نزعة الهيمنة النفطية الأمريكية من منظور اقتصادي
بدأ اصطلاح بيك أويل Peak Oil (نفط الذروة) يثير قلق الكثيرين في عالم النفط، وهذا الاصطلاح يشير إلى النقطة التي يبدأ فيها إنتاج النفط بالتوقف عن الزيادة ويتحول إلى حالة انخفاض محتمة على الأمد الطويل. وبما أن الطلب على النفط يزداد بشكل مستمر ومتصاعد جداً فإن النتيجة التي تظهر عند ذلك هي ارتفاع حاد بأسعار النفط. وحتى لو انخفض الازدياد في إنتاج النفط أو استوى عند درجة معينة، فإن التحكم في تزويد وتصدير النفط في العالم سوف يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ربما بدرجة أقل تسارعاً وحدّة لكن الطلب المتزايد عليه سيدفع إلى هذا الارتفاع.
ومع هذه الاحتمالات ومضاعفاتها لم تتوجه نحو التخطيط لخفض استخدام النفط في العالم إلا دول قليلة محدودة. وعلى الرغم من أن انخفاض مستوى استمرار إنتاج وتدفق النفط في هذه الأرض أصبح مسألة واقعية ومتوقعة، إلا أن دولاً كثيرة ماتزال تعتمد على إمكانية استهلاك النفط مهما بلغ ارتفاع أسعاره في عشرات السنوات المقبلة.
عشوائية التوسع الصناعي
المعتمد على النفط
وهذه الدول تستمر في بناء وإنشاء المصانع الضخمة لإنتاج السيارات والآليات التي تعمل على النفط والطرق والشوارع الواسعة من حول المدن وأماكن توقف السيارات والأحياء البعيدة التي يمكن الوصول إليها بواسطة هذه الآليات وكأن النفط الرخيص سوف يبقى للأبد. وفي مجال النقل الجوي ماتزال الدول المنتجة لطائرات السفر والنقل تقوم بتطوير طائرات جديدة لأنها تتوقع توسع مجالات السفر الجوي وازدياد الرحلات الجوية من دون أي حدود. وفي عالم يمكن أن ينخفض إنتاج ووجود النفط فيه لن تستطيع أي دولة استخدام المزيد من النفط وبشكل مستمر إلا على حساب الآخرين.
لكن مثل هذه الحالة لانخفاض إنتاج النفط لا بد أن تحمل تأثيرها على عدد من القطاعات في الاقتصاد العالمي (الرأسمالي) بشكل يفوق تأثيرها على قطاعات أخرى لأنها ستعتمد على المزيد من استهلاك النفط بكل بساطة. ومن بين هذه القطاعات التي ستتأثر بشكل سلبي واسع من انخفاض إنتاج النفط قطاع الحافلات والسيارات والآليات، وكذلك قطاع صناعة طائرات السفر وملحقاتها من صناعة الأغذية والأطعمة التي تقدمها الطائرات. ولا شك أن المدن والأحياء والضواحي ستتأثر هي أيضاً حين يبدأ الانحسار في استهلاك النفط. وفي الصناعات الأميركية للسيارات والآليات ستتحول مظاهر التوتر إلى مظاهر أكثر بروزاً مما كانت عليه عندما ارتفعت أسعار النفط في منتصف عام 2004. وبدأنا نشهد الآن أن شركة (جنرال موتورز) و(شركة فورد) اللتين تنتجان أكبر كمية من السيارات والآليات في الأسواق لم تعد وكالة (ستاندرد) و(بور) تمنحهما درجة الثقة والمصداقية نفسها في تطورهما المستقبلي لأنهما ستضطران إلى تخفيض قيمة الأسهم. وعلى الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط يثير اضطراباً في صناعات السيارات وهذا ما يظهر في عناوين عريضة في عالم الاقتصاد، إلا أن الصناعات الأخرى المرتبطة بصناعة السيارات ستلحق بها تأثيرات كبيرة أيضاً ومن بين ذلك صناعة قطع التبديل والإطارات.
النتائج المدمرة لانخفاض إنتاج النفط
وكانت نشرة يطلق عليها اسم «الحياة بعد انتهاء النفط» قد ذكرت في أيار الفائت أن تأثير انخفاض بسيط في إنتاج النفط من الممكن أن يحمل معه نتائج مدمرة. ففي فترات الهزات التي تعرض لها إنتاج النفط وأسواقه في السبعينات (حظر النفط العربي في 1973) انخفض الإنتاج بنسبة 5% في إحدى الفترات فتسبب ذلك بارتفاع أسعار النفط بأربعة أضعاف. وقبل سنوات قليلة انخفض إنتاج الغاز الطبيعي في كاليفورنيا بنسبة 5% فتسبب ذلك بزيادة السعر بـ400% ومن حسن الحظ أن هذه الهزات الكبيرة في الأسعار ظلت لفترة مؤقتة. لكن الهزات المحتملة والمقبلة في إنتاج النفط وأسعاره لن تستمر في المستقبل لوقت قصير ومحدود، بل ستمثل حالة جديدة ودائمة. وحين يبدأ انخفاض احتياطي النفط في العالم فسوف ينخفض إنتاجه بنسبة 3% تقريباً في كل سنة وهذا التقدير توصلت إليه مصادر متعددة من بينها ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي نفسه. ففي عام 1999 ألقى تشيني ولم يكن نائباً للرئيس في ذلك الوقت بل مديراً أعلى لشركة (هاليبيرتون) النفطية الضخمة خطاباً قال فيه: «إن البعض يقدر أن معدلاً سنوياً من 2% في زيادة الطلب على النفط سنشهده في السنوات المقبلة وأن معدلاً سنوياً من 3% في انخفاض احتياطي النفط سيترافق مع هذه الزيادة. وهذا يعني أننا سنحتاج في عام 2010 إلى طلب 50 مليون برميل يومياً». والتقييم الذي يعرضه تشيني هنا تؤيده مصادر متعددة غير منحازة سياسياً وعلماء لا علاقة لهم بالسياسة يرون أن انخفاضاً في إنتاج النفط تقابله زيادة متسارعة في الطلب هو ما سيشهده العالم في العقود القليلة المقبلة. ويرى المختصون في علم النفط ومستقبله أن عام 2005 كان آخر سنوات النفط الذي يباع بسعر معقول نسبياً لأن السنوات المقبلة بعد عام 2006 ستشهد ازدياداً في أسعار النفط.
وتقول المصادر الأميركية الرسمية إن قطعة طعام في الولايات المتحدة تنتقل عبر مسافة في مختلف المراحل تبلغ 1500 ميل لكي تصل إلى الصحن الذي يتناول منه الأميركي طعامه.