بول صامويلسون بول صامويلسون

وسط أزمة دولارية متصاعدة وتنافس اقتصادي خارجي محتدم: حكومة واشنطن جزء من مشكلة الأمريكيين.. المدمنين على فرط الاستهلاك

الآن وإلى درجة غير مألوفة أصبح الناس في كل أنحاء أمريكاسواء كانوا أغنياء أم فقراء أناسا أشقياء محزونين برغم كل الرفاهية المتاحة لهم. وهناك أسباب عدة وراء هذا التحول وبالطبع فان السبب الرئيسي للقلق يأتي من الإخفاقات الكئيبة في العراق.

ولقد وجد علماء النفس أن سببين مختلفين للقلق عندما يظهران معاً فإنهما يسببان في المحصلة أكثر من ضعف القلق النفسي الذي يتسبب به أي منهم بمفرده. وهذا يساعد في تفسير سبب كل هذا التشاؤم والارتياب حول الاقتصاد الأمريكي لـ 2006 ـ 2007 في هذا الوقت برغم الإعلان عن نمو إجمالي الناتج المحلي خلال الأشهر الستة الماضية بمعدل سنوي قوي بلغ 5 بالمئة.

ومع ذلك فإن استطلاعاً أجرته جامعة متشيغان في شهر مايو الماضي رصد انخفاضاً في ثقة المستهلكين وانخفاضا أكبر في توقعات الناس للازدهار السنة المقبلة. وبالمقابل فان الخبراء العاملين في بنك الاحتياط الفيدرالي لابد أنهم يخبرون رئيس البنك الجديد بيرنانكي الآن أنه مصيب في عدم تيقنه مما إذا كانت 2006 ستكون سنة تضخم أسعار مفرط أم سنة تقتضي انخفاض أسعار العقارات فيها خفض أسعار الفائدة.

وقد بدأ السذج في وول ستريت بالتذمر من دكتور بن بيرنانكي. ويقال انه بعد تعيينه رئيساً للبنك تعهد بأن يقيم صلة أكثر شفافية وصراحة مع الجمهور. لماذا إذن لا يقول لنا ما إذا كان سيتم رفع سعر الفائدة في الاجتماعات المقبلة للجنة السوق المفتوحة؟

أرى أنه منذ الأول من شباط 2006، عندما أصبح بيرنانكي خليفة ألان غرينسبان لم يكن هناك أي شيء غير صريح أو غير شفاف في حكمه المتحفظ الآن حول المستقبل. فلقد قال وبالأسلوب الأمثل ان بنك الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة المستقبلية إذا شهدنا حوادث أمريكية لاحقة فاقمت خطر أوبك وقوى أخرى غيرها تهددنا بمعدلات تضخم متسارعة بوتيرة غير مقبولة.

لكن إذا هدد انخفاض سوق العقارات وعوامل فتور أخرى الولايات المتحدة بتراجع معدلات النمو نقطة أو نقطتين مئويتين، عندها سوف يعدل البنك الفيدرالي عن خيار رفع أسعار الفائدة وسيكون على استعداد لتثبيتها أو خفضها باعتدال.

تبقى أسعار بورصة وول ستريت في حالة تعاف متواضعة. وأرباح الشركات في المتوسط ليست في حالة انخفاض. ولذلك فإن قلق المستثمرين المفرط غير الضروري لا يتعلق بآفاق النمو في الأمد القصير. بل أن مستقبل الدولار والعجوزات التجارية الأمريكية هو ما يخشاه- ويجب أن يخشاه- المستثمرون العاقلون.

وفي الخارج أيضاً ينتشر القلق المتزايد نفسه حول مستقبل أمريكا الآن وقد أصبحت الصين والهند قوتين عملاقتين تنموان بسرعة. والحقيقة أن العجز المالي الهائل في ميزانية بوش - والذي ضخمه الإنفاق بسبب الإرهاب والعراق إضافة إلى «الهدايا الضريبية» المتهورة الممنوحة لنا نحن العائلات الغنية - يشكل بالفعل خطراً يتهدد مستقبل أمريكاعلى المدى البعيد.

وفي الحقيقة فإن الحكومة جزء من مشكلتنا فعلاً. لكنها جزء فقط. فنحن الأمريكيين عموماً أصبحنا نقلُّ كثيراً في الادخار ونفرط كثيراً في الاستهلاك. واستدعى هذا الوضع حاجتنا لاستخدام مدخرات أجنبية من مناطق أفقر لتمويل الزيادة الصافية في رأس المال الأمريكي في 2006. وبالتأكيد فإن قلة الادخار تشكل أساس مديونيتنا الصافية الجامحة.

هل إيثار البلدان الأجنبية وراء استمرارها في إعادة تدوير فوائضها التجارية في السندات والأسهم الأمريكية؟ بالتأكيد لا. فالمصدرون الخاصون إلى الولايات المتحدة، من الصين، الهند، اليابان أو كوريا يستثمرون في الأصول الأمريكية فقط عندما تكون أسعار الفائدة التي ندفعها لهم مرضية.

والواقع أن الحكومات الأجنبية هي التي تستثمر بشكل كبير في سندات الخزينة الأميركية بأسعار فائدة متدنية. وهي تفعل ذلك على أمل أن يؤدي هذا التكتيك إلى صون الزيادة في موازناتها التجارية واستباق ارتفاع في أسعار صرف الين الياباني واليون الكوري واليوان الصيني.

وفي دبلوماسية أمريكاومفاوضاتنا الخارجية نحاول ممارسة الضغط على الصين لتسمح بارتفاع قيمة اليوان مقابل الدولار. ومن شأن هذا أن يساعد قليلاً لأنه يجعل البضائع الأمريكية أكثر منافسة ويبطئ في الوقت ذاته غزو البضائع الصينية لأسواقنا.

وفي الواقع أن الصين وافقت على مضض على أن تدع اليوان يرتفع قليلاً. لكن للأسف أن التجارب التاريخية المشابهة والنظريات الاقتصادية تثير شكوكاً قوية في كفاية أي خفض معتدل منظم لقيمة الدولار لوقف الارتفاع المتواصل في عجوزات ميزان مدفوعاتنا.

لكن لمَ القلق؟ فهذه اللعبة مستمرة منذ زمن بعيد وعلى وجه التحديد منذ 1985. الأشجار لا تنمو إلى أن تطال عنان السماء كما يقال. وفي 2005 بدأت الأصول الأمريكية تعطي مردوداً أقل من الأصول في الخارج.

ولذلك فإن هناك ما يبرر المخاوف من حدوث سباق عشوائي مستقبلي ضد الدولار. وإذا حدث هذا بالفعل ـ لنقل في 2009 مثلاً ـ فسوف يليه على الأرجح حسب دروس التاريخ الاقتصادي، موجة هلع مالية عارمة في أنحاء العالم.

الناطقون باسم البيت الأبيض يقولون لنا ويؤكدون لأصدقائنا في الخارج ان كل شيء على مايرام. الوضع في العراق يتحسن. العجوزات المالية الأمريكية المتسارعة سوف تبدأ بالتباطؤ، لكن قلة قليلة فقط تصدق الآن تصريحات الحكومة الأمريكية حتى بين الناخبين الذين صوتوا لجورج بوش الجمهوري.

وفي المجمل فإن من الطبيعي أن يشعر الأمريكيون الآن بالقلق. وعندما تكون الصحة الاقتصادية لأية أمة آخذة بالتفاقم بشكل واضح لا لبس فيه فإن البدء بالقلق خطوة ضرورية نحو سلوك أفضل.