لبنان في أروقة الأمم المتحدة

ربما كان النشاط اللبناني في أروقة الأمم المتحدة، أكثر دلالة على مختلف التناقضات والاصطفافات الراهنة داخل لبنان وعلى الساحة العربية أيضاً.

وبدلاً من أن تجري الأمور بعيداً على الاختلافات في وجهات النظر بشأن الوضع اللبناني وعلاقاته، جرت كما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يعد ذلك سراً يمكن إخفاءه أو تغطيته مهما كانت التصريحات العلنية.

لقد ذهب رئيس الجمهورية لحود، وامتنع عن مرافقته رئيس الوزراء، وكانت تلكم سابقة خطيرة في دولة تهتز مكوناتها الوطنية، وتم ذلك بعد أن بذلت جهود مضنية للحيلولة دون ذهاب رئيس الجمهورية وجرى توظيف جملة من المبررات بما فيها مهمة ميليتس وانحدر الفكر السياسي إلى ما يشبه الفكر العشائري فكل من في ذاك الفريق من اللبنانيين أصبح متهماً مادام الاتهام وجهه إلى هذا أو ذاك منه، ولم تبخل تلك القوى في استخدام مختلف الحجج بما فيها أن بوش سحب دعوته للحود وفسر ذلك يعكس ما ينبغي أن يفسر حتى أن البعض وضع الأمر بوصفه استهانة بلحود.

نعم لقد بذلت إدارة بوش كل ما استطاعت للنيل من لبنان في حقيقة الأمر، ولا يغير من ذلك أن تلك الاستهانة وجهت بصورة مباشرة إلى رئيس الجمهورية اللبنانية، وقد أقام البعض الدنيا ولم يقعدها لأن لحود أصر على تمثيل لبنان وعلى أن يكون على رأس الوفد اللبناني وكانت تلك الحادثة قد طغت على سطح الأحداث إلا أن إدارة بوش عملت بدأب كي يبدأ المجتمع الدولي بعزل لحود عن رئاسة الجمهورية .

إن تمحيص الأمور يؤدي إلى استنتاج بأن الضغوط تتزايد على لحود لتغيير موقفه من التوجهات الأمريكية الصهيونية في المنطقة، والقبول بانتقال لبنان إلى حالة عداء مع سورية، والموافقة على توجهات وخطط التوطين لإنهاء حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه. وطبيعي ألا يروق لإدارة بوش إصرار لحود على الاستمرار في ضرورة التمييز بين الإرهاب وحق الشعوب في النضال ضد الاحتلال والعدوان. وألا يأخذ على محمل الجد ما تحاول إدارة بوش ترويجه بأنها ضد الفقر وتدعم التنمية وقد أكد على ذلك عندما قال لحود: «لم تعد فتات دول الشمال تكفي لإطفاء مشاكل الفقر والتخلف والمرض في دول العالم الثالث»، ناهيك عن أن لحود معروف جيداً بدعمه للمقاومة اللبنانية وشكل ذلك أحد مكونات توجهاته الوطنية.

في الوقت نفسه الذي كان فيه لحود يلقي كلمة لبنان في الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت الحفاوة الأمريكية كبيرة برئيس الوزراء اللبناني، وحاولت رايس أن تفهم الوفود بأن لبنان هنا حيث رئيس الوزراء وليس هناك حيث رئيس الجمهورية، وطبيعي فإن هذا الأسلوب الأمريكي له أبعاده الخاصة بلبنان، وابسط الأمور هو تشديد الخلافات ودفع لبنان إلى أوضاع متفجرة وطبيعي القول أن لا يذهب رئيس الوزراء في الوفد الذي يرأسه رئيس الجمهورية هذا شيء، وأن يوافق على كل خطط كونداليزا رايس بما فيها توقيت الاجتماع الذي حضره فعندها لا يمكن للمرء إلا أن يقول أن هذا شيء آخر.

أن يعبر هذا السياسي أو ذاك عن رغبته بإنهاء رئاسة لحود هذا شيء، وأن يسلم هذه المهمة لرايس فإن الأمر يصبح شيئاً آخر وعندها لا يمكن الحديث عن الحرية والديمقراطية والسيادة والاستقلال، أم أن المسألة لا تتعدى شغفاً لفظياً بالمصطلحات.

 

وليس بمستغرب أن تتوارد التساؤلات المشروعة وفي مقدمتها كيف يمكن للمرء أن يتلمس المصداقية بين مفارقات متنوعة فمن جهة يجرى الانصياع لكل ما تطرحه رايس ومن جهة أخرى يجرى الإعلان عن عدم الموافقة على نزع سلاح المقاومة، بالإضافة إلى الأقوال عن ضرورة العلاقات الإيجابية مع سورية، وفي الوقت نفسه لم ينبس أحد بكلمة عندما كرست كلمتها في اجتماع دعم لبنان للتحريض على سورية وتجنيد الرأي الرسمي ضدها تنفيذاً لخطط بوش بعزل سورية دولياً وليس بمستغرب القول أن ذلك الاجتماع رغم أن عنوانه العريض دعم لبنان إلا أن الوجه الحقيقي والخفي كان السعي لتنفيذ خطط عزل سورية دولياً، وقبل ذلك تحطيم لبنان واستباحة سيادته الوطنية.