عامان على انتفاضة الشعب الفلسطيني الباسل على الاحتلال الإسرائيلي الانتفاضة.. تحاصر الحصار
تدخل انتفاضة الشعب الفلسطيني الباسلة «انتفاضة الأقصى» في الثامن والعشرين من شهر أيلول الجاري عامها الثالث، وهي أكثر تصميماً من أي وقت مضى على متابعة النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وكان يوم 21 ايلول الجاري يوماً مشهوداً في تاريخ الشعب الفلسطيني، إذ هب هبة رجل واحد في مدن الضفة والقطاع، وبمشاركة جميع القوى الوطنية والإسلامية المتراصة احتجاجاً على فرض حظر التجول على المدن الفلسطينية بالقوة وتدمير مقر الرئيس عرفات والإطاحة به من خلال فرض العزلة التامة عليه وإذلاله ومن معه.
الجماهير تندفع الى الشوارع
وكانت القوات الإسرائيلية قد وجهت إنذاراتها لسكان رام الله لفتح نوافذ بيوتهم استعداداًَ لتفجير المقر الرئاسي إلا أن هذا الإنذار قلب الوضع رأساً على عقب، إذ اندفعت الجماهير في المدن والقرى الفلسطينية، المحاصَرة أصلاً، إلى الشوارع ونحو المقر الرئاسي وجرت صدامات عنيفة مع الجيش الإسرائيلي وسقط أربعة شهداء وعشرات الجرحى، وكانت الجماهير تردد هتافات تطالب عرفات بالصمود بقولها «اصمد اصمد ياعرفات» و «وحدة وحدة وطنية».
الوجه الشعبي للانتفاضة
إن المظاهرات الغاضبة أعادت الاعتبار للوجه الشعبي للانتفاضة وأكدت من جديد أن الفلسطينيين لن يقبلوا البتة قيام أي قيادة بديلة تود إسرائيل فرضها، كما أنها حركت الكثير من المواقف العربية والدولية وتلقى الرئيس عرفات مكالمات من القادة العرب والأجانب، وبهذا الشكل أفشل الشعب الفلسطيني المخطط الإسرائيلي لفرض العزلة على القيادة الفلسطينية، وحقق نقيضه. وأثبتت المظاهرات الفلسطينية الحاشدة أن لاخيار أمام الشعب الفلسطيني إلا خيار المقاومة الشاملة حتى دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
الشعب يحاصر الحصار
ففي اليوم الرابع من الحصار هب الشعب الفلسطيني في جميع مدنه وقراه، والخاضعة لحظر التجول، ونزل الى الشوارع رغم أنف الاحتلال بشيبه وشبابه وأطفاله ونسائه ليعلنها بصراحة: أن لااستسلام ولاخضوع لانذارات حكومة المجرم شارون وحماته في البيت الأبيض. وهكذا تحققت مقولة الشاعر الكبير محمود درويش: «حاصر حصارك».. فغدا الشعب هو الذي يحاصر أعداءه.. ورفع أطفال فلسطين أيديهم بإشارة النصر.
لقد أكد الشعب الفلسطيني من جديد أنه هو القائد والقيادة، و صاحب القرار في من يحكمه ومن يمثله، وأنه لن يقبل إلا بتنفيذ شعارات وأهداف الانتفاضة الفلسطينية الباسلة.
أوسلو المشؤوم
وبالعودة الى التاريخ القريب، نلاحظ أن انتفاضة الأقصى اندلعت بعد ثماني سنوات على إجهاض الانتفاضة الأولى إثر التوقيع على اتفاقية أوسلو المشؤومة والاتفاقات الأخرى التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل وتحت الرعاية الأمريكية وبدفع منها.
جاءت اتفاقية أوسلو وبالاً على الشعب الفلسطيني لأنها لم تؤد إلى التقدم خطوة صغيرة واحدة نحو حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين في الشتات إلى وطنهم وديارهم، ولذلك لم يجد الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية والإسلامية إلا الانتفاض من جديد، بعد أن تأكد أن إسرائيل ومن ورائها واشنطن لا تريد أن تنسحب من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. وليست على استعداد لتنفيذ القرارات الدولية، بل ازدادت إمعاناً في احتلال أراض جديدة وأقامت عليها مستوطنات جديدة.
وقد لقيت انتفاضة الأقصى التأييد والترحيب والدعم من الشعوب العربية وقواها الوطنية والتقدمية، وتحولت إلى بقعة مضيئة في سماء العالم العربي الحالك كما رفعت اسم الشعب الفلسطيني عالياُ في دنيا العروبة، والعالم، ودللت على أن هذا الشعب ليس أقل تضحية وبذلاً في سبيل حريته واستقلاله من الشعب الفيتنامي البطل الذي هزم القوات الأمريكية وطردها من بلاده شر طردة.
تصاعد مستوى النضال..
وخلال العامين المنصرمين تصاعد مستوى نضال المقاومة وتعددت أشكاله، من قذف الحجارة على قوات الاحتلال، إلى استخدام السلاح، إلى أعلى أشكال التضحية بالنفس، وهي العمليات الاستشهادية التي يقدم عليها صبايا وشبان في عمر الورد،,كما قال الشاعر: «والجود بالنفس أقصى غاية الجود» وفي اثناء هذا النضال المتواصل الذي لا هوادة فيه مع قوى الاحتلال أخذت خسائر العدو الإسرائيلي تتصاعد حتى بلغت النسبة 3 ـ 1 الأمر الذي عمق أزمة الكيان الصهيوني رغم عدم التكافؤ في الأسلحة والوسائل التي يستخدمها الطرفان، و التي سببت الخراب والدمار في جميع مناحي الحياة، فضلاً عن سقوط عدد كبير جداً من الشهداء والجرحى والمشوهين والمعتقلين في السجون الإسرائيلية والذين يعدون بالآلاف، إضافة الى هدم آلاف البيوت وتدمير البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني.
ومع كل ذلك فإن نضال الشعب الفلسطيني لم يتوقف قط، فالمظاهرات مستمرة والمواجهات مع قوات العدو دائمة، وتسبب له خسائر يومية، وعلى الرغم من توسع الاجتياح الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، و تغلغله في مختلف المناطق، وعلى الرغم من إغلاق الطرق وفرض منع التجول ساعات وساعات، فإن المقاومة استطاعت أن تخترق جميع الاجراءات الأمنية المتخذة ضد الفدائيين الفلسطينيين وتقوم بعمليات استشهادية جديدة، افشلت جميع خططه وأفقدته صوابه، وجعلته أكثر شراسة وعدوانية لإيقاف الانتفاضة إلا أن جهوده ذهبت أدراج الرياح، والدليل على ذلك هو قيام عمليتين استشهاديتين في أم الفحم وفي تل أبيب أسفرتا عن سقوط خسائر بشرية بالعشرات بين قتلى وجرحى.
تحولت الانتفاضة إلى كابوس
لقد تحولت الانتفاضة الفلسطينية إلى كابوس يقض مضجع الإسرائيليين وحكومتهم. فشارون الذي أخذ على عاتقه تحقيق الأمن لهم خلال مئة يوم قد أخفق، وهاهم الإسرائيليون يبحثون عن الأمن بعد عامين من الانتفاضة ولا يجدونه، لافي داخل إسرائيل فقط بل في خارجها أيضاً، حتى صار كل إسرائيلي يخرج للسياحة بحاجة إلى حراس يحمونه من المفاجآت.
سعي إسرائيلي أمريكي محموم لوقف الانتفاضة...
من هنا ندرك لماذا تسعى إسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية لإيقاف الانتفاضة، و لماذا تشترط على السلطة الفلسطينية في أي اقتراح كاذب تقدمه، ولاتريد تنفيذه أن تقوم السلطة إياها بإيقاف العمليات الاستشهادية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومما يدعو للحزن والغضب أمران:
- صمت الحكام العرب صمت القبور حيال الجرائم التي تقترفها الحكومة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني ولا تبذل أي جهد لمنعها.
- قبول السلطة الفلسطينية السجينة أصلاً للضغوط الإسرائيلية والعربية العميلة للولايات المتحدة باستنكار العمليات الاستشهادية وتدعو لإيقافها في المناطق الإسرائيلية بحجة أنها توحد الإسرائيليين خلف شارون وتضعف ـ حسب ادعائهم ـ التأييد لنضال الشعب الفلسطيني من أجل استرداد حقوقه الوطنية المشروعة.
لقد كشفت انتفاضة الأقصى التي ستدخل عامها الثالث أن هناك شعباً أرضه محتلة ويناضل في سبيل استرجاعها، وهو على استعداد للتضحية بالنفس والنفيس من أجل حريته واستقلاله وكرامته، ولولا هذه الانتفاضة، ولولا التضحيات التي بذلها لذهبت حقوقه هباء منثورا، كما أن الانتفاضة صارت شعلة مضيئة تنير الظلام المخيم في سماء العالم العربي حيث يتربع الحكام على عروشهم ويحكمون بلدانهم بقوة الحديد والنار ويمنعون شعوبهم من أي تحرك لتأييد الأشقاء الفلسطينيين في نضالهم الشاق، بل أكثر من ذلك منعوا أي مظاهرات بالقوة وسقط قتلى وجرحى، كل ذلك خوفاً من أن تندار هذه الجماهير المظلومة والمضطهدة وتوجه نيرانها نحو حكامها الظالمين وأخذ زمام الأمور بيديها.
المقاومة هي النهج الوحيد..
لقد غدت المقاومة هي النهج الوحيد لمقارعة الاحتلال واسترداد الحقوق. فالشعب الفلسطيني بالمقاومة والكفاح، حقق انتصارات كثيرة خلال العامين المنصرمين، ونحن على قناعة بأن هذه المقاومة ستستمر في النضال وستتصاعد يوماً بعد يوم حتى تحقيق النصر النهائي وهو الحصول على الاستقلال ورفع العلم الوطني الفلسطيني عالياً في سماء بلاده المطهرة من دنس الصهيونية والإمبريالية والرجعية، وإن هذا الشعب في نضاله الشريف لن يكون وحده، يل سيلقى الدعم من كل الشرفاء في الوطن العربي والعالم أجمع.
وتبقى المقاومة هي القمة!!.