الملف اللبناني.. الهدف رأس المقاومة
هي الحرب مجدداً. وهي كسابقاتها إسرائيلية بآلتها العسكرية، أميركية إسرائيلية مشتركة بأهدافها السياسية المعلنة صراحة أو مواربة.
وعلينا أن نستعد لمواجهة طويلة ومريرة ومكلفة، لأن الهدف الأول والأخطر هو تغيير قواعد اللعبة، جذرياً، في لبنان بداية، ومن ثم في جواره الفلسطيني وصولاً إلى دمشق «المارقة» وطهران «العاصية».
ليس الرد العسكري على نجاح مجاهدي حزب الله في أسر الجنديين الإسرائيليين للضغط من أجل الإفراج عن الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية منذ عقود إلا الذريعة. أما الهدف الفعلي فهو وجود المقاومة، ومن ثم دورها المؤثر ليس فقط في السياسة اللبنانية، بل على المستوى العربي عموماً والفلسطيني بشكل خاص.
بل إن هذه المقاومة قد مدّت إشعاعها إلى العراق تحت الاحتلال الأميركي، وقدمت خلاصة تجربتها المتوهجة بدماء الشهداء: بالوحدة يكون التحرير، أما بالفتنة فيكون التقسيم والتفتيت حتى اندثار الوطن.
الهدف، إذاً «تحرير» لبنان من «المقاومة» التي تجاوزت الحدود فوفرت الذريعة لتحقيق المشروع الأميركي الإسرائيلي كاملاً وذلك باللجوء إلى القرار الدولي 1559 والضغط لتنفيذه بحرفية نصوصه، أي التعامل مع المقاومة على أنها ميليشيا مسلحة، لا بد من تجريدها من السلاح... وكخطوة أولى لا بد من إبعادها عن الحدود بمسافة صواريخها، ولا بد من إيكال مهمة حماية الخط الأزرق إلى القوات الحكومية بمساعدة القوات الدولية.
ولقد كان الرئيس الأميركي جورج بوش واضحاً كل الوضوح حين أعلن أنه يريد استنقاذ حكومة السنيورة و«التجربة الديموقراطية» التي يعتبرها إنجازاً شخصياً ودعمها لاستعادة زمام الأمور في لبنان، ولكي يتحقق هذا المطلب الأميركي فلا بد من أن تطوي المقاومة أعلامها، وأن تنسحب من أرضها (وقد حدّدت لها إسرائيل المسافة بعشرين كلم) تاركة السيادة والاستقلال والوحدة الوطنية في عهدة القرار 1559 وجيش الدفاع الإسرائيلي، الأمين والملتزم تماماً بكل القرارات الدولية.
من هنا التركيز الإسرائيلي، ومن ثم الأميركي، على مسؤولية الحكومة اللبنانية عن هذه الحرب، ومطالبتها بتولي الأمر بيديها.. وهذا يعني وضع الحكومة في مواجهة المقاومة ونقل الحرب إلى الداخل.
ولتسهيل هذه المهمة على الحكومة فإن الجيش الإسرائيلي، بطيرانه وبحريته ومدفعيته البعيدة المدى، باشر فرض الحصار على لبنان، براً وبحراً وجواً، فعطّل مطاره في بيروت، والمطارين الآخرين المهملين في رياق والقليعات، ومرفأه، ودمّر منهجياً وسائل المواصلات والاتصالات بين بيروت والحدود جنوباً، فنسف الجسور، وشنّ الغارات القاتلة على العديد من البلدات والقرى التي يعتبرها قواعد خلفية للمقاومة.
إذاً، فهي الحرب، بكل ويلاتها وخسائرها البشرية والعمرانية، وبكل أكلافها الباهظة، (وبينها أن يعود المصطافون والسياح أدراجهم من حيث أتوا..)
.. وخصوصاً أن ثمة حكومة إسرائيلية جديدة برأس مدني، وهو يحتاج إلى رصيد من القدرة على تحقيق النصر... وقد جاءته الفرصة التي يبحث عنها لتأكيد جدارته بموقعه السامي، ولكي يثبت أنه لا يقل كفاءة عن أسلافه من الجنرالات الذين بنوا أمجادهم عبر تحطيم «الأعداء» داخل فلسطين ومن حولها.
الهدف أميركي إسرائيلي مشترك. والحرب أميركية إسرائيلية مشتركة. والمطلوب رأس المقاومة، باعتبارها النموذج الناجح للقدرة على الإنجاز، والقدوة التي وصل إشعاعها إلى أربع جهات الأرض العربية، بل وتجاوزها إلى ما يجاورها من الأقطار، وهي بأكثريتها إسلامية، وتبحث عن الطريق إلى مستقبلها.
ولقد علّمتنا التجارب أن ليس كل ما تقرّره إسرائيل ومعها واشنطن يمكن أن ينجح. ولبنان وحده قدّم القدوة في هذا السياق بصموده الرائع وقدرته على إنجاز التحرير وإخراج المحتل.
على أن شرط النجاح هو توطيد الوحدة الوطنية وتماسك الحكم، الذي يدين بوجوده إلى جهد المقاومة في إنجاز التحرير.
هي الحرب. وقد فرضها العدو. لكن القدرة على الصمود متوافرة. وها هي المقاومة تخوض المواجهة بالكفاءة التي عهدناها فيها. فصبراً آل ياسر...