أمل إبليس بالجنة!.. دبلوماسية الردهة (اللوبي): هل هي ما ينقصنا للتأثير في السياسة الأمريكية نحونا؟

■ «الدبلوماسية الشعبية» أجدى بكثير لقضايانا وأكثر احتراماً لها من تبديد أموال شعبنا وراء سراب كسب «تفهم» و«عطف» أولئك القتلة من قادة العدو الأمريكي

تكاثرت مؤخراً، على المستويين العربي والسوري، دعوات خلاصتها أنه بات علينا الاعتراف أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة العظمى الوحيدة في العالم، هي التي تتحكم في العلاقات الدولية وهي وحدها تقرر في خاتمة المطاف مصائر الدول والشعوب، وأن علينا أن نستوعب آلية العمل السياسي في هذه الدولة كي نتمكن من التأثير، من خلالها وبشروطها، لصالحنا كيف؟ عن طريق تشكيل «لوبي» مؤيد لقضايانا في ردهات الكونغرس والإدارة والإعلام إلخ، وذلك على غرار اللوبي الصهيوني هناك، حيث يمارس هذا الأخير ابتزازاً شخصياً متواصلاً على النواب والشيوخ ومسؤولي الإدارة وعلى الرئيس الأمريكي نفسه، وأداته الرئيسة في ذلك «الصوت اليهودي» في الانتخابات، وتمويل الحملات الانتخابية للمرشحين، وصولاً إلى الرشاوى المباشرة أو غير المباشرة التي تقدم للإعلاميين وللساسة ومستشاريهم وأفراد أطقمهم.

يورد أحد المحللين السوريين مثالاً لتفاوت النفوذ في واشنطن (عاصمة العالم المضمرة في هذا المنطق) بيننا وبين العدو الصهيوني، أن عدد العاملين في سفارة هذا الأخير هناك يفوق عدد العاملين في أكبر سفارة عربية (مصر) بأكثر من ستة أضعاف، بينما يفوق السفارة السورية، (وهي من أصغر السفارات العربية هناك وعدد موظفيها ستة فقط) بثمانين ضعفاً. يتوجب علينا الاستنتاج إذن أننا لو رفعنا عدد العاملين في سفارتنا إلى ما يوازي سفارة العدو فربما ننجح في النيل من نفوذ العدو وإيجاد نفوذ مواز لنا.

إن أمثال هذه الدعوات، باسم «الواقعية» و «المتغيرات» إلخ، للانحدار بقضيتنا إلى المستوى الذهني الأمريكي ـ العولمي الخاص بما يسمونه «ممارسة العلاقات العامة» (الاسم المنمق الذي يطلقه الرأسمال العالمي على ممارسات الكولسة والرشوة التي يقوم بها، مقابل تسمية «الفساد» على نفس تلك  الممارسات لدى الغير)، والاعتقاد أن ذلك الانحدار سيخدم قضيتنا، وأننا قد «فوتنا» هذه «الفرص» في الماضي نظراً لتخلفنا عن فهم المعادلات الداخلية المتحكمة بالسياسة الأمريكية، إن هذه الدعوة ـ مهما بلغت درجة حسن النية عند من يتبناها ـ هي في الحقيقة فكرة ساذجة وتكرار ممل لما سبق أن روجت له الرجعية واليمين العربي منذ مبدأ آيزنهاور 1957 وخصوصاً منذ عدوان حزيران 1967 وبالأخص بعد خيانة السادات، واستخدمت هذه المقولة لتبرير وتستير سياسات الخيانة والالتحاق بالركب الأمريكي على أمل النجاح في تحويل السياسة الأمريكية لصالحنا (أمل إبليس بالجنة!). والمعروف أن هذا النهج لم ينجح سوى في إضعاف حركة التحرر العربية والعالمية و السير بشعوبنا وبلداننا نحو الهاوية، ولن تكون نتيجة الدعوة  المتجددة إلا مزيد الوهن والقعود عن مقاومة السياسة الأمريكية المعادية (بنيوياً) للشعوب العربية، ذلك أن هذه الرؤية التبسيطية تغفل أساس المسألة المتمثل بالجوهر الإمبريالي للسياسة الأمريكية والارتباط الوثيق (البنيوي أيضاً) للحركة الصهيونية العالمية والكيان الصهيوني بها، تلك الحركة التي تمثل جزءاً حيوياً من الرأسمال العالمي الذي شارك في تنفيذ أقذر  المهام على الجبهة الداخلية في بلدان المعسكر الاشتراكي السابق، وهذا الكيان الذي يعتبر في واشنطن الولاية الأمريكية المدللة و القاعدة العسكرية المدججة الأمامية في منطقة لا يرونها أكثر من حقول وممرات استراتيجية لنفط «المورد العالمي» الذي وضعته مصادفات الجيولوجيا في الجغرافيا الغلط (كذا بالحرف!)، والذي يتوجب ضمان تدفقه بأبخس الأثمان، لاستمرار دوران آلة «المعجزة الأمريكية» و «الازدهار» الرأسمالي والهيمنة الأمريكو ـ صهونية على العالم، حتى آخر برميل منه.

لم يكن قلة تدبير منا أن أربعة أعضاء فقط من الكونغرس (منهم اثنان من أصل عربي ـ لبناني وثالث يمثل مدينة «عربية» في ولاية «ميشيغان» الكثير من سكانها لا يتكلمون الإنكليزية أصلاً!) تجرؤوا على التصويت ضد «قانون محاسبة سورية» سيىء الصيت ونسبتهم حوالي 1 % من مجموع النواب.

لاندعو بالطبع للانعزال عن أي بلد في العالم، ولسنا من أتباع المذهب العدمي في السياسة، ولانرى ضيراً في ممارسة أي شكل من الدبلوماسية العلنية أو السرية أو حتى «دبلوماسية تحت الطاولة» إذا كان مفيداً لقضايانا فعلاً. لكننا نعتقد أن تنشيط «الدبلوماسية الشعبية» مع كل العالم، بما في ذلك التواصل الإنساني والإعلامي و الثقافي والسياسي مع الجاليات المتحدرة من أصل عربي أو من «الأطراف» عموماً في بلدان «المركز» الإمبريالي، ومع أمثال هؤلاء الأمريكيين البسطاء الذين أفشلوا في مدينة سياتل قبل عامين اجتماع سدنة الرأسمالي المالي والعولمة، وتظاهروا بالأمس في واشنطن نفسها بعشرات الألوف للمطالبة بسحب أبنائهم قبل فوات الآوان من الفيتنام العراقية المقبلة، الأمريكيون  الشرفاء الذين قدموا من صفوفهم في مواجهة الجرافة الصهيونية الشهيدة البطلة راشيل كوري على أرض فلسطين العربية التي تبعد عن بلادهم عشرات آلاف الكيلومترات، إن التواصل مع هؤلاء لهو أجدى بكثير لقضايانا وأكثر احتراماً لها من تبديد أموال شعبنا وراء سراب كسب «تفهم» و «عطف» أولئك القتلة من قادة العدو الأمريكي أو زيادة ثروات أعضاء الكونغرس المتخمين.

 

■ بشير يوسف