خارطة مخططات الامبريالية الأمريكية في طريق مسدود

يتوالى على دمشق توافد المسؤولين من عدد من دول العالم ولاسيما من أوربا لبحث جملة مواضيع تبدأ من تشجيع سورية على القبول بما يسمى «خارطة الطريق» للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولا تنتهي بتقديم «النصح» إليها فيما يتعلق بعمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد،

ولكن دائماً باتجاه ليبرالي بقوالب غربية جاهزة لا يراعي عملياً في نهاية المطاف مصالح الشرائح الاجتماعية الأوسع مع ميل لدمج سورية باقتصادها النامي الحافل بالمشاكل مع الاقتصاد الرأسمالي العالمي وممثليه من شاكلة منظمة التجارة العالمية وذلك وسط تنافس مستتر بين أوربا «الدمثة» والولايات المتحدة «المتعجرفة» على ما يرونه شكل مستقبل سورية بمختلف أبعاد موقعها وثرواتها ومواقفها وانعكاس ذلك كله على عملية صياغة مستقبل المنطقة بحسب مشاريع هاتين القوتين. وبطبيعة الحال فإن هذه المرحلة الجديدة من استهداف سورية لاتخرج عن مجمل التطورات التي يشهدها محيط سورية الإقليمي.

فلسطين: صيغ غير قابلة للعيش

جاءت محاولة اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي أحد قياديي حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس وما رافقها من سقوط شهداء فلسطينيين جدداً في غزة لا لتضيف جريمة أخرى إلى سجل الإرهاب الإسرائيلي المعروف بل لتُدخل ما يسمى «خارطة الطريق»، خطة «السلام» الأمريكية-الدولية المعروفة بتجاهلها للحقوق المشروعة والمقرة دولياً للشعب الفلسطيني، غرفة الإنعاش بعد أن ولدت هذه الخارطة شبه ميتة سواء بسبب هذا التجاهل، أو بسبب تنصل الكيان الإسرائيلي المسبق من تنفيذ الالتزامات الموكولة إليه بحسب الخطة، أو بسبب تقديم السلطة الفلسطينية ممثلة برئيس وزرائها المحبذ أمريكياً وإسرائيلياً محمود عباس وعوداً لا يمتلك حق تقديمها باسم الشعب الفلسطيني. الرازح على نحو لحظي تحت كل صنوف الاعتداءات الإسرائيلية، من شاكلة حديثه عن وقف «عسكرة» الانتفاضة أي العمليات الاستشهادية قبل توقف الاحتلال عن جرائمه وانسحابه الفوري من المدن والقرى الفلسطينية وتفكيكه للمستوطنات ولو ما يسمى «غير النظامية» منها، على الأقل بحسب الخارطة المزعومة.

ويبدو وراء الأكمة أن حكومة شارون التي أجهضت التزاماتها اللفظية بالخارطة المذكورة مسبقاً، والتي تدرك تماماً أن تصعيدها الخطير المتمثل في محاولة اغتيال الرنتيسي وعلى هذا المستوى من إثارة الحساسية الفلسطينية سينجم عنه المزيد من ردود الفعل الميدانية الفلسطينية وربما سيوفر فرصة لتحسن العلاقات بين السلطة وحماس، إنما تتعمد قيام ذلك مقابل أشياء أكثر أهمية بالنسبة لها من بينها التخلص من الضغوط الداخلية عليها من جانب المستوطنين، والتخلص من أي «ضغط» أمريكي أو دولي «محتمل»، وأن تضع الحمل كله بالتالي وكما في كل مرة على جانب السلطة الفلسطينية مراهنة كما في كل مرة أيضاً على قيام اقتتال داخلي فلسطيني بين السلطة وفصائل المقاومة. لكن فصائل المقاومة ازدادت تلاحماً ونفذت عملية مشتركة في معبر إيرز، وحيث أخطأت صواريخ شارون الرنتيسي وأصابت خارطة الطريق، نجحت حركة «حماس» في زعزعة الأمن الصهيوني في قلب القدس الغربية في عملية استشهادية نوعية أودت بحياة 16 صهيونياً وعشرات الجرحى. 

وفي ظل انهماك الأطراف الدولية المهتمة بالترويج حتى داخل سورية سواء لخطة خارطة الطريق الأمريكية أو لخطة أخرى يبتكرها الأوربيون على أن تشمل سورية ولبنان تبرز قضيتان: أولاهما السؤال عن ضرورة طرح خطط «سلام» جديدة إذا كانت هناك مرجعيات فعلية غير منجزة لتحقيق ما يسمى بالسلام العادل والشامل في المنطقة عبر قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وثانيهما الحقيقة القائلة بأنه منذ أوسلو والخروج عن شمولية مرجعية مدريد المستندة إلى قرارات الشرعية الدولية المعنية بحل الصراع العربي الإسرائيلي كان الأسلوب الإسرائيلي في التعامل حتى مع المقترحات والخطط المجتزأة لحل بعض جوانب هذا الصراع واحداً يتوسل غايات واحدة.

فمن غزة أريحا أولاً حتى خارطة الطريق مروراً بتفاهمات ومذكرات تينيت أو ميتشل أو زيني، وفي كل مرحلة من مراحل محاولات تحقيق سلام اختزالي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي كان ثمة استماتة إسرائيلية لا لتكريس قضم المزيد من الحقوق الفلسطينية والعربية فحسب بل لحرف الصراع باتجاه نزاع فلسطيني داخلي يفاقم من معاناة الفلسطينيين الرازحين منذ أكثر من خمسة عقود تحت الاحتلال وسياسات القتل والتشريد والتجويع والاعتقال.

وإذا كانت أي اتفاقات تقتضي عرفاً قيام الطرفين بتنفيذ التزاماتهما لحل الصراع مع الأخذ بعين الاعتبار معادلات وقف الأسباب لوقف النتائج فإن الذهنية الاستعلائية الإسرائيلية مدعومة بغض طرف أمريكي ودولي كانت دائماً تعتمد لا على التنصل من التزاماتها والمضي في تقديم الأسباب فحسب بل على الاستمرار في إذلال الطرف الآخر ومطالبته في الوقت ذاته بتنفيذ التزاماته وكبح النتائج.

ومن المفهوم تماماً أنه في ظل هذا الصلف الإسرائيلي المترافق مع تصعيد الجرائم الإسرائيلية، ومع التنكر التام لحق الشعب الفلسطيني بعودة اللاجئين وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة تماماً بعاصمتها القدس، ومع مواصلة الضغوط الدولية على مختلف الأطراف العربية وتحديداً على سورية ولبنان، ومع استمرار تقديم الحكومات العربية المزيد من التنازلات، فإنه يمكن الحديث عن قيام أي سلام ولا حتى هدنة سواء داخل فلسطين المحتلة أو في المنطقة ليبقى الصراع فيهما على جوهره صراعاً عربياً إسرائيلياً صهيونياً يتضمن في أحد شقيه مقاومة عربية عمادها الشعوب بالدرجة الأولى، تحت شعار: «لاخيار إلاّ المقاومة الشاملة»!.                     

العراق: فوضى متعمدة أمريكياً

وإذا كان جهد بوش المبذول في الترويج لخطة سلامه المزعوم براغماتياً واستعراضياً وتضليلياً، فقد كان الشق الثاني من حصيلة جولته على المنطقة واجتماعه بكبار موظفيه ووكلاء إدارته فيها من خلال اجتماعي شرم الشيخ والعقبة يتمثل هو الآخر في تبرير العدوان الأمريكي على العراق.

فقبل أن يلتقي مجاملةً بأمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني ليبلغه امتنان بلاده لصديق وفي للولايات المتحدة بحسب تعبيره رأى الرئيس الأمريكي أمام أفراد قواعده العسكرية المتمركزة هناك أن الحرب العدوانية التي شنتها واشنطن على العراق كانت مبررة بالرغم من عدم العثور على أسلحة الدمار الشامل التي قال إن عملية البحث عنها ستستغرق وقتاً طويلاً، محاولاً من خلال ذلك امتصاص الحملة المقامة من قبل خصومه الديمقراطيين في الداخل على أعتاب حملة انتخابية جديدة، ضده وضد إدارته على خلفية فشلها في تقديم الإثباتات على امتلاك هذه الأسلحة التي كانت ذريعة لشن الحرب.

ولذر المزيد من الرماد في العيون من جهة، وضمن محاولة يائسة لاحتواء تنامي المقاومة الجدية على امتداد العراق المحتل من جهة ثانية، قررت الإدارة الأمريكية ووزارة حربها تعزيز قواتها هناك البالغ تعدادها قرابة 100 ألف جندي، وذلك وسط إدراك هذه الإدارة أن مخططها الهادف إلى تعمد إشاعة الفوضى مع الإبقاء على حالة اللاسلطة رسمياً بات مخططاً مكشوفاً يستنهض على الجانب الآخر أشكالاً متعددة من المقاومة العراقية بشكل منطقي. وتخشى واشنطن أن تتنامى هذه المقاومة قبل أن تستكمل هي مخططاتها في العراق والتي كانت إحدى أهم خطواتها مؤخراً الإيعاز لثامر الغضبان المسؤول العراقي المعين أمريكياً عن صناعة النفط في العراق أن يطلب من السعودية إعادة فتح خط أنابيب لتصدير النفط من العراق إلى البحر الأحمر كان قد أغلق عام 1990 بعد غزو العراق للكويت وفرض العقوبات الدولية عليه. ومن شأن هذا الطلب في ضوء احتلال العراق أمريكياً وإعلان الغضبان عزم وزارة النفط استئناف صادراتها أن يساعد واشنطن في بسط هيمنتها على النفط العراقي وصادراته وتحويلاته وحجم إنتاجه وبالتالي حجم إنتاج منظمة أوبك مثلما يسمح لها باستخدام الخط العراقي السعودي ورقة ضغط على أنقرة وتل أبيب عند الضرورة كبديل عن خط الموصل - حيفا.

إيران: مواجهة مفتوحة مع واشنطن

وبعد انتهاء دور المفهوم الأمريكي المسمى بالاحتواء المتمايز لبغداد وطهران بعد إسقاط الأولى واحتلالها، يستمر التصعيد الأمريكي ضد إيران، ثالوث «محور الشر» بحسب التقسيمات الأمريكية، بذريعة امتلاكها برامج تسلح نووية تعطيها القدرة على تطوير أسلحة نووية دون أن توفر واشنطن أي منبر لتحريض العالم ضد طهران في هذا السياق وهي المجاورة للعراق والمرتبطة بعلاقات استثنائية مع سورية ولبنان وحتى مع روسيا نسبياً والتي تشكل مصدر الدعم لإيران في مواجهة الضغوط الأمريكية المتعلقة بالبرامج النووية الإيرانية. وكان آخر ما صرح به وزير الدفاع الأمريكي في ألمانيا هو سعي واشنطن للحد من أي نفوذ محتمل لإيران في تشكيل مستقبل الحكومة العراقية والعراق ككل بما قد يؤدي بحسب الرؤية الأمريكية المزعومة إلى تشكيل حكومة إسلامية على الطراز الإيراني في بغداد. وتضيف واشنطن في ضغوطها على إيران كذلك محاولتها تعزيز الخلافات الداخلية بين ما يوصف بالتيارين المحافظ والمعتدل في إيران.

غير أن رجع صدى التهديدات الأمريكية جاء من طهران على صيغة تحذيرات متتالية من أن الضغوط الأجنبية سيكون لها رد فعل عكسي وستزيد موقف إيران تشدداً، حيث أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن الضغوط الزائدة ستؤدي إلى إطلاق أيدي الذين لا يؤمنون بالحوار وأنه حتى الذين يؤيدون إجراء محادثات بناءة لن يقبلوا لغة التهديد والقوة، في حين كان رد فعل علي خامنئي مرشد الثورة الايرانية أوضح في ذكرى وفاة الإمام الخميني حين أكد أن واشنطن تريد رأس الجميع في طهران متشددين أو معتدلين وأن تقديم ثلاث تنازلات من أي طرف -والقصد هنا من جانب المعتدلين- سيتبعها المطالبة بأربعة آخرين، محذراً في الوقت نفسه من أي مهادنة مع واشنطن التي لا تفهم هذه اللغة.

■ عبادة بوظو

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.