مصر.. حكومة أصحاب التوكيلات التجارية
إنس أو تناس تلك العبارة التي شكلت بنداً من بنود ثورة 23 يوليو 1952 وأحد أهدافها كانت إنهاء سيطرة رأس المال علي الحكم. ففي صحف مصر طبل وزمر لرجال الأعمال الذين كانوا اثنين في مجلس نظيف الوزاري الأول، فأصبحوا الآن ستة في «وش العدو» في مجلس وزراء «نظيف» الثاني.
وانس أو تناس أن سعد زغلول شكل وزارته بتوكيل من الشعب المصري. وأن بعض الوزراء الحاليين دخلوا الوزارة بتوكيلات أجنبية. وأنا لست مريضاً بعداوة رجال الأعمال. ولا أعتقد أن نمط الحياة الذي كان سائداً في زمن عبد الناصر يصلح لهذه الأيام. ولكن مشكلة رجال الأعمال وتوليهم مناصب وزارية لي عليها تحفظات وأسئلة:
سؤالي الأول: كيف سيتفرغ الوزير الجديد للوزارة ولديه شركات كثيرة؟
السؤال الثاني: كيف سيفصل بين عمل وزارته وعمله الخاص؟
محمد منصور صاحب ورئيس الشركات الآتية: مترو لمحلات السوبر ماركت. توكيل شيفرولية. وتوكيل جنرال موتورز في مصر. توكيل مارلبورو، توكيل ماكدونالد في مصر. لا يقول لي إنسان أنه لا يدير هذه الأعمال إنما يكتفي بالبحث عن الشاطرين ليديروها نيابة عنه. قال لي إنسان قريب من المجلس المصري الأمريكي، أن منصور لم يكن يعلم بتعيينه وزيراً قبل ثلاثة أيام، وأن تعيينه جاء ترضية لأمريكا في مقابل حبس أيمن نور. سألته كيف تمت الصفقة؟ قال لي لا أعرف، ولكن لا تنس أن منصور صديق شخصي لـ «ديك تشيني»!. وعلاوة على كل ما ذكرته من التوكيلات، فالرجل له علاقة بدنيا البترول، ويمكن من خلال مصالحه مع ديك تشيني أن يخفف كثيراً من ضغوط أمريكا على مصر، مما يؤكد اهتمامه بتفاصيل التفاصيل في شركاته الخاصة. هذه الواقعة حدثت قبل تشكيل الوزارة بأسبوع، ذهب صديق لي، وهو صديق لمنصور، لشراء سيارة شيفروليه لابنته، وكان يريد بعض التسهيلات.. تقسيط بدون فوائد، لأن الفوائد تصل إلى مثل ثمن العربة، نصحوه في الشركة بالذهاب إلى منصور بيه، وبالصدفة كانت هناك معرفة قديمة، ذهب إليه وهو الذي أشر على الطلب أن يدفع المشتري نصف ثمن السيارة، والنصف الثاني أقساطاً شهرية علي سنة دون فائدة. وبالمناسبة فإن هذا الصديق ليس صحفيا، بل هو أحد العاملين في مجال تجارة وإصلاح السيارات، وهو قادر على دفع ثمن السيارة فوراً، ولكن العملية جزء من ألاعيب السوق. كيف تحصل على سيارة جديدة وتدفع أقل مبلغ. لأن الباقي قد يكون مطلوباً من أجل تصريف أمور أخرى، أو تدويره في الأسواق.
واقعة أخرى خاصة بمنصور.. في العام الماضي ذهب صحفي همام إلى مكتبه الخاص بمجموعة محلات ماكدونالد. قال للسكرتارية إن الإدارة الدولية لماكدونالد قررت التبرع بمرتب يوم السبت من كل أسبوع لإسرائيل، فماذا أنتم فاعلون؟!
اهتموا به، أجلسوه في مكتب خاص. كان منصور بيه خارج مصر. رتبت له مديرة مكتبه اتصالاً دولياً على شكل مؤتمر هي ومنصور بيه والصحفي، وقال منصور للصحفي إنه ليس أقل وطنية منه. وأنه قومي عربي. وأن فلسطين في حبة قلبه، وإن كانت الشركة العالمية قررت التبرع بأجر يوم السبت لإسرائيل. فإنه سيتبرع بأجر يوم الجمعة أو ما يماثله لفلسطين والعراق. خرج الصحفي طائراً إلى جريدته ونشر هذا الكلام، وإن كان قد عرف بعد ذلك أن الذي جري عكس ما سمعه. لأن ماكدونالد المصرية تبرعت بيوم السبت لإسرائيل وليس لفلسطين ولا ذكر للعراق. عاد الصحفي ليكتب الحقيقة. عاود أحد مكاتب منصور بيه الاتصال به، حددوا له موعداً. وفي الموعد عرضوا عليه إصدار مجلة لمجموعة شركات منصور بدلا من وجع الدماغ الذي يستهلك نفسه فيه!!
أقسم بالله أن هذا الكلام هو الذي حدث وأنني لم أقصد من ورائه سوى أن أقول أن سيادته مشغول لشوشته في مجموعة شركاته. فكيف سيجد الوقت الكافي لمتابعة أعمال وزارته وهي من الوزارات المهمة، لأنها تتولى نقل كل مصري فقير طبعاً من وإلى أي مكان آخر وبأجر يقدر عليه. وبالحد الأدنى من الأمان.
قصة أخرى تقول إن منصور كان واحداً من وزيرين عليهما ديون للبنوك تتعدى حافة الخطر، على الرغم من أن أصدقاء منصور كانوا يرددون أنه لم يضع قدمه في بنك، وأنه مكتف اكتفاء ذاتياً. لكن قصة الديون تقول أنه جرى تأجيل التعديل الوزاري 48 ساعة، حتى تم تسديد بعض أموال البنوك. بل هناك من يقول أن منصور كانت لديه خطة لخصخصة النقل العام. وقد قدمت إلى الوزير السابق عصام شرف الذي رفضها. أي رفض حتى مناقشتها، فكان مصيره الخروج من الوزارة. لكن هل سيجد منصور بيه الوقت الكافي لركوب مترو الأنفاق أو الذهاب إلى ورش السكة الحديد أو متابعة قطارات الدرجة الثالثة التي كانت هناك نية لإلغائها في زمن الوزير السابق ورفض ذلك. رغم أنه لا يمت لليسار بصلة، وليس ناصرياً، لكن عصام شرف كان يعرف الفقراء بالفطرة. صديق لمنصور قال لي إن كل علاقته بالنقل أنه ينتج سيارات نقل، يعلن عنها ببذخ. حيث أن سيارة شيفروليه المسماة بالدبابة، يعلن عنها بمبالغ تصل إلى الملايين كل عام. أما أكثر من هذا فلا يعرف الكثير عن هموم نقل وانتقال المصريين من مكان إلى آخر. ألم يكن من الأفضل أن يترك الوزير أعماله الخاصة قبل أن يصبح وزيرا، وأن يتعهد بالفصل بين العمل الخاص والوزارة الجديدة، خاصة بسبب التداخل الشديد بينهما.
أول بركات الوزارة أن منصور كشريك تمكن من شراء البنك المصري الأمريكي الذي بيع ضمن سياسة خصخصة البنوك المشتركة، كمقدمة لخصخصة بعض البنوك الوطنية، والتفاصيل لم أعرفها بعد. ومن مزايا مصر أنه لا أسرار، وكل ما يحدث نعرفه ولو بعد حين.
■ بقلم : يوسف القعيد