دبلوماسية الإبادة والقنابل الانشطارية ... تصفية سياسية ومجازر بشرية!

فرضت التطورات المتسارعة لعمليات الغزو الوحشية الصهيوأمريكية على لبنان أجندتها اليومية، وبأدق تفاصيلها، القتالية والسياسية، على مسرح الأحداث المحلية والإقليمية والدولية، خاصة في امتلاكها للمجال الإعلامي الهائل، مما أدى لانتقال مناطق أخرى تلتهب بفعل مقاومتها في فلسطين والعراق إلى الساحة الخلفية! فالإضاءات الأكثر توهجاً امتلكتها مقاومة شعب لبنان وطليعته المقاتلة حزب الله بفعل آلاف الصواريخ التي دكت المستعمرات والمواقع العسكرية، براً وبحراً وجواً، إضافةً إلى ملاحم البطولة التي يسطرها مقاتلو الحزب في مثلث البطولة والشموخ «مارون الراس - عيترون - بنت جبيل». إن الضوء الإعلامي الباهت الذي يوجهه الإعلام نحو قطاع غزة والضفة الفلسطينية، لا يعكس بالدقة الموضوعية، حجم المذابح المتصاعدة بحق الشعب الفلسطيني. فانتقال الخبر الفلسطيني إلى الدرجة الثانية في وكالات الأنباء، لايعني برودة الأوضاع، فما زالت الدماء تغطي أجساد المواطنين والإعلاميين (مصورا قناة الجزيرة وفضائية فلسطين)، كما أن أدوات الموت الصهيونية المتدحرجة، تقتل المئات من الأطفال والنساء والمسنين، مع آلاف الجرحى، في واحدة من أبشع المجازر كما حصل في «المغازي، حي التفاح، بيت لاهيا، جباليا، خان يونس، رفح و...» مستخدمة في مجازرها اليومية، أنواعاً جديدة من أسلحة الموت الأمريكية، التي مازالت في مرحلة التجربة، قنابل انشطارية متفجرة أسقطتها الطائرات فوق غزة، وهذا ما أكده المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية لوكالة "فرانس برس": (من المؤكد لدينا أن قوات الاحتلال تستخدم قذائف من النوع المحرم دولياً حيث أن الشظايا تخترق الجسم وتحدث انفجارات داخله، وحروقاً فظيعة جداً تؤدي إلى الموت). كما أكد بعض الأطباء أنهم عثروا على شظية كتب عليها «تجربة».

إن عملية «التغذية المرتدة» التي تندرج في حملة «أمطار الصيف» الدموية، لا تعدو كونها إعادة احتلال - ولو مؤقت - للعديد من المدن والبلدات والمخيمات، يتم من خلالها تدمير البنى التحتية، وممارسة الإعدام للبشر والشجر، بهدف سحق إرادة الحياة المرتبطة بالمقاومة والمواجهة التي لم تتوقف رغم التفوق العددي والنوعي الصهيوني. فالصواريخ التي تدك المجدل وسديروت وناحال عوز والعديد من مواقع العدو، مضافاً لها قتل جنوده الغزاة في أكثر من مكان، وتدمير آلياته المدرعة - قبل أيام جال المقاتلون في شوارع غزة، بجنازير ومعدات واحدة من الدبابات المدمرة - في تأكيد جديد على فشل المخطط الهادف، دفع الشعب للخنوع والاستسلام. الضفة الفلسطينية لم تكن خارج دائرة الاستهداف الدموي الصهيوني. مدينة نابلس تعرضت من جديد، لواحدة من مجازر قوات الاحتلال، فقد تم تدمير مبنى "المقاطعة" والعديد من البيوت. حجم الدمار كان الأعنف. فقد ألحق التدمير، خراباً كبيراً في مؤسسات الخدمات المرتبطة بالسلطة، نتج عنها إتلاف السجل المدني لمحافظة نابلس. وترافق كل ذلك باستشهاد العديد من المقاومين والمواطنين في المواجهات التي جرت دفاعاً عن المدينة، وفي عمليات الإعدام المستمرة، والتي استهدفت ليل السبت / الأحد (29 - 30 / تموز) اثنين من قادة العمل الفدائي المسلح بالمدينة. كما أن مدينة جنين ومخيمها يشهدان منذ أسابيع حملات عنيفة تنفذها آليات وعساكر الغزاة، بهدف إلقاء القبض على مقاومين مطلوبين لها. كل ذلك يترافق بكل ساعة بحملات اعتقال واسعة لاتتوقف، تتم على مئات الحواجز العسكرية، وخلال عمليات اقتحام البيوت .

في ظل هذه التطورات الميدانية، فشلت كل المحاولات الحربية / الأمنية للعثور على العسكري الأسير "جلعاد شاليت"، كما تهاوت كل التصريحات "المتفائلة" عن إطلاق سراحه "الوشيك". فقد أعلنت القوى التي نفذت عملية "الوهم المتبدد" البطولية، الأسطورية "أن هذا الأمر بيد فصائل المقاومة الثلاث التي قامت بالعملية وليس بيد أي سياسي فلسطيني" و "بأن القضية ماتزال كما هي ولم يحدث أي جديد في الوساطات المقدمة، ولاندري سر هذا التفاؤل عند السيد أبو مازن!". وهذا يستند إلى رأي شعبي واسع (حوالي 91 % من المواطنين، بحسب استطلاع أجراه مركز تابع لجامعة النجاح) يؤيد مطلب آسري "جلعاد" بعدم إطلاق سراحه دون عقد صفقة تبادلية مع حكومة العدو يتم بموجبها إطلاق سراح العديد من الأسرى "ضمن شروط انتقاء محددة". وقد توقف المراقبون عند ماصرح به "أبو مازن" للصحافيين قبل أيام في الإسكندرية حول "الصفقة غير المتزامنة" لإطلاق سراح العسكري الصهيوني، والأسرى الفلسطينيين. إن أية رهانات على "إلتزام ومصداقية" العدو بوعود لإطلاق سراح أسرانا، لا تعدو كونها "سراب" عند البعض، تغذيه "الأوهام" المستندة إلى وعود "الشريك" الصهيوني و "الراعي" الأمريكي.

إن دلالات المفردات التي استعملها كل من أولمرت وكونداليزا في مؤتمرهما الصحفي في القدس المحتلة قبل أكثر من أسبوع، تشير إلى اندفاع همجي في المجزرة المتنقلة في المنطقة. تحدثت "كوندي" بصفاقة واستعلاء (إن الحرب على لبنان سوف تستمر، كما تستمر على الأراضي الفلسطينية، وعلى كل من يقول لا لهذه الحرب) مؤكدة قناعتها بـ (أن "إسرائيل" سوف تنتصر) إنها اللغة التي تشرح للعالم "دبلوماسية القنابل الذكية والعنقودية والفسفورية" والتي تعبر بكل جلاء عن سياسة "التفرد الإمبراطورية" التي تعكس عقلية الهيمنة المتوحشة، المعتمدة على "قاتل مأجور محترف" يرسم لنا "الشرق الأوسط الجديد". هذا المشروع الذي قال عنه "هاني الحسن" عضو اللجنة المركزية لحركة فتح قبل بضعة أيام، في محاضرة له بمدينة "رام الله":

(الشرق الأوسط الجديد يعني تشكيل دويلة معزولة داخل بطن «إسرائيل» ذات حدود مؤقتة، ولاتمتلك أي أساس من أسس السيادة المتعارف عليها بين الدول... مايجري خلف الكواليس هو محاولة إقناع الفلسطينيين بالقبول بدولة ذات حدود مؤقتة، أي حدود الحكم الذاتي الحالي، على أن يجري التفاوض على الحدود الدائمة بعد 10 - 15 سنة).

إن المخططات التي رسمتها عصابة المحافظين الجدد المتحكمة بالسياسة الأمريكية والدول السائرة في فلكها السياسي/الاقتصادي/الثقافي، تتوضح وحشيتها في كل منطقة من عالمنا، بل إن مانشرته بعض وسائل الإعلام مؤخراً، عن خرائط التفتيت والتخريب الجديدة "خرائط الدم والموت" لمنطقتنا، تؤكد أن الهجوم الوحشي على لبنان، وفلسطين، واحتلال العراق، ماهو إلا التنفيذ المباشر لهذه المخططات. ولهذا فإن مواجهة هذه الحملة الدموية الهمجية التي تستهدف تاريخ وثقافة وثروات هذه الأمة، تتطلب وحدة أدوات الممانعة والمقاومة، التي تستلهم من صمود المقاومين في فلسطين ولبنان والعراق، الدروس والعبر.