أتى جزءٌ من ثروتهم من معسكرات الموت آل بوش والإبادة الجماعية، تاريخٌ طويل 

أقيم معسكر أوشفيتز في منتصف عام 1940 على يد الرايخ الثالث، قرب قرية أوسفيسيم البولونية. كان مخططاً له في البداية أن يستوعب 15 ألف شخص، لكنّه وسّع بسرعة. أضيف إلى المعسكر الأصلي أوشفيتز II - بيركونو، وأوشفيتز III، ثم حوالي أربعين من المعسكرات الملحقة. في عام 1942، أصبح مجمّع أوشفيتز مركز الاحتجاز الرئيسي لتنفيذ «الحل النهائي»؛ تحول من معسكر اعتقال إلى معسكرٍ للإبادة. وقتل فيه عددٌ يتراوح بين مليون ومئة ألف، ومليون ونصف مليون شخص. حرّر المعسكر في كانون الثاني 1945 على يد الجيش الأحمر. وقد وفرت زيارة جورج ولورا بوش الفرصة لرئيس الولايات المتحدة كي يستغل التاريخ ويبرر عمله باستخدام تبسيط الأمور والخلط بينها. متوجهاً إلى الصحافة، ذكر جورج دبليو بوش «ملايين» الأشخاص الذين قتلوا في أوشفيتز II. ثمّ ألقى خطاباً في كراكوف، هنّأ فيه نفسه على انتصار بلاده على النازية وعلى «الإمبريالية الشيوعية». وأقام توازياً بين غزو الرايخ الثالث لبولونيا واعتداءات الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة، وتوازياً آخر بين النازيين من جهة والطالبان ونظام صدّام حسين من جهةٍ أخرى. 

لم تثر أقوال جورج دبليو بوش أيّ جدال. كلّ شيءٍ يجري كما لو لم يكن مهماً أن يختصر «الحلّ النهائي» بمجمّع أوشفيتز وحده، وأن يتناسى بأنّ السوفييت هم الذين حرروا معسكره، وأن يمحو كل فارقٍ بين «الحلّ النهائي» وجرائم الدكتاتوريات. بل إنّ هناك ما هو أكثر إثارةً للاستغراب، إذ أنّه ما من اتحادٍ للناجين أدان عدم لياقة السيد بوش الذي أتى ليصلي في أوشفيتز، في الوقت الذي ينحدر جزءٌ كبير من الإرث الذي تلقاه من جده، بريسكوت بوش، من استثمار مصنعٍ في أوسفيسيم، كان يعمل عبر تحويل سجناء معسكر أوشفيتز إلى عبيد.

وبالفعل، فقد ضاعف بريسكوت بوش، الصديق الشخصي لعدد كبير من المسؤولين في الرايخ الثالث، عدد الهيئات المشتركة مع السلطات النازية في الفترة من 1933 إلى 1941. واستمر في «إقامة المشاريع» مع النظام النازي أثناء الحرب العالمية الثانية. وبعد أن منعت كافة أشكال التجارة مع ألمانيا، وبعد أن استولت حكومة روزفلت على شركاته بعد دخول الولايات المتحدة للحرب، أقام كوكبةً من الشركات الدولية ليلتف على التشريع. فأنشأ في هولندا شركاتٍ لتبييض أموال الجريمة، من بينها شركة Consolidated Silesian للصلب، المالكة لمعمل أوفيسيم - أوشفيتز.

إنّ جورج دبليو بوش غير مسؤول إطلاقاً عن جرائم جده. غير أنّ الفوائد التي حققتها شركة Consolidated Silesian للصلب كانت تدار على يد المصرفي الخاص لهتلر، فريتز تايسن، حتى وفاته في الأرجنتين في العام 1951. استعاد بريسكوت بوش عندئذٍ مليوناً ونصف مليون من الدولارات عن طريق Union Banking Corporation، ووضعها في شركةٍ غير معروفة، أسست لذلك الغرض، هي شركة Overby Development. لدى وفاة بريسكوت، عادت تلك الأموال إلى جورج بوش الأب الذي كلّف إدارتها لرجلٍ يثق به هو ويليام فاريش الثالث، وهو حفيد المصرفي الأمريكي لشركة IG Farben التي صنعت الغاز القاتل المستخدم في حجرات أوشفيتز. حين انتخب جورج بوش الأب في العام 1980 نائباً لرئيس الولايات المتحدة، نظّم إرثه في حياته فأعطى ثروته لاتحادٍ يمتلكه أبناؤه. وقبل جورج دبليو بوش حينذاك أموال الجريمة. 

هذه الوقائع معروفة تماماً، وقد نشر الكثير عنها، وخاصة: وول ستريت وصعود هتلر، بقلم أنطوني ساتن، 1976؛ التجارة مع العدو، عرضٌ للمؤامرة المالية النازية الأمريكية 1939-1944، بقلم تشارلز هايغام، منشورات ديلاكورت برس، 1983؛ جورج بوش، السيرة الشخصية غير المسموح بها، بقلم ويبستر غريفن وأنطون شيتكيم؛ الحرب السرية ضد اليهود، بقلم جون لوفتوس ومارك آرونز، منشورات سانت مارتن بريس، 1997؛ «وريث الهولوكوست، كيف ترتبط ثروة عائلة بوش بإبادة اليهود»، بقلم توبي رودجيرز، في كليمور ماغازين، منتصف حزيران 2002. لكن الجمهور الناطق بالفرنسية لم يطلع عليها، اللهم إلاّ في كتاب حرب آل بوش، الأسرار غير المعترف بها للنزاع، بقلم إيريك لوران، منشورات بلون، 2003. وقد أكّدت هذه المعلومات عبر وثائق نشرها في العام 2001 الأرشيف الهولندي، وفحصها جون لوفتوس، رئيس متحف فلوريدا للهولوكوست، للتأكد من صحتها. لكن، اليوم وقد أصبحت إدارة بوش الحليف الرئيسي لحكومة شارون، فإنّ الاتحادات التي تدافع عن ذكرى ضحايا الرايخ الثالث قررت أن تغمض عينيها وتصمت. أما نحن، فلا.

■ توم سان بيير