الإفلاس السعودي يفرض تقشفات: داخلية وخارجية

الإفلاس السعودي يفرض تقشفات: داخلية وخارجية

تدرك السعودية ضرورة الاتجاه إلى تنويع مواردها الاقتصادية في المرحلة القادمة، لتعويض الخسائر التي تلقتها نتيجة لحرب أسعار النفط منذ حزيران/2016، إضافة إلى تكاليف حرب اليمن. لكن طبيعة المنظومة الاقتصادية السعودية، المبنية أساساً على إيرادات النفط، تعني ضرورة إحداث تغيرات بنيوية كبرى لتنويع الموارد، في سبيل تفادي مخاطر الإفلاس، وما قد يتبعه من تغيرات سياسية واجتماعية.

 

لأول مرة في تاريخها، تطرح السعودية «أدوات الدين» المتضمنة سندات وصكوك للبيع. وبحسب وكالة الأنباء السعودية «واس»، أنجزت وزارة المالية إنشاء برنامج دولي لإصدار أدوات الدين، وقامت بتعيين عدد من البنوك الاستثمارية العالمية والمحلية لتنسيق سلسلة من الاجتماعات مع مستثمري أدوات الدين. 

بيع السندات والصكوك

يقدر المجموع الإجمالي للطرح الأول 17.5 مليار دولار، بينما وصل المجموع الكلي لطلبات الاكتتاب في السندات، 67 مليار دولار. ويذكر أن الديون المباشرة على الحكومة، بحسب وزارة المالية، بلغت في نهاية شهر آب الماضي نحو 72 مليار دولار، 10 مليارات منها ديون خارجية.

هذه الأموال المكتسبة من بيع السندات المطروحة ليست للاستثمار في البنية التحتية أو المشاريع العملاقة، وإنما لسد النقص الحاد في الموارد المالية، والتي لا تقتصر على مسألة أسعار النفط، وتكاليف الحرب اليمنية فحسب، بل تعدتها إلى نتائج سببتها سياسات التقشف المتصاعدة في المملكة. وعلى سبيل المثال، فإن قرار منع العلاوات والامتيازات والبدلات وبعض المخصصات، للمسؤولين ذوي المراتب العليا، كالوزراء ومن في مرتبتهم، وأعضاء مجلس الشورى، إضافة إلى تقديم استقالات موظفين كبار من «أرامكو» و«سابك»، أدى في نهاية المطاف إلى اختزال آلاف التعاملات المصرفية، وبالتالي إحداث أزمة في القطاع المصرفي الذي يعاني أصلاً نقصاً في السيولة.

«التقشف» خارجياً

يعتبر المال السعودي أحد الأدوات التقليدية في إيجاد نوافذ على الإقليم، لكن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالمملكة، إلى جانب التغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة، تعني إعادة النظر جدياً في هذه الأداة من قبل الجانب السعودي. لكن في الأحوال جميعها، فإن الإبقاء على دعم دول الإقليم بالطريقة السابقة يعني تكاليف ثقيلة على الداخل السعودي، وإذا تم تقنين الدعم، فهذا يعني خسارة جزء من القدرة السعودية على التحكم  ببعض المسائل السياسية العالقة في المنطقة.

مصر أول من تلقى تبعات الأزمة الاقتصادية السعودية، بتخفيض ضمني وغير معلن للمساعدات الخليجية، والتي تراوحت بحسب الإحصاءات بين 23 و30 مليار دولار منذ تموز 2013، فكانت آخر دفعة هذا العام هي الأقل زخماً بواقع 2 مليار دولار، بالإضافة إلى واقعة صفقة «أرامكو» النفطية لمصر، والتي تم إيقافها الشهر الماضي، ولم يظهر حتى الآن موقف الشركة السعودية من إمدادات شهر تشرين ثاني القادم.

وفي السياق ذاته، تناقلت صحف عربية أنباء أوردتها إحدى الصحف الصهيونية، حول وقف الدعم المالي السعودي للسلطة الفلسطينية. فيما ظهرت أزمات «تيار المستقبل» اللبناني المالية متزامنة مع أزمة الاقتصاد السعودي، وعلى رأسها أزمة شركة «سعودي أوجيه»، المملوكة من سعد الحريري، والتي تعاني من مشاكل مالية وإدارية، بعد تطبيق السياسات التقشفية السعودية عليها، لكن تحاول المملكة حتى الآن حماية الشركة من الإفلاس، عبر برنامج دعم الشركات المتعثرة، وهو أقصى ما تستطيع المملكة فعله في هذه المرحلة..!