في ذكرى أكتوبر شينين: يمكن أن نعيش الحنين طويلاً... لكن هناك ما هو أكثر أهمية وجدية

عشية الذكرى الثامنة والثمانين لقيام ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى استضافت محطة ن.ت.ف+ الروسية رئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي أوليغ شينين ضمن برنامج على الهواء مباشرة ويتضمن تلقي مداخلات واتصالات، اسمه «مرت أزمنة» من سلسلة «الحنين إلى الوطن». وقد أجرى الحوار الصحفي الروسي آ. بوليتكوفسكي، الذي تناول الموضوع انسجاماً مع عنوان برنامج من باب الوقوف على الأطلال ليس أكثر ضمن محاولة وأد أي استحضار ثوري من ماضي المناسبة في ظل ازدياد تردي الأوضاع في روسيا الاتحادية وعموم الجمهوريات التي كانت تشكل جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً. وفيما يلي مقاطع مطولة من التسجيل الصوتي للقاء:

المحاور: غداً ذكرى قيام ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى ولكنه سيكون يوم عمل طبيعي. هل توجد أية مشاعر احتفالية؟

شينين: هذا تاريخ هام جداً، وهو يمس الروح، والقلب، ويجبر العقل أن يتفاعل. لا توجد مشاعر احتفالية لأن السلطة قررت إلغاء الاحتفالات. ونحن نعيش حالة، يشبه الاحتفال فيها وليمة في زمن الطاعون.

المحاور: لقد قررنا اليوم أن نقول ـ وداعاً 7 نوفمبر! أليس كذلك؟

شينين: كلا. غداً في الساعة الرابعة عشرة سينظم الحزب الشيوعي السوفيتي احتفالاً خطابياً في ساحة أفتوزوفودسكايا في موسكو بهذه المناسبة. إنني واثق بأنّ إلغاء العيد ظاهرة مؤقتة، وسيعود العيد ليحتل مكانه الطبيعي.

المحاور: لقد صرفنا في الأيام الأخيرة كثيراً من المال والوقت للتحضير للعيد الجديد في 4 أكتوبر (تشرين الثاني). ولم نقل شيئاً عن تاريخ عيد أكتوبر العظيم.

أريد أن أسأل المشاهدين: هل يشعرون بأن هذا اليوم هو يوم عيد؟ ولماذا لا تتم المحافظة في روسيا على أي عيد أكثر من 100 عام؟

شينين: تمت المحافظة على عيد الأول من أيار وعيد 7 أكتوبر، وستستمر المحافظة عليهما طويلاً. كما تستمر المحافظة على عيد 8 آذار (عيد المرأة العالمي ـ المترجم). من وجهة النظر الطبقية، ولا أستطيع مناقشة الأمر بطريقة أخرى ـ تغيرت البنية، فتغيرت الأعياد. علماً بأنّه لم يتم إبان الحكم السوفيتي التعامل بشكل همجي من الأعياد القديمة. أتذكر جيداً أننا احتفلنا بعيد الميلاد، وعيد الفصح في بيتنا وكذلك الجيران. وعندما عاشت أسرتنا في كازاخستان، احتفلنا نحن الأطفال بعيد الفطر وبقية الأعياد المحلية.

المحاور: جاءنا اتصال من بلدة ايغوروفسك من ضواحي موسكو (ليونيد ـ خمسين سنة ـ يعتقد أنّ 4 تشرين الثاني عيد مفبرك. كان من مناصري ثورة أكتوبر، طليعي، وكمسمولي، وشيوعي، ولا ينوي شطب ماضيه. هذا هو المزاج والرأي العام).

شينين: من يهتم اليوم بالرأي العام؟ هذا هو رد فعل الإنسان الطبيعي. وفيما يخص التحضيرات والإجراءات سابقاً فقد كان البث التلفزيوني والإذاعي يغطي من الساحة الحمراء كامل أراضي الاتحاد السوفيتي فعلاً. وكان عيداً حقيقياً في كل مكان.

المحاور: قبل البدء ببث الاستعراض من الساحة الحمراء بموسكو كانت جمهوريات الاتحاد السوفيتي تقدم التقارير حول إنجازاتها من مواقع العمل في سيبيريا مثلاً، وجمهورية تاتارسكان الفيدرالية الاشتراكية السوفيتية، وساراتوف، ومنطقة سفيردلوفسك، وداغستان، ومن المحطة الفضائية مير.

شينين: أترون، كيف كان الناس يعملون بجد.

المحاور: ألم يكن ذلك استعراضياً؟

شينين: أي استعراض؟ لقد عملت على سبيل المثال 19 سنة في ورش البناء. لقد قمنا دائماً بتحضير هدايا في يوم ميلاد ف.ا. لينين، وفي ذكرى أكتوبر. وقدمت كامل قدراتي وطاقتي وجهدي في العمل في مصنع الألمنيوم في كرسنايارسك، وفي مجمع أتشينسكي للألومينيا. لقد كنت رئيس مجلس التنسيق لإنشاء محطة التوليد الكهربائية في سان ـ شوشينسكي. وإن المنشآت التي تم تنفيذها قبل الموعد المحدد لا تعد ولا تحصى. لقد كان ذلك كله هدايا حقيقية، لقد عمل الجميع بجد.

كيف كان وضع البلاد قبل 7 تشرين الثاني 1917؟ من الضروري الحديث عن ذلك. لقد كانت البلاد في وضع من الدمار والخراب. لقد خسر القيصر نيقولاي الحرب مع اليابان. ثم حلت الحرب العالمية الأولى. لقد خسرنا 3.5 مليون قتيل. ما بين 7 مليون و10 مليون جريح ومشوه، 10 ملايين مهجر. بعد ذلك يرفض القيصر التنازل عن العرش، والحكومة المؤقتة عاجزة عن فعل أي شيء. وفي 7 تشرين الثاني عام 1917 ولدت عملياً دولة شعبية. لأول مرة في تاريخ البشرية.

بعدئذ، يأتي من عاش في كنف هذه الدولة، وعمره 42 سنة، والذي حصل على التعليم المجاني، والسكن المجاني، ليعلن بأنّ 7 تشرين الثاني لا يعني شيئاً، هذا مرض يحتاج إلى بحث. ببساطة هكذا (يحبّ)، بين قوسين، الناس بلادهم.

المحاور: كان يوم 7 تشرين الثاني عيداً حقيقياً بالنسبة لي ـ هذا أمر لا لبس فيه. لأن الناس ابتسموا وفرحوا. كان هناك شعور بأمر ما غير عادي، احتفالي.

شينين: لقد كان عيداً حقيقياً، احتفل الجميع به. في كل بيت. على الرغم من وجود من يتحدث بشكل مختلف الآن، وأنّ ذلك لم يكن مألوفاً لديهم. إلاّ أنّ الجميع احتفلوا بالعيد في كل بيت!

المحاور: (عاصمة أرمينيا ـ المترجم) على الخط. (تقول إيرينا من يريفان عاصمة أرمينيا ـ 58 سنة ـ بأنّها منذ أن كان عمرها 17 سنة تكره الأول من أيار والسابع من تشرين الثاني. كل شيء استعراضي مفبرك، لم يوجد أي شيء حقيقي صادق).

شينين: على ما يبدو، من الصعب فهم أي شيء حالياً بشكل طبيعي في أرمينيا، نتيجة تدهور مستوى الحياة نحو الأسوأ. هذا كذب فاضح.

المحاور: اتصال من محافظة تيومنسك. (يقول سيرغي بأنّ 7 تشرين الثاني كان رمزاً لبلاد السوفيت. من غير المستبعد ألا يبقى يوم 9 أيار (يوم النصر على الفاشية ـ المترجم) عيداً. من غير الممكن نسيان ماضينا الطيب).

شينين: هذا كلام صحيح.

المحاور: معنا من موسكو على الهواء مباشرة الكسندر وهو يقول إنّ 7 تشرين الثاني هو معلم تاريخي ليس فقط في تاريخنا، بل وفي تاريخ البشرية ككل. لقد أنقذت الثورة بلادنا من الأزمة. 7 تشرين الثاني بالنسبة له كان يوم استعراض قوة وجبروت وعظمة الاتحاد السوفيتي).

المحاور: تالين على الخط (يصرح فلاديمير، أنّ ذلك كان بالنسبة له عيد إقامة السلطة السوفيتية. لقد كان يعلم أين تذهب الضرائب التي يدفعها في عهد الاتحاد السوفيتي، لكن لا يعلم الآن أين تذهب الحسومات التي تصل إلى نسبة 24%. لقد حصل هو على التعليم العالي المجاني، أما ابنه فقد كان مجبراً على أن يدفع وعاطل عن العمل ثلاث مرات).

(المحاور يقدم نتيجة استطلاع أجرته المحطة في شوارع موسكو وقد أظهرت أن الجميع تقريباً كانوا مع الاحتفال بذكرى أكتوبر).

المحاور:  وماذا بخصوص الإسراف في النفقات على تنظيم احتفالات أكتوبر؟

شينين: ما الخطأ في عملية التنظيم؟ لاحظوا كيف كان في 4 تشرين الثاني ما يسمى برئيس ما يسمى روسيا الفيدرالية يتبختر مع الشبان والشابات. أليس هذا استعراضياً؟ أليس تمثيلاً؟ تكسو الوجوه علائم الحماس الصبياني والدهشة. لا نستطيع قول أي شيء آخر عن البلاد. في الفيلم المسجل الذي عرضتموه للحال حول طريقة الاحتفال بثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في داغستان تم تدشين محطة الطاقة الكهربائية. أما الآن فتجري هناك عمليات خاصة، ويقتلون الناس. يأخذون الأطفال المسافرين من أدلير إلى موسكو في هذه الأيام إلى الإسعاف مباشرة، لأنّهم مصابون بالتسمم. الجميع يعانون من الإسهال.

المحاور: اتصال من موسكو. (يقول ألكسندر ـ عمره 48 سنة ـ إنّ 7 تشرين الثاني عيد حقيقي بالنسبة له. في عام 1987 دشنوا محطة التوليد الكهربائية. وماذا حصل خلال العشرين سنة اللاحقة من "البيرسترويكا"؟ عملياً لم يحصل شيء. أيمكن الهذيان، والتبجح بانتشار المخدرات، والتمايز الكبير في صفوف المجتمع وغيرها من الأمور الوضيعة؟).

يقول المحاور إنّ الناس في 7 تشرين الثاني فرحوا وضحكوا من غير أية دعوات "عبر مكبرات الصوت".

شينين: لا أعتقد بأنّ ذلك تم بناء على تعليمات لجنة مدينة موسكو للحزب الشيوعي. لقد احتفل الشعب فعلياً. من غير المفهوم بماذا يحتفلون الآن؟

المحاور: لدينا اتصال من ساليخارد. (يشكر ليونيد هذا البرنامج الشيق ويسأل عن من هو المسؤول عن تدمير هذه البلاد العظيمة؟).

شينين: هذا سؤال معقد. يوجد الكثير من الأسباب. هناك أسباب خارجية. لقد أرادوا تدميرنا دائماً. كما أنّهم يريدون تدميرنا الآن. لم يكتفوا بتحويل البلاد إلى مستعمرة، بل حولوها إلى محمية من نوع خاص. ثانياً، وجد عندنا في الداخل ما يكفي من الناس الذين عملوا بتصميم على تدمير البلاد. ثالثاً، لم تكن القيادة مع الأسف مهيأة لقيادة البلاد في مثل هذه الظروف الحرجة. رابعاً، لم يصن الجيش القَسم. وأخيراً، استسلم الحزب الذي يزيد تعداد أعضائه عن 16 مليون في يوم واحد. كانت تلك مأساة كبرى. لم أستسلم للترهيب وذهبت إلى السجن.

المحاور: أوكرانيا تنتظر على الخط. (تتذكر يانا ـ عمرها 33 سنة ـ طفولتها بسعادة، سنوات الدراسة، عندما شاركت في المسيرات. لقد كان أهم عيد حقيقي. لقد فقد الناس الآن الثقة، والإيديولوجيا. تفتخر جداً بأنّها من مواليد الاتحاد السوفيتي. تحب وطنها الأم أوكرانيا، وتأسف لأننا لم نعد أسرة واحدة).

شينين: عمرها 33 سنة، ويا لها من ناضجة، تناقش وتعالج الأمور بحنكة! ما تقوله هو الحقيقة، لقد خسرنا الكثير، وحصدنا الأسوأ! هل تغيير مواعيد الأعياد هو المهمة الرئيسية؟ لقد أعلنت الحرب على الفقر. أين هي من الواقع؟ جرى الإعلان عن أربعة برامج اجتماعية؟ كيف طبقت؟

المحاور: (يقاطع). دعونا نعيش الحنين إلى الوطن.

شينين: يمكن أن نعيش الحنين طويلاً. لكن هناك ما هو أكثر أهمية وجدية. على قيادة البلاد أن تهتم بالعمل الجاد، وليس العبث. لقد غيروا أولاً أسماء الشوارع. الآن انتهينا من هذا الجنون ـ دعونا نغير الأعياد! يجب الاهتمام بالعمل الجدي. كانت تقاليدنا عظيمة. وأعيادنا كانت عظيمة! (..) وأعتقد بأنّ العيد سيبقى، ولم يفقد الكثيرون الجذور السوفيتية. إنني على ثقة بأن العيد سيعود، وستعود السلطة السوفيتية، وستعود الاشتراكية. وسيصاب بخيبة أمل كل من يرقص في الجنازة ويهلل ويسخر من ماضينا.

المحاور: دعونا نسمع موسكو. (يوافق فلاديمير ـ عمره خمسين سنة ـ مع المحاور، ويطري على البرنامج، ويرى أنّه لم تكن هناك حرية شخصية في الماضي. كان الإنسان يقمع من قبل الحزب الشيوعي والنازي).

شينين: إن مقارنة ستالين بهتلر، والحزب الشيوعي بالحزب النازي تفكير بدائي متوحش!

المحاور: (يقاطع). لدينا اتصال مباشر.

شينين: مباشر أو غير مباشر. لقد استشهد أكثر من ثلاثة ملايين شيوعي في ساحة المعركة ضد النازية حتى يبقى هذا المتصل على قيد الحياة!

المحاور: أنتم لا تسمحون للمرء أن يملك وجهة نظره الخاصة به.

شينين: ليملك وجهة نظره الخاصة. لكن من غير المعقول ومن المستحيل مقارنة الشيوعي بالنازي! ومن لا يفهم، أنّه مدين بحياته للشيوعيين الذي استشهدوا في الحرب ضد الفاشية، هذا يعني إنه إنسان بدائي متوحش من عصر الكهوف!

المحاور: بولتوفا على الخط. (يهنئ ألكسندر ـ عمره 55 سنة ـ الجميع بعيد 7 تشرين الثاني ويأسف لأنّ الناس ينسون دروس التاريخ، وقضية الثورة).

ألا توجد لديكم مخاوف بأنّ هذا العيد وعيد 9 أيار (مايو) سيختفيان؟

شينين: يوجد لديّ تخوف، بأن تختفي روسيا في ظل هكذا قيادة. عندئذ لن توجد أية أعياد. ستحل الأعياد الأمريكية فقط.

مداخلة من أحد الأشخاص يقول فيها إنّه بعد عام 1917 بدأ كل شيء انطلاقاً من مفهوم "الصفحة البيضاء" فدمروا كل التماثيل.

شينين: هذا ليس صحيحاً! ها هو تمثال بطرس ينتصب شامخاً في لينينغراد، كما كان من قبل. كما انتصب ألكسندر وما زال منتصباً في لينينغراد. ولقد دمروا الآن أكثر مما حصل خلال 70 سنة من حكم السلطة السوفيتية. لا يستطيع أحد نفي ذلك! لقد كانت تلك دولة شعبية بكل معنى الكلمة. لقد نمت في ظروف معقدة جداً، لم تخل من التجارب والأخطاء. لكن هل يمكن مقارنة تلك الدولة بالدولة الحالية؟ لقد وجدت عندنا دولة فكرت واهتمت بالإنسان.

المحاور: «السوفييت» لم يكتفوا بإزالة التماثيل، بل والكنائس أيضاً.

شينين: سأقول لكم لماذا.. لقد أزالوا،مثلاً، الكنيسة في قرية نوفوألكسندروفك، لماذا؟ لأنّ الأرض كلها كانت ملكاً للكنيسة، كان الفلاحون أجراء، خضعوا وأحنوا ظهورهم وهاماتهم للقساوسة. لذلك أزالوها. لا ذنب هنا للبلاشفة.

حصلت اعوجاجات. لم أكن لأفجر كنيسة يسوع المخلص لأي سبب.

المحاور: لقد دعوتكم لتقولوا للعيد وداعاً، لأن مثل هذه المسيرة لن تكون أبداً...

شينين: بل ستكون، وستبقى!

 

■ ترجمة: شاهر أحمد نصر