النيجر.. مثال آخر عن سياسات الإفقار الأمريكية

النيجر، دولة هي الأكثر فقراً في العالم وتحتل الترتيب الأخير في قائمة الـ177 دولة التي وردت في التقرير الأخير للتنمية البشرية الذي نشرته الأمم المتحدة، والمبني على حساب معدلات الفقر والأمية والوفيات المحزنة السائدة في هذه الدولة البائسة. ويقول صحفي أمريكي يدعى نيكولاس كريستوف إنه ذهب في رحلة بالسيارة قطع فيها 650 ميلاً من العاصمة «نيامي» إلى مدينة «جور» المدينة الواقعة في المنطقة الشرقية من البلاد.

ويتابع: توقفت في قرية إثر أخرى حيث أخبرني الفلاحون أن الكثيرين من الأطفال قد ماتوا جوعاً خلال الشهور القليلة الماضية، كما أخبرني رجل يدعى «هارون ماني» أنه قد انتهى تواً من دفن ثلاثة من أطفاله الثمانية، وأن السبب في موتهم هو أنهم لم يحصلوا على كفايتهم من الغذاء، وأنهم أصيبوا بالإسهال، وبعده الجفاف، وعندما لم تفلح الجهود لإنقاذهم صعدت أرواحهم إلى بارئها.

أتفق معكم أعزائي القراء على أنه من الصعب على القراء الغربيين الذين يقومون بتعريض أنفسهم للجوع ضمن نظام غذائي لتخفيف الوزن أن يفهموا شعور الناس الذين يموتون بسبب الجوع. وتعتبر النيجر في رأيي مكاناً مناسباً يمكن للمرء فيه أن يقوم بالتفكير ملياً في مواطن الخلل والقصور في نظام المساعدات الدولي، وهو نظام غير رشيد وعاجز إلى حد كارثي.

من الأخطاء الفادحة التي ارتكبناها في هذا الصدد (القول لا يزال لكريستوف) هو رفضنا القيام بتقديم مساعدات كبيرة لقطاع الزراعة في أفريقيا لزيادة إنتاجيته من المحاصيل الغذائية، وإصرارنا بدلاً من ذلك على القيام بشحن أطنان من الطعام على ظهور السفن في صورة مساعدات عاجلة، تصل بعد فوات الأوان. إذ أن موقفنا في هذا الشأن يشبه موقف سلطات إحدى البلديات التي تقتر في الإنفاق على شراء أغطية للبالوعات في الشوارع بحجة أنها ستقوم بإنقاذ من يسقط فيها.

وفي النيجر تحديداً، كان واضحاً منذ بداية العام الحالي أن هناك أزمة غذاء قادمة في الطريق· وعلى الرغم من ذلك تجاهل العالم نداء الطوارئ الذي وجهته الأمم المتحدة في شهر شباط الماضي من أجل توفير 3 ملايين دولار أميركي. وتعليقاً على ذلك يقول «كلود دون» الذي يدير مكتب برنامج الغذاء العالمي للأمم المتحدة في مدينة «مارادي»: «إن أزمة هذا العام بالذات كانت سيئة للغاية» ولكن الذي يحدث بشكل دائم هو أن هناك تقريباً 160 ألف طفل تقل أعمارهم عن الخامسة يموتون سنوياً في النيجر· بمعنى آخر أن هذه الدولة الأفريقية الصغيرة تفقد أسبوعياً بالموت عدداً من الأطفال يعادل عدد ضحايا الحادي عشر من أيلول.

والمشكلة التي نواجهها في أفريقيا هي أن القانون الأمريكي بشكل عام يشترط أن يتم شراء الأغذية التي سيتم تقديمها كمساعدات من الأسواق الأمريكية، وأن يتم نقلها إلى الدول المحتاجة على ظهر سفن أمريكية أيضاً. ومحصلة ذلك كله أن الجزء الأكبر من المعونة يتم إنفاقه على نفقات الشحن، كما أن الشحنات نفسها تصل متأخرة، وعندما تصل فإنه قد يترتب عليها هبوط في أسعار المنتجات الزراعية المحلية المماثلة، مما يدفع الحكومات المتلقية لتلك المعونة إلى تقديم إعانات طويلة الأجل إلى المزارعين لتشجيعهم على زراعتها وبيعها بالأسعار المخفضة. وعلى الرغم من المساعي لتخفيف هذه الإجراءات، إلا أن أعضاء الكونجرس الأمريكي يقومون بإعاقتها لأنهم يهتمون بأصوات ناخبيهم من المزارعين، أكثر مما يهتمون بحياة الأفارقة. ويقول خبراء الأمم المتحدة إن تطبيق أساليب ما يسمى بالثورة الخضراء في أفريقيا (التي تعرف كقارة من باب المفارقة بأنها سلة غذاء العالم) يمكن أن يؤدي إلى مضاعفة إنتاج الغذاء في القارة ليبلغ ثلاثة أضعاف مقاديره الحالية، إذ أن جزءاً أساسياً مما يطلبه الفلاحون هناك هو الحصول على الأسمدة، وعلى البذور الجيدة وعلى الوسائل التي تتيح لهم استخدام المياه المتوافرة للري.

إننا لن نأتي بجديد في عالم «الميديا» عندما ننشر عنواناً عريضاً في الصفحة الأولى من إحدى الصحف يقول «ملايين الأطفال يموتون في أفريقيا» لأن هذا في الحقيقة ليس خبراً وإنما هو حقيقة واقعة. ولكن الواقع المماثل لهذه الحقيقة يجب أن يوحي لنا بالطريقة التي نقوم بها بتحديد أولوياتنا، وترشيد استخدامنا لأموال المساعدات. وما لم تُطلق شرارة ثورة خضراء في أفريقيا، فإننا سنعود إلى النيجر عاماً بعد عام وفي كل عام سنجد أن كل قرية من القرى البائسة قد أصبحت محاطة بالمزيد من المقابر الصغيرة التي تضم جثث أطفال.

 

 ■ نيكولاس كريستوف - بتصرف