تمزيق وتدمير الوطن

ولي وطن آليت ألا أبيعه

ولا أرى غيري له الدهر مالكاً

لقد دأبت الرأسمالية المستبدة التابعة منذ سنوات على تطبيق سياسة التكفير والهجرة تجاه الشعب المصري بملايينه المتنوعة:

أولا ـ التكفير بالوطن

عندما يعجز الإنسان على أن يجد سكن مناسب يأوي أليه ولا يجد أمامه غير العشوائيات العديمة المرافق والخدمات لا بد أن يكفر بالوطن ، وعندما لا يجد معه أجرة الميكروباص ويموت تحت عجلات السيارات الفارهة في سباقات الجنون لا بد أن يكفر بالوطن، وعندما يجتهد في دراسته لينهى تعليمه ولا يجد وظيفة ويجلس بلا عمل لا بد أن يكفر بالوطن ، وعندما يجتهد ليحصل على وظيفة ولكن الواسطة والفساد والمحسوبية تقف في طريقه لا بد أن يكفر بالوطن بل وينهى حياته كما فعل عبد الحميد شتا المتفوق المصري الغير لائق اجتماعياً.

عندما يجتهد الإنسان ويعمل في أكثر من وظيفة ولا يكفى دخله لاحتياجات أسرته لا بد أن يكفر بالوطن ، وعندما يجد الأسعار نار ويرى الحسرة والحاجة في عيون أطفاله دون أن يستطيع تلبية احتياجاتهم لا بد أن يكفر بالوطن ، وعندما يذهب أبنائه للمدارس فيحشرون في فصول غير مجهزة ويتلقون مواد جامدة ويلقنهم معلم غير كفئ ويجبرون على أخذ دروس خصوصية تلتهم مليارات الجنيهات من دخل الأسرة المصرية لا بد أن يكفر بالوطن ، وحين يصاب بمرض ويعجز على أن يجد العلاج ويموت أحبائه أمام عينيه دون أن يستطيع إنقاذهم لا بد أن يكفر بالوطن ، وعندما يتعامل مع الجهات الحكومية ويواجه الفساد والرشوة والمحسوبية لا بد أن يكفر بالوطن، وعندما يعاني من اضطهاد الشرطة وتعسفها بلا مبرر لا بد أن يكفر بالوطن.

هكذا نجحت الرأسمالية الفاسدة التابعة في تكفير المصريين في عشيتهم وتحويل حياتنا إلى جحيم .

في بلد لا يحكم فيه القانون ...يمشى فيه الناس إلى السجن ...بمحض الصدفة ...لا يوجد مستقبل ..زفي بلد تتعري فيه المرأة كي تأكل ... لا يوجد مستقبل..

ثانياً ـ الهجرة من الوطن

عندما تصبح الهجرة من الوطن فرض وليست اختيار يفقد الإنسان انتمائه للوطن ، عندما يجبر على أن يقضى أفضل سنوات حياته من أجل توفير شقة للأسرة أو سيارة أو تأمين تعليم الأبناء يفقد الوطن معناه، عندما يواجه الاضطهاد والفساد ويجد أنه لا مكان للشرفاء وان المستقبل مفتوح للفاسدين والمرتشين والطبالين والزمارين تصبح الهجرة هي الحل ، وعندما يعجز عن توصيل صوته للمسئولين أو يتجاهله المسئولين يضطر لترك الوطن والبحث عن وطن آخر ، وعندما تصبح الاعتقالات العشوائية والتعذيب سمة مميزة لعصور الحكم الرأسمالي التابع تصبح الهجرة لا مفر منها ، وعندما يغيب المشروع القومي وتعلو العصبيات القبلية والنعرات الطائفية وتعلو القيم المادية تصبح الهجرة ملاذ الضعفاء.

هكذا نجحوا في تهجير ملايين المصريين لتكتمل حلقات مخطط إفراغ الوطن من أصحابه الحقيقيين.

النخبة ومعارك الدفاع عن الوطن

تتفجر عشرات المشاكل والقضايا التي تحتاج لتصدي الطلائع السياسية لمواجهتها بينما جموع المصريين مهمومين ومنصرفين بالكامل عن الحياة السياسية وقضايا التوريث والتفعيص لأن وراءهم مشاكل يواجهها كل منهم بمفرده ولا يجد في الآخر سوى منافس أو عدو ، والكل يلهث في سباق محموم لا ينتهي. 

إن لدينا عشرات الجبهات المدافعة عن الإصلاح السياسي والقضايا السياسية الكبرى مثل لجان المقاطعة والتطبيع المتنوعة ، وهناك قضايا تقع خارج دائرة الاهتمام السياسي للنخبة مثل الغلاء والبطالة والخصخصة وإن كانت هناك بعد التحركات البسيطة التي بدأت خلال الأسابيع الأخيرة للتصدي لهذه المشكلات خاصة البطالة والخصخصة وكانت قد سبقتها حركات للدفاع عن الكادحين في المحلة والعريش وهى مبادرات هامة لم تكتمل. بينما توجد قضايا أخري لا تجد من يتصدى لها مثل قضية السحابة السوداء وقضية المبيدات المسرطنة وخطر أنفلونزا الطيور وتفجر الصراعات الطائفية.

إن الرأسمالية المتوحشة التي تحكم بلادنا تستخدم كافة الوسائل والأساليب لإفراغ الوطن وتفريغه بالمبيدات المسرطنة وتلوث مياه النيل من ناحية والسحابة السوداء من ناحية أخري وأنفلونزا الطيور من ناحية ثالثة بينما نحن مهمومين بقضايا من نوع آخر وبالتظاهر من اجل الإصلاح السياسي ولا توجد قوي تساند هذه الإصلاح لأنها منهكة في معارك طاحنة يومية ما بين طوابير الخبز وزحام المواصلات العامة وتدهور المرافق والخدمات.  

لقد دأبت الرأسمالية الفاسدة على مدي سنوات في استخدام سلاح الطائفية لصرف الأنظار عما يحدث وانشغال أبناء الأمة بالنزاع الطائفي من أجل تفتيت الأمة إلى عناصرها الأولية العشائرية والقبلية والطائفية والعودة لما قبل قيام الدولة.ولعل تفجر الصراع الطائفي أصبح خطر داهم منذ أحداث الكشح في سوهاج وحتى أزمة مسرحية كنيسة ماري جرجس بالإسكندرية. لقد شهدنا خلال العقدين الأخيرين تفجر عدة انفجارات طائفية مثل أحداث الكشح وقضية رواية وليمة لأعشاب البحر ثم قضية نشر صور القس المخلوع ثم وفاء قسطنتين وفيلم بحب السيما وأحداث منطقة مسجد آدم وإشاعة تنصير المسلمات في عين شمس إلى المسرحية التي تجري أحداثها في الإسكندرية برعاية جهاز مباحث امن الدولة والتي سقط خلالها ثلاثة قتلى وعشرات الجرحى.

إن الذي قتل فرج فودة لم يقرأ كلمة كتبها فرج فودة والذي حاول قتل نجيب محفوظ لم يقرأ رواية أولاد حارتنا أو أي روايات أخري والذين تظاهروا أمس في الإسكندرية لم يشاهدوا المسرحية ولكن مناخ الشحن الطائفي وإصرار السلطة الفاسدة على التعامل الأمني مع المشكلة الطائفية وانفضاض الطلائع السياسية من كافة الاتجاهات في المعارك الكبرى وترك الحكومة تمرح وحدها في الساحة هو الذي يجعل الإصلاح السياسي حلم بعيد المنال.

أنني أخشى أن يأتي يوم نبحث فيه عن المصريين فلا نجدهم أو يخرجون علينا بالسنج والجنازير رافضين أفكارنا التي ندعو لها عن الإصلاح لأن المشاكل تضخمت وفاقت كل التوقعات ولم يجدونا معهم حيث شغلنا بالجهاد الأكبر!!!.

إن الكوارث كثيرة ومتلاحقة ولكن العمل بين الناس هو الحل !!!

لنشكل لجنة قومية لمكافحة التلوث تتبنى قضية المبيدات المسرطنة وتلوث مياه النيل والسحابة السوداء وأنفلونزا الطيور ، لنشكل لجنة قومية لمكافحة الطائفية والأفكار الظلامية ، لتبدأ اللجنة من الإسكندرية لنشكل لجان شعبية لتقصى الحقائق ولجان متابعة قضائية من الحقوقيين ولجان دعاية تتولى تفنيد الأفكار الظلامية وتحديد المتلاعبين بالفتنة ، إن الدولة وأجهزتها الدينية والأمنية ترعي الفتنة وواجبنا من الآن ألا نعتمد على الحكومة أو ننتظر الحل منها لنبدع أشكال تنظيمية قادرة على استيعاب الجماهير على اختلاف مستويات وعيهم الاجتماعي.

لنشكل لجان على مستويات الأحياء والمدن والاكتفاء بلجان عليا للتنسيق ، لنجمع الدراسات التي تمت حول هذه القضايا والكوارث ، لنجمع التوقيعات ونقيم الدعاوى القضائية ضد المتسببين في هذه الكوارث ، لنوزع البيانات ونقيم الندوات في القرى والنجوع في المنيا وأسيوط والبحيرة والسويس وفى كل مكان على أرض مصر ، لنصدر المجلات والنشرات ونصمم مواقع علي الانترنت ، لنتصل بالمنظمات الدولية ونجمع كافة المعلومات التي نحتاجها . لنتحرك في كل اتجاه لا يجب ألا تشغلنا معارك السياسة المستمرة وانتخابات البرلمان الجديد عن الكوارث المتلاحقة.

إنني أخشى تمزيق الوطن وأن يأتي يوم نبحث فيه عن المصريين فلا نجدهم لأنهم ممزقون بين الطوائف، بين دولة سنية ودولة قبطية وربما دولة شيعية، إنها لحظات حاسمة في تاريخ الأمة وإما أن تكون طلائعها السياسية على مستوى اللحظة أو لنبحث لنا من الآن عن وطن آخر وشعب آخر غير الشعب المصري، شعب الله المحتار. هل نحن جميعاً على مستوى اللحظة ؟؟!!                             

 

■ إلهامي الميرغني