جحيم الاستبداد ولا جنة الموساد

سيبقى (ميليس) وتقاريره لزمنٍ طويل مثار جدلٍ ونقاش في الصحافة والإعلام. بعد أن نجحت الإمبريالية وعملاؤها في تسويق مقتل الحريري واعتباره (قميص عثمان) هذه المرحلة.

لن أتطرٌق إلى المرامي والأهداف التي يسعى إليها أسياد ميليس, وما احتواه تقريره من مغالطات قانونية, وما اعتوره من ضعف شديد في القرائن والأدلة والثبوتيات. وغير ذلك من مثالب أشبعها الحقوقيون ورجال السياسة دراسة وتحليلاً وتمحيصاً وتفنيداً. بل سأناقش ما يمكن أن تؤول إليه الأمور من تداعيات على الساحة الدولية والإقليمية وعلى الأخص الداخلية.

لقد سبق نشر تقرير ميليس على الصعيد الداخلي صدور ما سُمّي بـ (إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي الجذري) والذي وقعه طيفٌ من أحزاب المعارضة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار!!! بالإضافة إلى بعض الشخصيات المستقلة. والذي تجاهل عامداً الهجمة الأمريكية الشرسة على بلدنا. كما أغفل بالكامل  ذكر القضية الفلسطينية والقضية العراقية وبالتالي الاحتلال الأمريكي للعراق والمقاومة العراقية وسياسات التقسيم والتجزئة الأمريكية. وتفكيك المجتمع إلى مكونات عرقية وطائفية. ناهيك عن رائحة التكيّف مع الموجة الأصولية الدينية.

ولا يسعني هنا إلا أن أتوجه بنداء إلى المعارضة أينما وجدوا, والذين بعضهم وللأسف الشديد لم يخفِ رغبته بتقليد المعارضة العراقية التي تحالفت مع الغزاة وأقول لهم:

يا جماعة المعارضة في الداخل والخارج! بالله عليكم أجيبوني بصراحة:

هل الوقوف مع أمريكا وحلفائها ضد النظام في سورية وفي مثل هذا الوقت, شرفٌ تتباهون به؟ وهل الفراغ الذي يمكن أن يشكله غياب النظام الحالي, قادرون حضراتكم على ملئه دون فلتان أمني وفوضى ودمار..؟

أو تعتقدون أن أمريكا قادمة إلينا لقطع دابر الاستبداد والفساد والبطالة وما إلى ذلك..؟

من منكم يتوهم أن الشغل الشاغل لأمريكا هو إنقاذ شعوب العالم الثالث من ظلم حكامها؟

من منكم تنطلي عليه الكذبة القائلة أن دم (الحريري) غالٍ إلى هذا الحدّ عند حكام البيت الأبيض؟

لماذا لم يتم التحقيق قي حالات الاغتيالات الأخرى التي حصلت في لبنان وفي غيره من البلدان؟

ألهذه الدرجة ذاكرتكم مهترئة عما فعلته وتفعله أبالسة الإدارة الأمريكية في حق الشعوب ؟

هل جحيم الدرس العراقي الذي ما زال ماثلاً أمامنا, عصيّ على الاتعاظ به ومنه؟

كلنا يدرك حجم القهر والحرمان والألم والعذاب الذي يعاني منه شعبنا من جرّاء النهب والفساد والقمع وما إلى ذلك... وجميعنا يعلم أنه لو صُودرت ربع القصور والمزارع والأموال التي نُهبت من الشعب... لأصبحت رواتب العاملين في الدولة على سبيل المثال, ثلاثة أضعاف الراتب الحالي على الأقل... ولكن هل الخلاص من هذا الواقع المرير يتم عبر البوابة المعادية؟

قد أفهم وأبرر للبعض لجوءهم في حالات الخطر الشديد الذي يهدد الحياة أو الكرامة.. أقول قد أبرر لهؤلاء احتماءهم بالأعداء وحتى الرضوخ لهم والتعامل معهم لدرء تلك الأخطار. فالمحظورات تبيحها الضرورات, والغاية تبرر الوسيلة كما يقال. رغم تحفظي على هذا المبدأ الانتهازي المنحط! لكن مجتمعنا لم يصل إلى هذا الدرك من الاضطرار ليقبل على التمسك بذاك المبدأ المهين والشنيع والمذلّ بكل المقاييس.

لا أعتقد أننا وصلنا إلى حال نتمنى من خلاله الاستنجاد بالشيطان من أجل الخلاص..

والآن وبعد أن أصدر مجلس الطغيان الدولي قراره (1636) المتعلق بسورية. وحيث أن الإدارة الأمريكية وحلفاءها تعدّ العدّة وتشحذ صواريخها وأنيابها منتظرة بفارغ الصبر اقتراب الظرف الملائم للبدء بتنفيذ مخططها الحربي الجهنمي المبيّت على بلدنا أقول:

لسنا متلهفين لقيام الطائرات والبوارج الأطلسية في شنّ هجومٍ كاسح على بلدنا, مستغلة التحقيق الدولي لتنفيذ مآربها اللئيمة. ونتمنى أن تبذل حكومتنا قصارى جهدها وحتى الرمق الأخير للحيلولة دون وقوع العدوان. ولكن إذا فرضت الحرب علينا, فإننا  نعرف جميعاً أن غالبية الشعب, أيّ شعب في الدنيا, يلتحم مع قيادته في المحن والشدائد. وخاصة عندما تكون قيادته تمثل مصالح هذا الشعب. كما هو الحال في كوبا وفنزويلا وكوريا..

ولا يسعنا في هذه الأجواء الدولية المحمومة والمسعورة إلا أن نناشد الحكام في وطننا الحبيب ونقول لهم: لم يعد مجدياً تسييرنا في مظاهرات ومسيرات, نحمل خلالها اللافتات والصور التي تروق لكم.. لم يعد ينفعكم الإصلاح بالقطارة, ولا كل الحركات التجميلية التي تتوهمون من خلالها بتخديرنا..

لا ظهيرَ ولا نصيرَ لكم سوى هذا الشعب. وما عليكم إلا مراضاته والاستجابة لمصالحه. فشعبنا طيب ويسامح وينسى... 

نرجوكم حبّبونا بكم, نستغيث بكم اسحبوا البساط من تحت أقدام المعارضة, خاصة تلك المصنعة في الخارج. وذلك عبر التصالح مع الشعب, من خلال تحسين مستوى معيشته, والعمل جدياً وبسرعة لمكافحة وملاحقة كبار الفاسدين ومهما علت مراتبهم. والكف عن اعتبار اجتماع أكثر من شخصين, ولو للاتفاق على لعبة طرنيب, مشروع مؤامرة!

أيها المسؤولون في سورية الأبية.. كفانا ازدراءً ومراوغةً... لقد بحّت حناجرنا وجفّت حلوقنا ومللنا ونحن نصرخ: الديمقراطية هي البلسم يا شباب, شلّتنا الأحكام العرفية, الوطن في خطر... دعونا في هذه المرحلة الحرجة وفيما تبقى من وقت يتضاءل بسرعة مرعبة.. دعونا نتصالح عن جدّ, لنتمكن من الهتاف وبمنتهى الصدق وبصوتٍ واحد:

نعيش معاً بكرامة, نموت معاً بشرف.

 

■ ضيا اسكندر