«الاشتباه» مجدداً بتواطؤ واشنطن مع مافيا المخدرات المكسيكية
ألقت المعلومات التي أدلى بها عضو بارز في عصابة «سينالوا» المكسيكية لتجارة المخدرات أثناء محاكمته في الولايات المتحدة، مزيداً من الضوء على تواطؤ واشنطن مع عصابات تجارة المخدرات وتورطها في مبيعات أسلحة لعصابات الاتجار بالمخدرات المكسيكية.
فقد أكد خيسوس فيسنتي ثامبادا- نييبلا (نجل إسماعيل ثامبادا غارثيا «مايو» أحد كبار القادة المفترضين لعصابة «سينالوا» لتجارة المخدرات والأسلحة في ولاية سينالوا المكسيكية الغربية)، أكد في بيان قدمه إلى محكمة فيدرالية أمريكية أن واشنطن منحته «تفويضاً مطلقاً لمواصلة تهريب أطنان من المخدرات إلى شيكاغو وبقية أنحاء الولايات المتحدة».
هذه الاتهامات، على الرغم من تجاهل وسائل الإعلام الأمريكية شبه الكامل لها، أثارت موجة جديدة من الشكوك حول السياسة التي تتبعها واشنطن في مجال مكافحة تجارة المخدرات والتي يعتبرها العديد من المحللين، منذ سنوات طويلة، فاسدة وغير فعالة.
ففي بيان من صفحتين إلى المحكمة، قدم ثامبادا- نييبلا تفاصيل «التعاون» بين عصابته ووزارة العدل الأمريكية والأجهزة التابعة لها، بما يشمل بضعة وكالات مثل وكالة مكافحة المخدرات ومكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي).
وتم إلقاء القبض على ثامبادا- نييبلا في العاصمة المكسيكية في أواخر عام 2009، ثم تم تسلميه إلى الولايات المتحدة بتهمة «تنسيق العمليات اللوجستية» للعصابة، وتحديداً الإشراف على عملية تهريب بضعة «أطنان من الكوكايين» إلى الأراضي الأمريكية بمختلف طرق النقل والشحن بما فيها طائرة بوينغ 747 وشاحنات ذات مقطورات.
وعن البيان المقدم إلى المحكمة قال بيل كونري، الصحفي الذي غطى الخبر لحساب خدمة «أخبار المخدرات» من وسائل الإعلام الأخرى، إن ثامبادا- نييبلا أكد أنه عمل لحساب الحكومة الأمريكية «كمصدر معلومات هام» وأنه كان طرفاً من اتفاقيات تمت بين ضباط وكالة مكافحة المخدرات وأكثر أعضاء تنظيم «سينالوا» تشدداً.
ومن بين هذه الاتفاقات، تعهدت وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية بحمايته مقابل تقديمه معلومات عن عصابات منافسة.
كما أكد ثامبادا- نييبلا أن الاتفاقات المذكورة تضمنت وعوداً لزعماء مهربي المخدرات بتنبيههم عن التحقيقات التي تجري في واشنطن والمكسيك حول «المناطق الخاصة بهم حتى يتمكنوا من اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي التحقيق» معهم. كذلك أن وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية أبرمت هذه الاتفاقات على الرغم من أن المسؤولين في واشنطن كانوا قد أعدوا بالفعل التهم وطلبات التسليم وعروض التعويض والمكافأة مقابل إلقاء القبض على نفس هؤلاء الزعماء في عصابة «سينالوا»، علماً بأن هذه الاتفاقات تمت دون علم السلطات المكسيكية.
ومن الجدير بالتذكير أن 40.000 مواطن مدني مكسيكي لقوا حتفهم خلال حملة مكافحة الإتجار بالمخدرات التي شنها الرئيس فيليبي كالديرون تحت رعاية واشنطن.
ودقق كونري في أوائل شهر أيار في البيانات التي قدمتها وزارة الخارجية الأمريكية في أحدث تقرير لها عن الإنفاق العسكري للسنة المالية 2008- 2009.
واكتشف أن الولايات المتحدة سلمت المكسيك أسلحة بمبلغ 204 مليون دولار تضاف إلى 177 مليون دولار على شكل برامج معلوماتية، وذلك عن طريق شركات خاصة أمريكية.
لكن هذه ليست المرة الأولى التي تتورط فيها وكالات أمريكية في عمليات اتجار غير مشروعة، على الأقل منذ الثمانينيات. فقد كشفت وثائق رسمية وشهادات فضيحة «إيران- كونترا»، أي الوسيلة غير الشرعية التي أتبعتها واشنطن لتمويل المعارضة المسلحة في نيكاراغوا من عائدات مبيعات الأسلحة السرية الأمريكية للنظام في إيران (إبان الحرب العراقية الإيرانية).
فقد استخدمت واشنطن في عهد الرئيس رونالد ريغان (1981- 1989) هذه العائدات غير المشروعة لتمويل الحرب السرية التي شنتها جماعات مسلحة ضد نظام الرئيس دانييل أورتيغا، الذي عاد ليحكم نيكاراغوا حالياً، وهي الجماعات التي تلقت أموالا من عصابات الاتجار بالمخدرات أيضاً.
وصرحت أنابيل هرنانديز، الصحفية والكاتبة المكسيكية مؤلفة كتاب «أباطرة المخدرات» أن «وكالة الاستخبارات المركزية (الأمريكية) أقامت علاقة مع عصابة «ميديين» (الكولومبية لتجارة المخدرات) ومع عصابات تجارة مخدرات متوسطة الحجم في المكسيك- وهو ما دعمها وزاد من قوتها- وذلك مقابل الحصول على موارد لتمويل الجماعات» المعارضة المسلحة في نيكاراغوا.
وألقت محاكمة ثامبادا- نييبلا مزيداً من الأضواء أيضاً على فشل أنشطة المخابرات الأمريكية، ولاسيما فيما يخص العملية المثيرة للجدل التي نفذها مكتب مكافحة الكحول والتبغ والأسلحة النارية.
هذه العملية، المطروحة الآن على الكونغرس، حاولت تتبع مبيعات الأسلحة الأمريكية لعصابات تهريب المخدرات المكسيكية في إطار برنامج تحت إشراف قيادة هذا المكتب في فينيكس، أريزونا، شمل بيع حوالي 2500 سلاح ناري بما فيه مئات من بنادق (إيه كيه47) و(باريت)، من خلال عملاء سريين لحساب تجار السلاح.
(آي بي إس)