تركيا: الصوم حتى الموت يفتح المقابر الجماعية!
استطاع المناضل اليساري الكردي، «حسني يلدز» أن ينتصر في صراع الإرادات مع الطغمة الحاكمة في تركيا، وأن يجبر أجهزتها القمعية على الإذعان لمطلبه بالبدء بفتح المقابر الجماعية، ومنح كل جثة الحق بقبر خاص، بعد أن صام عن الطعام (صوم الموت)، لمدة 66 يوماً!!
المناضل «حسني يلدز»، هو شقيق المناضل اليساري علي يلدز الذي قتل منذ 14 سنة في محافظة درسيم بمنطقة شمش غين جنوب شرق تركيا وهو يقاوم الفاشية التركية، ولم تُعطَ جثته إلى أهله، بل رقدت في مقبرة جماعية مع العشرات من نظرائه، الذين طالما دفنوا في مواقع قريبة من أماكن استشهادهم في الجبال، أو في مزابل الجيش، أو في أساسات الأبنية الشاهقة والسدود، وبذلك فقد تمكّن «يلدز» الحي، من تتويج مجمل النضالات الطويلة للقوى اليسارية التركية، التي كثيراً ما سعت لأن تقوم السلطات التركية بمعاملة شهدائها بشكل لائق، لا أن تتعامى عن أبسط حقوقهم وهم أموات، مثلما تتعامى عن هذه الحقوق، وتنكل بهم وهم أحياء.
يُذكر أن صوم الموت الذي عاشه يلدز، رافقته حملة قوية، وطلبات كثيرة لفتح المقابر الجماعية شارك بها مئات الآلاف في تركيا، والعديد من المناضلين والإعلام اليساري في شتى أنحاء العالم..
وكان حسني يلدز قد صرّح وهو يكاد يلفظ أنفاسه: «إن الحياة بسيطة وأنا أحاول أن أعيشها، إنني أب منذ 7 سنوات أعيش مع ولدين.. منذ 6 شهور وردنا خبر أن أخي المفقود منذ 14 عاماً وجدت جثته في مقبرة جماعية في محافظة درسيم بمنطقة (شمش غري)، فطلب أبي وأمي أن يدفن بشكل لائق في قبر عائلي، ولجأنا إلى المحاكم وطرقنا كل الأبواب وحاولنا أخذ الجثة بشكل قانوني ولكنهم رفضوا إعطاءنا الجثة بحجة أن هذا ليس حقنا!! ولكننا نتساءل أليس القبر من حق أي شخص مهما كان؟ ومع كل محاولاتنا بالمحاكم ومع القضاة لم نحصل على أي نتيجة ولم يلبوا طلبنا، لذلك كان لابد لي للحصول على حقي وحق أهلي من أن أنصب خيمة في وسط درسيم، وأبدأ الإضراب عن الطعام، لأنني وعائلتي لا نملك دبابات أو مدافع، وليس لنا السلطة في إعطاء الأوامر واتخاذ القرارات، وليس لي إلا جسدي الذي حولته إلى سلاح وبدأت الإضراب عن الطعام. ومن هذا المنطلق، وبعد 45 يوماً، حولت إضراب الطعام إلى صوم الموت بإرادتي الحرة، لكي أكون إنساناً على وجه الأرض، ولن أتراجع عن قراري حتى أحصل على جثة أخي.. أريد جثة أخي.. أريد فتح المقابر الجماعية»!. وكانت جريدة ( المسيرة) الأسبوعية اليسارية التركية قد كتبت الكثير حول هذا الموضوع، مؤكدة أنه «لا يوجد سبب يمنع العدالة والتنمية من فتح المقابر الجماعية إلا إذا كانت شريكة بها، العدالة والتنمية في الحكومة منذ 9 سنوات ومنذ ذلك الوقت لم تقم بأي إجراء من أجل المقابر الجماعية ولم تقدم على أي خطوة بحق المجرمين الذين ارتكبوها ولم تفتح ولا دعوى حتى شكلياً خلال التسع سنوات التي حكمت فيها.
هل من المعقول أن العدالة والتنمية لا تعرف بأمر المقابر الجماعية، وهل من المعقول أنها لا تعرف من ارتكب هذه المجازر؟ وهل من المعقول أنها لا تعرف القاتلين؟.
أيتها الدولة لا تبحثي عن الحقيقة في مكان بعيد.. ابحثي في الأرشيفات الموجودة لديك، تري الحقيقة»!!
المجد للحركة اليسارية في تركيا ما أشق نضالها، ففي الوقت الذي يقدم حكام تركيا الجدد أنفسهم للعالم على أنهم ديمقراطيون وحضاريون، ما تزال السجون تعج بالمناضلين، وما يزال الأحرار يُلاحقون في الجبال وفي زواريب المدن، وما تزال المقابر الجماعية تواري حقيقة الدكتاتورية المستمرة في باطن الأرض..