شخصية العدد :الرئيس اليمني اليمن السعيد وديمقراطية الحضيض
نصف بدائي ونصف عصري، نصف إقطاعي ونصف راسمالي نصف فارس مملوكي ونصف جندي حديث، نصف متعلم ونصف أمي، نصف عروبي ونصف متعاون مع الاميركيين...! ولكنه انقلابي من الدرجة الاولى ايضاً وأساساً.
هكذا يمكننا باحترام وصف حاكم اليمن. فقد أعلن مؤخرا انه لن يترشح من جديد لرئاسة الجمهورية في القطر العربي في اليمن. ولهذا جرى التهليل والتبجيل "لسيادة" الرئيس كما لو كان نموذجاً على الديمقراطية. امتدحه الغرب الراسمالي، وفاخر به المتعاونون معه، وكاد الكثيرون يتخيلون ان الرجل تجاوز خط الجريمة نحو خط الديمقراطية!
لكن سجل التاريخ لا يسمح على ما يبدو بأن يجري تشويهه هكذا وببساطة حيث يُزج في صفحاته ما يجب أن يكون في هوامشه الدنيا. فقد انفجر الشارع اليمني، أي الأكثرية الشعبية اليمنية في انتفاضة، ضد ارتفاع الأسعار وخاصة أسعار النفط. وكان رد الرئيس "الديمقراطي" بإطلاق الرصاص الحي على الناس ليقتل في اليوم الأول 14 شخصا ويتم جرح المئات ناهيك عن المعتقلين.
ما هو الاستنتاج الذي نصل اليه حينما نضع الصورتين في وضع متقابل: صورة الرئيس الذي قرر "وعلى الأغلب زعم" أنه لن يترشح للرئاسة بعدما قضى منها وَطَراً، أي أكثر من عشرين سنة، وفي مقابلها صورة خروج الجياع الى الشوارع محتجين على ضائقة العيش؟
هل بوسع الرئيس الزعم بأن غضب الناس لا علاقة له بسياسات الرئيس، بل بسياسات صندوق النقد الدولي الذي فرض على اليمن رفع الدعم عن الاساسيات؟ بالطبع لا. فمن جلب صندوق النقد الدولي الى البلد هو السلطة والرئيس بشكل خاص ومحدد.
ولكن بعيدا عن تفاصيل الانتفاضة واسبابها، فهل تراث الرئيس يؤهله بأن ينهي عمله السياسي "كديمقراطي"؟ من الطراز الأول في الوطن العربي على الأقل؟
لا نعتقد ذلك قط. فالرئيس نفسه هو الذي دبر اغتيال الرئيس اليمني السابق ابراهيم الحمدي في مذبحة اشبه بما قام به محمد على في القلعة قبل قرابة قرنين من الزمان. وباغتيال الحمدي تم ترسيخ الدولة القطرية في اليمن واغتيال الديمقراطية والتنمية لسنوات طويلة قادمة.
والرئيس هذا نفسه هو الذي عقد اتفاق الوحدة مع الجنوب اليمني بينما عمل على تقويض دور الحزب الاشتراكي واغتيال كوادره مما دفع الحزب الاخير الى خطيئة فك الوحدة. وبالطبع كان الرئيس علي صالح وهو فنان في التآمر، كان قد اتفق مع الاميركيين وحكام منطقة الخليج على الإجهاز على النظام الاشتراكي في جنوب اليمن.
على ان هذا الرئيس الذي يزعم احترافه العسكري كان قد أنشأ جيشاً للقمع الداخلي وليس للدفاع عن اليمن السعيد، وهو ما تؤكده الهزيمة بسرعة قياسية أمام عدوان اريتريا على جزر يمنية.
لقد تقرب الرئيس اليمني من العراق في فترة ما قبل العدوانين الأول والثاني عليه. ولكن ما أن طلبت أميركا من حاكم اليمن تسهيل مرور المدمرات والاساطيل الاميركية الى الخليج العربي لاحتلال بغداد لم يختلف موقفه عن مواقف الانظمة العربية التي ترتبط بأميركا ارتباطاً عميلياً. لذا، لم يكن غريباً أن يحمل الرئيس العتيد ملفات مخابرات بلاده وما بها من معلومات الى المخابرات الاميركية قبيل العدوان على العراق. ولا شك ان هذا تم بزعم مقاتلة الارهاب. عجيب، وهل هناك ارهاب أفظع من إرهاب الرئيس؟