راشيل كوري

راشيل كوري، لمن لم يسمع بها هي مناضلة أمريكية من أجل السلام، أتت إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة لتدافع عن الفلسطينيين ضد الإبادة الإسرائيلية، وحاولت أن تصد بجسمها جرافة إسرائيلية، وأن تمنعها من هدم أحد البيوت الفلسطينية فدهستها الجرافة بدم بارد، وذلك في منتصف الشهر الحالي (آذار ـ 2003)

طبعاً معروف أن القيادة العسكرية الإسرائيلية لا تضع في اعتبارها أي قيم إنسانية، فهي تفتك في الأراضي الفلسطينية بالكبار والصغار والرضع، وبالشجر والحقول، وبكل شيء حي، أو له صلة بالحياة.

ولكن هذه أمريكية، أي تنتمي إلى الدولة العظمى المعروفة، وإلى ولية النعمة بالنسبة لإسرائيل، إلى التي أقامت إسرائيل، وتقدم لها الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري بسخاء ليس له نظير، فمليارات الدولارات يحرم منها فقراء أمريكا والبرامج الاجتماعية الأمريكية، وتصب في جيوب الإدارة الإسرائيلية.

أيضاً لا تضع القيادة العسكرية الإسرائيلية في حسبانها مثل هذا الاعتبار، فللإدارة الإسرائيلية دالة على الإدارة الأمريكية، تجعلها دون لوم قادرة أن تقتل معارضيها الأمريكيين. أن تقتل أو تسجن، أولاً، الأمريكيين من أصل عربي، أومن  الهنود، أو من أصل أمريكي  ـ لاتيني، فهؤلاء لا حساب لهم (سلالة عبيد). وما يهم إذا قتلت، من الجملة أمريكية بيضاء؟ الذنب ذنبها، لماذا تعارض الإبادة الإسرائيلية؟ يكفي أن تأسف الإدارة الإسرائيلية وينتهي الأمر.

كذلك الخارجية الأمريكية اسفت للحادث وقامت بواجبها «خير قيام»: يجب ألا يؤثر حادث «بسيط». (قتل إنسانة بدم بارد على العلاقة الأمريكية ـ الإسرائيلية).

إن جريمة العسكرية الإسرائيلية هذه، بصرف النظر عن كونها تتناقض مع الحس الإنساني، وتعبر عن مدى الوحشية، كشفت عدة أمور، الأول هو أن درجة التواطؤ بين الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية عالية جداً لدرجة أن الإدارة الإسرائيلية لا تضع أي حساب لقتل مواطن أمريكي، يمكن أن تحاسب عليه، والثاني هو أنها مادامت تقتل المواطن الأمريكي دون خشية ودون تردد، فهي على استعداد لقتل أي مواطن أجنبي أوروبي أو غيره، دون عقاب، أصلاً قتلت من قبل في 1948 الكونت برنادوت، الذي كان وسيط الأمم المتحدة من جهة، وابن أخت ملك السويد، من جهة أخرى، وذهب دمه هدراً. أيضاً قتلت الإدارة الإسرائيلية العديد من قوات الأمم المتحدة دون أن يطرف لها جفن. وهذا كله في ظل الحماية الأمريكية.

والأمر الثالث هو أن الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية، اللتين تصوران أنفسهما حريصتين على مواطنيهما تكذبان، وتسوقان الأكذوبة فقط لمخططاتهما السياسية، فالإدارة الأمريكية لديها مواطنون يناضلون في سبيل السلام، ويأتون إلى فلسطين، أو إلى العراق، ومستعدة هي لقتلهم، إذا لم تقتلهم الإدارة الإسرائيلية، ومثلها الإدارة الإسرائيلية، التي لا تهتم لقتل مواطنيها المدنيين، ولو كان الأمر خلاف ذلك، لحاولت التفاوض وحل القضية، بدلاً من عملية الإبادة التي تقوم بها. أما الأمر الرابع فيتعلق بالفلسطينيين، وبالشعوب الثالثية بشكل عام. العداء للشعوب  هو عداء للذات، فالعداء يجب أن يوجه للإدارات العدوانية. إن قتل المدنيين الإسرائيليين لايؤثر على إدارة شارون أو غيره، وبالعكس يتخذ ذريعة للمزيد من القتل والتدمير. إن قتل المدنيين الإسرائيليين أو غيرهم يمكن أن ينطوي على قتل أناس معادين للإدارات العدوانية، وبذلك يخسر المرء التضامن بين الشعوب لمحاربة العدوان. الدفاع عن النفس ضد الإدارات العدوانية شيء، والتناقض بين الشعوب شيء آخر.

جريمة الإدارة الإسرائيلية بقتل المناضلة راشيل كوري ليست الوحيدة. فقد سبقتها جرائم كثيرة، وستليها أيضاً جرائم كثيرة.

تحية لروح راشيل كوري، وتحية لأرواح الشهداء الفلسطينيين، الذين نتمنى، ألا تذهب دماؤهم هدرا..

 

■ محمد الجندي