بدائل النفط أداة جديدة للتحريض ضد العرب
يبدو أن "التحريض ضد العرب" الذي كان السلاح المفضل خلال عقد الثمانينيات، وملمحاً ملازماً للحملات الانتخابية الأمريكية بدأ يعود إلى الواجهة مجدداً، لكنه تلفع هذه المرة برداء جديد يختلف عما سبقه. ويمكن التمييز بين مظاهر التحريض ضد العرب السائدة حالياً وتلك التي كانت منتشرة قبل عقود باستحضار أشكاله الفجة السابقة عندما كانت المشاعر المعادية للعرب تستغل لتهميشهم سياسياً وعرقلة مشاركتهم في الحياة العامة الأمريكية.
فقد كان المرشحون يلاحقون بسبب تلقيهم مساهمات مالية عربية، أو ربطهم علاقات مع البنوك أو الشركات العربية. والنتيجة أن المرشحين في الانتخابات الأمريكية كانوا ينأون بأنفسهم عن قضايا الشرق الأوسط متجنبين ما أمكن الظهور بمظهر المؤيد للقضايا العربية. وبالطبع كان الضحايا المباشرون لهذه السياسة المقيتة هم العرب الأمريكيون الذين وجدوا أنفسهم باستمرار أكثر تهميشاً وإقصاء عن الحياة السياسية الأمريكية.
ومع ذلك استماتت الجالية العربية في الدفاع عن حقوقها عبر المشاركة المكثفة في التصويت، وعبر تنظيم نفسها سياسياً والتعاون مع المنصفين من الزعماء السياسيين، لتستطع في نهاية المطاف النفاذ إلى قلب الحياة السياسية الأمريكية. بيد أن ظاهرة التحريض ضد العرب أخذت أشكالاً متنوعة في الآونة الأخيرة من حيث تركيزها على موضوعات بعينها واستغلالها العرب ككبش فداء بدل الخوض في القضايا الجوهرية. ولعل أوضح مثال هو الجدل الذي أثير مؤخراً حول صفقة شركة موانئ دبي من قبل الحزبين الرئيسين في السياسة الأمريكية. فبدلاً من مناقشة الاعتبارات الموضوعية مثل أمن الموانئ وغيرها ركز السياسيون على المشاعر المعادية للعرب لإلغاء الصفقة. وفي النهاية تضررت الولايات المتحدة نفسها بسبب توتر العلاقات مع حلفائها في العالم العربي وترسيخ صورتها السلبية لدى العرب.
وبموازاة ذلك يمكن الإشارة إلى ما يثار حالياً عن التكلفة العالية للطاقة في أمريكا. فمع ارتفاع أسعار النفط ارتفعت أيضاً الأصوات الأمريكية التي تنتقد العرب وتحمِّلهم المسؤولية. وفي أحد الأمثلة الدالة قامت جمعية مزارعي الذرة بولاية ميسوري بتعليق لوحات إعلانية ضخمة تروج لاستخدام "الإيثانول" المستخرج من نبات الذرة، وفي السياق نفسه انضم معلق "نيويورك تايمز" توماس فريدمان إلى الجوقة المنادية بوقف شراء النفط العربي لأن في ذلك حسب رأيه دعم لـ"القاعدة". وليس غريباً أن يلتقط الرئيس بوش اللازمة نفسها كي يعيدها في كل حين على أسماع الأميركيين داعياً إلى "إنهاء الاعتماد على النفط الأجنبي" وهي دعوة لا يعني بها سوى النفط العربي أو السعودي. والمشكلة هنا أن إطلاق الخطابات والأحاديث الرنانة لا يسهم سوى في حرف الانتباه عن الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع أسعار الطاقة في العالم.
فخلافاً لما يروج له من أن العرب هم المسؤولون عن الصعود الصاروخي لأسعار النفط، لا تشكل الصادرات الأمريكية من النفط العربي سوى خمس صادراتها العالمية. كما أن الارتفاع الحالي في الأسعار يرجع إلى الطلب العالمي المتزايد على مصادر الطاقة، لاسيما طلب الاقتصادات الناشئة في الصين وجنوب شرق آسيا. واللافت أنه حتى النقاش الدائر حول الهجرة لم يسلم هو الآخر من إقحام العرب فيه. فقد لجأت بعض جماعات أقصى "اليمين" في السياسة الأمريكية إلى إشهار ورقة "الإرهاب العربي" للدفاع عن مواقفها المؤيدة لإنشاء مراكز للاعتقال وتسريع إجراءات الترحيل، وتشديد المراقبة الحدودية.
وبينما يتعلق الأمر في قضية الهجرة بالعمال غير الشرعيين الذين يدخلون أمريكا بصفة غير قانونية، لم يجد معارضو الهجرة سوى العرب كرمز مخيف لإقناع السياسيين بوجهة نظرهم. تضاف إلى كل ذلك الإجراءات التي اتخذتها وزارة العدل واستهدافها المباشر للعرب والمسلمين في أميركا، فضلاً عن قوانين الكونجرس التي تنتهك الحريات المدنية، وتشوه كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. ولئن كانت الأشكال الجديدة في التحريض على العرب في أمريكا لم تصل بعد إلى درجة التهميش السياسي، إلا أن مؤشرات غير مطمئنة بدأت تبرز في الأفق.