الغدر في الزمن الرديء..

شهد لبنان في الأيام القليلة الماضية جملة من التطورات الخطيرة لعل أهمها الهجمة المتصاعدة للنائب وليد جنبلاط  على المقاومة، هذه الهجمة المدعومة من عدد من القوى والشخصيات اللبنانية وغير اللبنانية والتي بلغت أوجها مؤخراً، حين نعت جنبلاط سلاح المقاومة بأنه سلاح غدر.

 رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي واصل حملته على حزب الله ووصف سلاح المقاومة الإسلامية بأنه سلاح غدر والمقاتلين الفلسطينيين بأنهم مجرمون. كما اتهم جنبلاط حزب الله بإفقار الشعب اللبناني وتجويعه من خلال تعطيل مؤتمر بيروت واحد، وشكك بولائه للبنان. وأضاف "نذكر الذين يملكون السلاح ولا يملكون سوى السلاح والغدر والسيارات المفخخة والمزايدة والولاء لغير الوطن، أن جمهور 14 آذار أقوى بكثير من هذه الطغمة وهو أقوى من السلاح الذي يملكونه، سلاح الغدر وأقوى من السلاح الذي يدّعون انه للتحرير وأقوى من العصابات التي تتمركز هنا وهناك في حارة الناعمة وغيرها من المغاور.

هذا الموقف الذي يعد الأخطر في مواقف جنبلاط منذ اغتيال الحريري يأتي في ظل الضغط المتزايد الذي يستهدف كل القوى الممانعة للمشروع الأمريكي في المنطقة، وخاصة سورية ولبنان. ولم ينتظر حزب الله كثيراً فأصدر بياناً رداً على تصريحات النائب جنبلاط جاء فيه:

«إن وصف النائب وليد جنبلاط لسلاح المقاومة بسلاح الغدر هو أخطر ما قاله جنبلاط حتى الآن في حفلة جنونه القائمة منذ أسابيع، وهذا الوصف الغادر قد تجاوز كل الخطوط الحمراء وكل الضوابط والقيم والمصالح والموازين».

وقال بيان حزب الله: «إننا اليوم نحتكم إلى ضمير الشعب اللبناني وإلى شعوب أمتنا العربية والإسلامية لتحكم بيننا وبين من ظلمنا واجترأ علينا ونقول للبنانيين: استعرضوا تاريخكم المعاصر كله: أيهما سلاح الغدر؟ سلاح المقاومة أم سلاح جنبلاط؟ وختم حزب الله بيانه بالقول: إن ردنا في هذه العجالة هو جملة مختصرة: أيها اللبنانيون لو تجسد الغدر رجلاً في هذا الزمن الرديء لكان اسمه وليد جنبلاط.

كما أصدرت حركة أمل في هذا الصدد بياناً جاء فيه:

في محاولتنا لخفض سقف التوتر وإفشالا للتصريحات المتدحرجة من أعلى لجر الوطن نحو الفتنة، كنا آلينا على أنفسنا في حركة أمل كظم الغيظ والتمهل علّ الرشد يعود لمن يظن انه عاد إلى عهد المتصرفية ولكن إزاء التمادي المتواصل على المقاومة ورموزها ودورها ومواقعنا السياسية وعلى التاريخ والجغرافيا فإننا نؤكد:

أولاً: إن آخر من يحق له الكلام عن الولاء الوطني هو الذي كما يعلم الجميع آخر من تعرف على العلم اللبناني.

ثانيا: أن من نصب نفسه قيماً على الحكومة وهو ليس رئيس وزرائها، كيف يسمح لنفسه بوضع شروط أو ضوابط لعملها؟ وكيف يحق له أن يطالب وزراء حركة أمل وحزب الله بالخضوع لامتحان قبل العودة إلى الحكومة وهو صاحب الدور الأساس في إفشال كل اتفاق ووفاق حول هذا الأمر.

ثالثا: ان من يقف ضد الحوار الداخلي أو الخارجي لمصلحة لبنان هو الذي يجمد البلد ووضعه الاقتصادي وتأخير كل مؤتمر داعم للبنان وليس الذي ينادي بالتوافق والتشاور.

رابعا: إننا أخيرا وليس آخرا لا نميز بين جمهورنا وجمهور 14 آذار ولم نمارس يوماً سياسة التمييز، وكنا ولا نزال نطالب ونسعى لجمع شباب لبنان سواء الذين احتشدوا في 8 آذار و 14 آذار ليكونا قوة وحدة من أجل لبنان. عاش لبنان ولنتركه يعيش وليتقوا الله.

ويشكل هذا التطور في الساحة اللبنانية انعطافاً حاسماً في فرز المواقف وتحديد الخيارات الحقيقية والواضحة لكل القوى والشخصيات، خصوصاً وأن المعارك الوطنية الأساسية قد عادت فعلياً إلى الشارع اللبناني بعد أن غرقت لفترة طويلة في النزاعات الهامشية.

في هذا الإطار، وبينما كان طلاب لبنانيون يعتصمون ضد الوصاية والتدخل الأمريكي في الشؤون اللبنانية، ويرفعون اللافتات المنددة بهذا التدخل، انهمرت الهراوات والقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه عليهم من القوى الأمنية المتمركزة أمام السراي الحكومي في بيروت، ووقع في صفوفهم الكثير من الإصابات البليغة.

 وكانت الحملة الشبابية اللبنانية لرفض الوصاية الأمريكية قد دعت إلى اعتصام حاشد في الساحة المقابلة للسراي الحكومي احتجاجاً على زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد وولش، التظاهرة الرمزية السلمية والهادئة والتي تمثل بشكل رمزي عدداً من القوى الوطنية اللبنانية، من بينها حزب الله وحركة أمل والحزبان الشيوعي والسوري القومي، وحركة الشعب وغيرها.. لم يحمل فيها الشباب سوى الأعلام اللبنانية والشعارات المناهضة للتدخل الأمريكي في شؤون لبنان.

ودون سابق إنذار كانت الضربة الأولى من القوى الأمنية، حيث قام رجال الأمن بدفع المتظاهرين بغية تفريقهم مع اقتراب وصول وولش إلى السراي، فما كان من المتظاهرين إلا أنهم ثبتوا على موقفهم وأصروا على الاعتصام، لتستتبع قوى الأمن حملة الضرب بالعصي، بوابل من القنابل المسيلة للدموع التي حصدت حالات جماعية من الإغماء وحالات الاختناق التي لم يسلم منها المصورون الصحفيون أيضاً.

مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية ديفيد والش زار السراي الحكومي، والتقى الرئيس فؤاد السنيورة وقال في مؤتمر صحافي بعد اللقاء ردا على سؤال عن التدخل الأمريكي بالشؤون اللبنانية: إن الولايات المتحدة إن تدخلت فهي تتدخل لمصلحة لبنان!!. ونفى المسؤول الأمريكي أية تسوية أمريكية مع سورية بما يتعلق بالتحقيق الدولي في اغتيال الرئيس الحريري.

وكان مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية أجرى محادثات مع عدد من القيادات اللبنانية. وكانت أولى محطاته في بكركي حيث التقى البطريرك الماروني نصر الله صفير لحوالي 40 دقيقة.

كما التقى النائب العماد ميشال عون، ودام اللقاء أكثر من ساعة ولم يشأ ولش على أثره الإدلاء بأي تصريح.

السؤال هو: ما الرابط زمنياً بين استعراض العضلات الأمني وزيارة مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية القادم إلى بيروت بتوقيت داخلي على قدر كبير من الحساسية والخطورة؟

وهل صحيح ما أكدته مصادر متقاطعة أن المبعوث الأمريكي رفض المجيء إلى السراي الحكومي قبل تفريق الطلاب المعتصمين؟

 

هل هذا شكل النظام الأمني الجديد الموعود إزاء تعبير حضاري سلمي لمجموعة من الطلاب رفضاً للوصاية الأمريكية؟