من «أمطار الصيف» إلى «الجزاء المناسب» مجازر صهيونية بامتياز!
أكثر من ثلاثة أسابيع مضت على عملية الوهم المتبدد البطولية، والأراضي الفلسطينية المحتلة مازالت تعيش في ظل عمليات عسكرية وحشية تنفذها قوات الاحتلال، كإجراء عقابي جماعي للشعب المقاوم، بهدف تحطيم إرادة الصمود والمقاومة.
وفي محاولة للعثور على العسكري الأسير "جلعاد شاليت". وبالرغم من اللجوء للسياسة الاحتلالية المعروفة بـ"الأرض المحروقة" التي استهدفت التدمير الواسع للبنية التحتية في كل محافظات غزة، والتي أدت لسقوط المئات من الشهداء والجرحى نتيجة آلاف الصواريخ والقنابل التي أطلقتها طائرات ودبابات ومدفعية الغزاة على منازل المواطنين ومراكز عملهم، فإن الفشل والإخفاق مازال العنوان الرئيسي لهذه الحملة التي أطلقوا عليها تسمية «أمطار الصيف»، فصواريخ المقاومة تتساقط على المستعمرات الصهيونية "سديروت، عسقلان، ناحال عوز" وعمليات التصدي لتقدم قوات العدو مستمرة على أكثر من محور، والأسير الصهيوني مازال محتجزاً لدى المقاتلين بانتظار قرار حكومته التي تطيل من فترة أسره لرفضها إطلاق سراح الأسيرات والأسرى. في ظل كل هذه الأجواء المتفجرة، تعيش مؤسسات الحكومة الفلسطينية حالة شلل كاملة، لم تتوقف عند حدود حصارها، التي ساهمت فيها أطراف محلية وإقليمية ودولية، ونتج عنها، تجميد دورها ونشاطها في إدارة شؤون المجتمع، بل انعكس ذلك أيضاً على التفاوت الواضح في طبيعة العلاقات مابين الرئاسة "محمود عباس" والحكومة، على الرغم من الوصول للتوافق على تشكيل حكومة "وحدة وطنية" كنتيجة للاتفاق على وثيقة الوفاق الوطني. وقد ظهرت التباينات الحادة في طريقة التعاطي مع قضية العسكري الأسير، كما برز الخلاف في رفض محمود عباس للقرار الذي أصدره وزير الداخلية "سعيد صيام" بإعلان حالة الطوارئ لمجابهة الحملة العسكرية العدوانية الجديدة. كل هذا يشير إلى أزمات حادة تحكم عمل وعلاقات طرفي الرئاسة والحكومة. وإذا كان التجانس هو الذي يوحد وزراء الحكومة، فإن سياسة التحدي في بقاء الحكومة واستمرار وجودها المستند إلى نتائج الانتخابات والدعم الشعبي لها، هو الذي يوفر لها بقاءها للآن. لكن مارافق تحركات وتصريحات وقرارات "محمود عباس" يوحي بوجود أزمة حادة وخانقة تحيط بـ"الرئيس"، فما بين التهديد بالاستقالة وحل السلطة _ مصادر موثوقة من الدائرة المغلقة به، أكدت إعلانه ذلك في جلسات خاصة، نظراً لحجم الفشل والإحباط الذي لازمه في مسيرته الراهنة_ التي تم التلميح بها للقيادة الأمريكية "محادثته الشهيرة مع كونداليزا رايس"، إلى نفيه (حل السلطة الوطنية أو الإستقالة، فأنا لم أستشر في هذا الموضوع أحداً، ولست بحاجة لاستشارة أحد إذا أردت أن أقدم على ذلك) كما جاء في مؤتمره الصحفي بمدينة "رام الله" المحتلة يوم 15 الجاري. وقد جاءت نتائج زيارة مبعوثيه "عضو لجنة تنفيذية حالي، وعضو سابق في ذات اللجنة" للحوار مع قادة الفصائل المتواجدين في دمشق، لتضيف فشلاً جديداً لمسارات التحرك "الرئاسي"، إضافة للأنباء التي تسربت عن دور الوفد الفلسطيني لاجتماعات وزراء الخارجية العرب الذي جرى قبل أيام في الجامعة العربية بالقاهرة، عن بروز عقبات جديدة تضعها "الرئاسة" في وجه الوحدة الوطنية الفلسطينية المستندة لوحدة الموقف القومي في مواجهة الهجمة الصهيونية/الأمريكية، فالاصطفاف مع دعاة "العقلانية" التي تعني فقط، التساوق مع المخطط الأمريكي للمنطقة، والمعادية لنهج المقاومة «المغامر!» يزيد من الشرخ في وحدة الصف الفلسطيني، الذي يجب أن يكون داخل، بل وفي مقدمة، جبهة المقاومة العربية.
إن عملية الوعد الصادق البطولية الجريئة، ورشقات القصف الصاروخية لمستعمرات ومدن العدو داخل عمق أراضينا المحتلة منذ عام 1948، وتدمير البارجة الحربية الصهيونية "حنيت"، وتفجير آليات الغزاة، ومجابهة قواتهم البرية المتسللة للأراضي اللبنانية، قد أضاف للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة عوامل الصمود، وزاد من قدرته على المجابهة. وبهذا ينظر الفلسطينيون بكل التقدير والإعجاب لهذا التضامن الفعلي/الميداني معهم، الذي حققته المقاومة اللبنانية وفي مقدمتها "حزب الله"، خاصة موقفها المعلن على لسان قائدها سماحة السيد "حسن نصر الله" من أن العسكريين الصهيونيين "إيهود غولدفاسر و إلداد ريغيف" اللذين أسرا، سيضافان إلى "جلعاد" في عملية التفاوض غير المباشر من أجل إطلاق سراح الأسرى العرب من سجون الاحتلال. وبهذا تشكل وحدة مسار التفاوض على الأسرى الثلاثة _ في حال تحققها _ عملية تعزيز ودعم لشروط المقاومة من أجل حرية الأسرى العرب.
إن قوات الاحتلال التي انتقلت حربها العدوانية المسماة «الجزاء المناسب، الثمن الباهظ»، عبر سياسة الأرض المحروقة إلى لبنان، تكون قد أضافت إلى مجازرها المتجددة في "بيت حانون، بيت لاهيا، الشجاعية، رفح، خان يونس، نابلس وجنين" جرائم جديدة ضد الإنسانية، تظللها إمبراطورية التوحش العالمية الأمريكية وتوابعها من "الإمبرياليات الأصغر"، وتسوق "شرعيتها" هيئات ومؤسسات دولية. إن سياسة "العين الواحدة والمكيال الواحد" التي يتم التعامل من خلالها مع الكيان الصهيوني، تثبت في كل يوم، انحيازها للسياسات العدوانية، وتحريضها للتوجهات العنصرية التوسعية لحكومة العدو المتعاقبة. إن صحوة الضمير الإنسانية لدى شعوب العالم، أمام هول المجازر التي تصيب المدنيين في مروحين، صور، الضاحية الجنوبية لبيروت، وبيت لاهيا، خان يونس، بيت حانون. يجب أن تتحول إلى أدوات ضغط لكبح تعاون ودعم الحكومات، لهذه الممارسات الصهيونية.
لقد عبرت الجماهير العربية التي نزلت لشوارع المدن السورية والمصرية والأردنية والمغربية، وأصوات الكتاب والمثقفين والمبدعين في السعودية ومصر وسواها، عن موقف الأمة في احتضانها للمقاومة، وفي توحدها معها لمجابهة أعدائها. إن تطوير أشكال التضامن والدعم، يجب أن يتحول على يد القوى والمنظمات إلى حقائق مادية ومعنوية تتلمسها المقاومة والجماهير في فلسطين ولبنان، من أجل توفير عوامل الصمود لها. إن حجم الدمار والموت الهائلين الذي نشرهما العدو، لن يحجبا فجراً جديداً بدأ بالبزوغ. فأسطورة الجيش الذي لايقهر تهاوت، وهذا ماتنشره صحافتهم. في جريدة "هآرتس" كتب "آري شبيط" يوم 17 الجاري (الحرب تدار بصورة سيئة، الإستخبارات رديئة، الجيش متلعثم، متخبط، وغير خلاق). بذات اليوم تكتب "أورية لفنين _ دغاني" الناشطة في "منظمة الأم الخامسة" المعادية للحرب، مقالاً في صحيفة "معاريف" تقول فيه (إن العملية العسكرية ليست حلاً ... هذا الرد العنيف لم يكن ليحصل لو أن الجيش لم يُضْبَط وهو في حالة ضعف وإهمال. إن تغطية الإهانة التي لحقت بكرامة العسكر تدفعكم إلى الإنفلات الأهوج من دون تعقل، وتطلقون عليه إسم الردع!). إنها اعترافات «أهل البيت» بالتقصير والعجز، الذي كشفته «مغامرات» المقاومين، ويتجنب معرفته «عقلاء» أهل الحكم.