الذكرى السنوية الأولى للانتفاضة الفلسطينية الثانية إسقاط العلم الأمريكي... إسقاط للإرهاب ورموزه
ستة أيام فصلت بين اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الباسلة / الثانية/ .. وتظاهرة دمشق بعد أن احتشد مئات الطلاب أمام كلية الحقوق في جامعة دمشق رافعين شعار: «درب الألف ميل يبدأ بإحراق علم إسرائيل»... وبشكل عفوي انضم إلى الطلبة آلاف المواطنين بعد أن وجدوا متنفساً لمشاعر الحقد والكراهية على الجرائم الصهيونية، وتألق أبطال الانتفاضة بالتصدي لقوات الاحتلال الغاشمة... وكانت أقدام المتظاهرين تتسابق للدوس على الأعلام الإسرائيلية المحترقة... وهدر الشارع بالهتافات الوطنية والأناشيد الثورية...
ولأن «الإرهاب صهيوني... والسلاح أمريكي».. اندفعت الجموع باتجاه سفارة القتل والإرهاب الدولي حيث غصت الطرقات والأرصفة المحيطة بالسفارة الأمريكية بآلاف المتظاهرين الذين أعلنوا بصوت واحد من دمشق إدانتهم لسياسة الغطرسة والإرهاب الدولي التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية بحق الشعوب قاطبة...
ومع تصاعد الغضب الشعبي، اقتلع الشبان الحجارة من الأرصفة ليطلقوها باتجاه ... سفارة العار والعدوان...
وفي ذلك اليوم، يوم الرابع من تشرين الأول عام (2000) كانت دمشق العاصمة العربية الوحيدة التي أُسقط بها علم الولايات المتحدة الأمريكية من على سطح سفارتها، رغم كل التدابير الأمنية المشددة التي أضيفت بعد إسقاط العلم عام (1998)... حيث استطاع أحد الرفاق الشبان تسلق أسوار السفارة وإسقاط علمها...
وتسجيلاً لهذا الموقف الوطني، تستعيد «قاسيون» ملامح مشهد الشارع السوري في ذاك اليوم... عبر لقاءات مع بعض المشاركين في التظاهرة الكبرى، ومع صاحب شرف إسقاط علم الإرهاب والعدوان... وكانت الانطباعات التالية:
حب الأرض
* مارسيل ـ صيدلانية: مازال الأمل كبيراً بتفعيل حركة الشارع العربي وتحريك الرأي العام العالمي للوقوف بوجه العدوان الصهيوني الإجرامي...
بعد مرور سنة على عودة انتفاضة الشعب الفلسطيني الباسل الثانية.. أقول: أتمنى أن يعود مشهد تظاهرة إسقاط العلم الأمريكي ليعم أرجاء العالم...
عندما أمر من أمام مبنى السفارة الأمريكية، ينتابني شعور متناقض... شعور بالحقد لرؤيتي علم العدوان يرفرف في سمائنا... وشعور بالعز لأن دمشق سبق وأسقطته مرتين...
أنا واحدة ممن شاركوا في تظاهرة العام الماضي أمام كلية الحقوق من أجل إحراق العلم الإسرائيلي... وبشكل عفوي وجدنا أنفسنا أمام السفارة الأمريكية... رأيت الشباب... رأيت حب الأرض... رأيت نفسي بينهم...
العيش بكرامة.. أو الموت بشرف
* بابل ـ مدرّسة: أشعر بالفخر لأنني شاركت يوم 4/10/ 2000 مع المتظاهرين الوطنيين... ويومها شعرت أنني أشارك الشعب الفلسطيني انتفاضته الباسلة... وما زالت صرخة الحقد في داخلي تخنقني طالما أرى ورود الطفولة تهوي برصاص القتل والإرهاب الصهيوني... لا مجال للاستسلام فإما العيش بكرامة أو الموت بشرف...
راية المقاومة لن تنكس
* حسن ـ موظف: كانت لحظات مؤثرة وأحد رفاقنا يتسلق سور السفارة ويفك سارية العلم الأمريكي وينزله بكل ثقة ثم يلوح به ليرميه باتجاه الحناجر التي كانت تنادي ملء صوتها تسقط الإمبريالية الأمريكية.
بعد عام على الانتفاضة تستمر مقاومة الشعب الفلسطيني التي فجرت بلادة العملية السلمية وشروط الاستسلام وحركت الشعوب العربية وكل أنصار الحرية في العالم لتعلن أن العدو واحد وأن الخندق واحد وأن إرادة المقاومة باقية.
آلاف الشبان يقلبون الصورة البائسة بأنهم جيل القيم الاستهلاكية والفيديو كليب والهمبرغر يقلبون الصورة ويخطون الخطوة الأولى على درب الألف ميل فوق بقايا الأعلام الصهيونية المحروقة بثبات وتعاضد وانضباط يليق بالشباب الوطني.
مظاهرة دمشق كانت صرخة الشعب السوري في وجه قلعة الطغيان التي ستحطمها شعوب العالم بعد أن أعلنت الحرب على العالم أجمع.
أقول بكل ثقة: إن راية المقاومة لن تنكس!..
للشارع السوري كلمة!
* فتحية ـ موظفة: أعتبر أن عودة الانتفاضة الثانية إلى الشارع الفلسطيني هي عودة لطفل الحجارة الذي رفع بيديه الحجر الأول... لقد تعملق ذاك الطفل ليصبح ذاك الشاب الذي يحق له أن يصرخ بوجه الشارع العربي وكل شوارع العالم بأن يتحركوا....
وضمن هذا السكون المطبق كان للشارع السوري كلمة، وهي أضعف الإيمان، لمناصرة قضية الشعب الفلسطيني، وإدانة الإرهاب الأمريكي...
أمريكا... هي الخصم
* عبادة بوظو ـ صحفي: إن خروج الشبان السوريين والفلسطينيين بعد ستة أيام فقط من اندلاع انتفاضة الأهل في فلسطين واتجاههم وهم يجرجرون الأعلام الإسرائيلية على الإسفلت نحو السفارة الأمريكية، هو بالدرجة الأولى تعبير عن رغبة كامنة لدى عشرات الآلاف من الشباب للعب دور ما على الساحة الوطنية بعيداً عن استغراقات عصر الاستهلاك، وهو تعبير عن تجذر قضية الصراع العربي الإسرائيلي بنفوس شرائح واسعة من المجتمع السوري، على الرغم من كل الدعايات التطبيعية الاستسلامية التي يجري الترويج لها استناداً إلى سوء الأوضاع المعيشية في المقام الأول...
أما التظاهرة أمام السفارة الأمريكية ذاتها، فهي تعبير عن أن هذه الحشود تعرف خصمها الرئيسي... وهكذا كانت دمشق العاصمة العربية الوحيدة التي أُسقط فيها علم دولة الغطرسة العالمية في غضون عامين متتاليين... ومفهوم هنا أن إنزال العلم ، هو نسف لهذا الرمز، لا لقطعة قماشية رخيصة...
اللافت في الأمر أن مظاهرة الرابع من تشرين أول 2000 خلافاً للاحقاتها، كانت أكثر عفوية وتنظيماً في آن معاً بما يعكس سوية مرتفعة من الوعي السياسي لدى غالبية المشاركين.
إن تدعيمات عام 1998 لم تحم السفارة الأمريكية في عام 2000 وهاهي تواصل تدعيم أبنيتها تحسباً لمتظاهر يتسلق أسوارها لينزل علمها.. وهي تدرك اتساع جبهة المناهضين لسياسات إداراتها في العالم أجمع، ولا سيما مع قرعها لطبول الحرب ضد الشعوب.
أمريكا تصنع الإرهاب ورموزه...
* حفيظة أبو طربوش (أم منال) – موظفة - : كلنا نعلم أن الصهيونية هي الطفل المدلل للإمبريالية الأمريكية، وتقوم بمسلسل القتل اليومي للشعب الفلسطيني... وبالتالي فإن إسقاط العلم الأمريكي يعتبر إسقاطاً لرمز من رموز القتل والإرهاب...
وفي تظاهرة العام الماضي كان طبيعياً أن نصل للسفارة الأمريكية لأنها شريكة في الإجرام بقتل أطفال قانا ومجازر صبرا وشاتيلا، ونعلم جيداً ماذا فعلت بأطفال العراق...
أمريكا تصنع الإرهاب وتصنع رموزه... لتدعي فيما بعد أنها حامية العالم وسيدته!!.. هذه هي أمريكا..
لقد كانت فرحتنا كبيرة بإسقاط العلم الأمريكي.. وأعاد المتظاهرون لنا الثقة بحماسهم الكبير، وصوتهم الهادر.
أتمنى أن تستفيق الشعوب العربية من غفوتها لتمد الانتفاضة بأسباب استمرارها..
مع أطفال الحجارة
* شادي ـ طالب: كان متميزاً بإحراقه للأعلام الأمريكية والإسرائيلية... أثناء التظاهرة... قال:
أمام السفارة الأمريكية وعند إسقاط علمها.. أحسست للحظات بأنني في رام الله أناصر أطفال الحجارة...
أمريكا لا تأخذ كرامة الشعوب بعين الاعتبار أبداً وبالتالي فإن إحراق علمها تعبير عن حقدنا على التسلط الأمريكي الذي يدعم الكيان الصهيوني بكل صلافة...
سقط العلم... وعلا النشيد
* وفي لقاء مع الرفيق موفق إسماعيل (أبو جانتي) عضو اللجنة المنطقية للحزب الشيوعي السوري في دمشق، والذي كان له الشرف في إسقاط العلم الأمريكي من على سطح السفارة الأمريكية بدمشق... سجل لنا الانطباعات التالية:
* بداية أقول: لو لم أقم أنا بإسقاط العلم، لكان هناك آخرون يحققون ذلك.. لأن الموقف من الإمبريالية الأمريكية ليس صدفة ولم يأت من فراغ.. بل هو موقف متجذر في وعي ووجدان الشعب السوري صاحب التقاليد الكفاحية عبر سنوات طويلة من الصراع مع الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية..
منذ مشاركتي في تظاهرة عام 1998 عندما أُسقط العلم الأمريكي لأول مرة في دمشق، كنت أشاهد التحصينات الجديدة للسفارة الأمريكية لمنع وصول المتظاهرين إليها، وأفكر بكيفية إسقاط العلم مرة أخرى رغم كل تلك التحصينات. ولم يخطر ببالي أنني سأقوم أنا بهذا الدور...
إن عودة انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية، ووحشية الصهاينة تجاه الشعب الفلسطيني أججت مشاعر الكراهية والحقد الكامنة في أعماق الشارع العربي عامة والسوري خاصة على الكيان الصهيوني... ومما زاد في تأجيج تلك المشاعر صمت ومناورة معظم الحكام العرب للالتفاف على مصالح الشعب الفلسطيني والتقرب من الكيان الصهيوني... وكان من الطبيعي أن تتوجه تظاهرة دمشق نحو السفارة الأمريكية نتيجة للموقف الأمريكي المؤيد والداعم للعدوان الصهيوني على أطفال الحجارة بشكل سافر... وبالمحصلة فإن العلم الصهيوني والعلم الأمريكي هما علم واحد، لا بد من إسقاطه ودوسه وإحراقه...
إن إسقاط العلم الأمريكي لم يكن ممكناً إلا بفضل مجموع المتظاهرين الذين ولّدوا لدي شحنة عالية من الإصرار والتصميم على الوصول إلى سطح السفارة...
ففي مرحلة الذروة من التظاهرة تبادر في أعماقي سؤال ملح: ما هي أفضل طريقة سياسية للتعبير عن العداء للإمبريالية الأمريكية، وكيف يمكن توجيه ضربة حقيقية لغطرستها دون حجر؟!.. فكان إنزال العلم ضرورياً في تلك اللحظة... هذا العلم الذي تراه السلطات الأمريكية على أنه راية الدولة العظمى وتفرض على شعوب الأرض قاطبة الركوع أمامه... لذلك كان لابد من تنكيس تلك الراية السوداء ودوسها بالحذاء كي لا تتسخ القدم...