أسناننا مغروسة بمطاط الدولاب، من دون أن نتمكن من تغيير مستقبل العراق على نحو ملائم لتصوراتنا عن النظام الإقليمي».
توسيع رقعة الحرب
إذا كانت أمريكا محكومة الآن باتساع مأزقها في العراق، كونها للآن غير قادرة إلا على غرس أنيابها في مطاط الدولاب، فإن ما ستصدره لدول المنطقة ليس الديمقراطية، بل توسيع رقعة الحرب على الصعيد الإقليمي علها تتمكن من غرس أنيابها المتوحشة في اللحم الحي لشعوب المنطقة، وإجبارها على الرضوخ والتخلي عن مفهوم السيادة الوطنية. ومن هنا يجب التحذير بأن «الديمقراطية بالمفهوم الأمريكي» وكما يسوقها الرئيس بوش ليست إلا مذكرة جلب للنظام الرسمي العربي والقبول بالمشيئة الاستعمارية الأمريكية وتفضيل مصالحها الاحتكارية على مصالح الشعوب وسيادتها الوطنية.
كرامة الوطن والمواطن
وفي هذا الإطار علينا رؤية مخاطر إقرار ما يسمى بـ «قانون محاسبة سورية» والتهديدات ضد لبنان، والانتقادات الموجهة إلى دول عربية عرفت بقربها من السياسة الأمريكية، وقبل ذلك العدوان الإسرائيلي على موقع عين الصاحب في سورية، الشيء الذي يؤكد أن لاخيار أمامنا إلا المقاومة الشاملة دفاعاً عن الوطن وكرامة المواطن. ولا يتأتى ذلك إلا عبر تصليب الجبهة الداخلية، وهذا يتطلب قبل كل شيء تعزيز الوحدة الوطنية وصولاً لأوسع تحالف وطني من خلال الاعتماد على الجماهير وإطلاق طاقاتها الجبارة ضد التحالف الصهيوني ـ الإمبريالي وضد من يتهيأ للتعاون وجر عربة العولمة «الأمركة» من قوى السوق والسوء. ومن هنا لا مخرج إلا بتحقيق الترابط بين المسائل الوطنية، والاجتماعية والديمقراطية كمقومات رئيسية وأساسية للصمود وحماية السيادة الوطنية والذود عن حياض الوطن.
■ حمزة منذر
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.