محنة الشعب الأفغاني... إلى متى؟
تساؤلات كثيرة تطرح حول الوضع في أفغانستان. ما هي الدوافع الحقيقية للغزو الأمريكي الأطلسي على أفغانستان؟ ولماذا يصرون على البقاء فيها رغم ما يتكبدونه من خسائر بشرية، ورغم تزايد طلبات شعوبهم بإيقاف هذه الحرب وإعادة الجنود إلى أوطانهم؟ وما هو موقف الشعب الأفغاني؟ ومن هو هذا الشعب؟
أوردنا التساؤل الأخير لأن أجهزة المخابرات الغربية عن طريق وسائل إعلامها تسعى على الدوام لمسح الصورة الحقيقية للشعب الأفغاني من ذهن الناس، والتعمد بإظهاره على شكل مجموعات مسلحة بزي خاص في مناطق جرداء ليس فيها أي اثر للحضارة والمدنية من أبنية وشوارع ووسائل نقل ولا حتى من الأشجار.. يتأبطون أسلحتهم بصورة توحي بأن لا هدف لهم سوى القتال.
في الحقيقة أن الشعب الأفغاني شعب عريق بتاريخه وحضارته، فعاصمته كابول مثلاً مدينة عامرة يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين تحوي كل مظاهر الحضارة فيها متحف وطني له مكانة علمية كبيرة وفيها مطار دولي. أما جامعتها فيعود تأسيسها لعام 1932 تحوي /14/ كلية من جميع الاختصاصات كان عدد طلابها في ثمانينات القرن الماضي /9000/ طالب منهم /3500/ طالبة يقوم على تدريسهم /1000/ أستاذ ومحاضر.
تلك بضع كلمات أوردناها للتذكير بشعب عريق أرادوا تشويه حقيقته والإساءة لتاريخه وحضارته ليسوغوا الاعتداء عليه واحتلاله.
كان الهدف الوحيد المعلن للغزو الأمريكي على أفغانستان هو القبض على أسامة بن لادن الذي اتهمته الإدارة الأمريكية بأنه المدبر لأحداث /11/ أيلول. فهل هذا فعلاً السبب؟
(جورج تينيت) مدير وكالة المخابرات الأمريكية بين عامي /1996 ـ 2004/ يقول في كتابه (قلب العاصفة):
«إن الوكالة قدمت خطة لغزو أفغانستان وضعتها على مدى أشهر طويلة قبل أحداث /11/ أيلول».
(غاري شرون) العميل السابق في المخابرات الأمريكية والذي كان يساعد المجموعة المكلفة بالقبض على ابن لادن يقول:
«لم يكن لدي أي شك بأننا كنا قادرين على محاصرة ابن لادن والقبض عليه عندما لجأ إلى تورا بورا عام 2003 ولكن جاءنا الأمر بالتوقف عن ملاحقته».
ونشير إلى أن الإدارة الأمريكية أمرت بعد ذلك بحل المجموعة المكلفة بملاحقة ابن لادن ولم نعد نسمع أي خبر عن ملاحقته. إذن لماذا قاموا بغزو أفغانستان ولماذا يصرون على البقاء فيها؟ يقول رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون: «إن ضمان أمن بريطانيا يتحقق في جبال أفغانستان»..!
ويقول وزير الدفاع البريطاني: «إن القاعدة تدرب عناصرها في أفغانستان لتشن هجمات على الغرب». أما الرئيس أوباما فيقول: «إن عدونا ليس طالبان بل القاعدة التي تتخذ من أفغانستان ملاذاً للتدريب وتعريض أمننا للخطر».
والسؤال هنا هل للقاعدة حالياً وجود في أفغانستان وهل هي فعلاً تشكل خطراً على أمن الغرب؟ من المعروف أن القاعدة هم مجموعة من العرب والمسلمين جندوا (للجهاد) ضد الوجود السوفييتي في أفغانستان وعاد غالبيتهم إلى بلادهم وبقي القليل تحت إمرة ابن لادن.
وتؤكد المصادر الغربية أن القاعدة نقلت مركز نشاطها إلى باكستان بعد الغزو عام 2001 وصرح مدير المخابرات الأمريكية مؤخراً أن ابن لادن موجود في باكستان. وتذكر بعض المصادر الغربية بأنه لا يزال هنالك بضع مئات من القاعدة في أفغانستان. فلو افترضنا وجود هذا العدد وهم يتدربون في أفغانستان فعلى ماذا يتدربون؟
إن أحداث أيلول حصلت بطائرات يقودها طيارون دربوا لفترات طويلة ويمتلكون تقنيات عالية استطاعوا معها تعطيل أجهزة الحماية عن الأبنية المستهدفة. فهل هذا متوفر لدى عناصر القاعدة في أفغانستان وهل لديهم طائرات يتدربون عليها أو هل يملكون مثلاً صواريخ بعيدة المدى تصل قنابلها إلى الولايات المتحدة وأوربا؟ يقول الكاتب (زيبغينو بريجنسكي) في «واشطن بوست» 25/2/2008 ساخراً من الرئيس بوش «إن بوش يخشى بشكل (غرائبي) أن تعبر عناصر القاعدة المحيط الأطلسي وتصل إلى هنا في الولايات المتحدة وتشن حرباً علينا».
إذن ما هي الأهداف الحقيقية لاحتلال أفغانستان؟
هناك ثلاثة أهداف:
1- هدف استراتيجي.. فأفغانستان لها حدود مع طاجاكستان وأوزباكستان وتركمانستان التي كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي، الخصم السابق للغرب تلك الخصومة التي انتقلت إلى روسيا حالياً. ولها حدود مع الصين الخصم المقبل للغرب. كما أن لها حدوداً مع إيران العدو المعلن. وحدود مع باكستان الحليف المعتمد في المنطقة.
2- الوجود بالقرب من بحر قزوين لما يملكه من احيتاطي نفطي كبير.
3- أما الهدف الرئيسي فهو الثروة الطبيعية الكبيرة الموجودة في أفغانستان. وتشمل هذه الثروة النحاس والذهب والحديد عالي الجودة والزمرد والغاز الطبيعي واحتياطي كبير من النفط. وبين تقرير العلماء الجيولوجيين الأمريكيين برئاسة العالم (جاك شرودر) والذي قدم للإدارة الأمريكية عام 1978، أن أفغانستان تملك أكبر مخزون من النحاس الأصفر وثالث أكبر مخزون من الحديد الخام وثالث أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي والنفط في العالم.
ومن هنا تدل المعطيات أن القوات الغازية لن تتمكن من البقاء في أفغانستان للأسباب التالية:
1- تنامي المقاومة ضد الغزاة، حيث صرح وزير الدفاع الأمريكي: «إن العمليات ضد القوات الأمريكية في أفغانستان ازدادت هذا العام بنسبة 60% عما كانت في العام السابق» وطالبان الآن تسيطر على حوالي 80% من البلاد. ومن هنا ازدادت وحشية الاحتلال في ضرب المدنيين، ولعل حادثة منطقة (قندوز) حين ألقت طائرة أمريكية صاروخاً على صهريج وقود كان الناس متجمعين حوله لأكبر دليل على وحشية المحتل، فقد انفجر الصهريج وأدى لمقتل مئة مدني ومئات الجرحى. وهنالك سبب وطني فكما صرح الرئيس السابق برهان الدين رباني للشرق الأوسط «فإن الشعب الأفغاني لا يقبل بوجود الأجنبي مهما كانت طروحاته»
2- تزايد عدد القتلى والجرحى من جنود الاحتلال فقد بلغ عدد القتلى منهم منذ بداية هذا العام حتى 17/10/2009، 417 جندياً منهم 250 أمريكياً وهي نسبة مرتفعه مقارنة مع الأعوام الأولى للغزو.
وكذلك هنالك زيادة في عدد القتلى والمصابين في عملية واحدة، فقد قتل /13/ جندياً أمريكياً خلال 24 ساعة وقتل 6 جنود إيطاليين في عملية واحدة اضطرت رئيس الوزراء أن يصرح «آمل أن نتمكن من سحب جنودنا في أقرب وقت ممكن»
3- تزايد عدد المطالبين بإيقاف الحرب والانسحاب. فيفيد إحصاء للـ(B.B.C) في شهر أيلول أن المعارضين للحرب في أفغانستان في الولايات المتحدة بلغ 60% وكان 54% في شهر حزيران و46% في شهر نيسان.
ما هي آفاق الخروج من هذا المأزق للقوات الغربية؟
الشعب يطالب بالانسحاب السريع، أما القادة العسكريون فيصرون على القتال ويطالبون بزيادة عدد القوات والمخصصات المالية. فقد صرح القائد الأعلى للقوات (ستانلي مكريستال) «إن الفشل والانسحاب يشكل فاجعة». وطلب من الرئيس أوباما مضاعفة القوات إلى 80 ألف جندي. أما القائد البريطاني الجديد (ديفيد ريشاردس) فقال «إن المشهد سيكون مروعاً في حالة هزيمة القوات». القادة السياسيون حائرون ويخشون الشارع إذا أرسلوا مزيداً من القوات، إذ صرح غوردون براون أنه لن يرسل أكثر من 500 جندي إضافي، أما أوباما فكان من المفترض أن يدلي بقراره النهائي يوم 9/9/2009 ولكنه لم يعلن عن أي قرار. وينصحه نائبه (جوزيف بايدين) ألا يرسل أي جندي إضافي وإتباع إستراتيجية الضربات السريعة القوية. ولكن مثل هذه الإستراتيجية جربت وفشلت في (عملية الخنجر) في وادي نهر هلمند في 2/7/2009. ومهما كان قرار أوباما فإن كل المعطيات تشير إلى أن العد العكسي لخروج القوات المحتلة من أفغانستان قد بدأ وسوف تضطر للانسحاب حاملة معها أذيال الهزيمة.