بصراحة إنها حقوق مكتسبة بزنود العمال

يبدو أن هناك من يريد أن يمحو من  الذاكرة كل النضالات التي خاضتها الطبقة العاملة السورية، وأن يتعامى  عن الحقوق التي اكتسبتها بنضالها الطويل  في كل معاقل الإنتاج، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، وربما  نسي البعض أو تناسى تماماً النضالات التاريخية للحركة النقابية السورية.

ففي اللقاء الأخير لوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل مع الكوادر والقيادات النقابية، أصرت الوزيرة ولأكثر مرة على أن جميع الحقوق التي حصلت عليها الطبقة العاملة السورية هي حقوق ممنوحة وليست مكتسبة. وفي أحايين كثيرة اعتمدت لغة التهديد والوعيد أثناء مخاطبتها للقيادات النقابية، منبهة عليها بشكل متكرر أن لا تستخدم مصطلح «الحقوق المكتسبة»، وأن توافق على كل ما تطرحه من أفكار وتصورات، فهل هذا الإصرار يعني أن الوزيرة ستلغي من الوجود كل الحقوق العمالية بحجة أنها حقوق «ممنوحة».

إن الحقوق التي اكتسبتها الطبقة العاملة السورية عبر نضالها الطويل لا يمكن اعتبارها بكل هذه البساطة حقوقاً ممنوحة، فالحقوق العمالية تكتسب ولا تمنح، وقد ضحى العمال بدمائهم في سبيلها، وهذه كانت إحدى ميزات الحركة النقابية السورية منذ تأسيسها. ولعل القيادات النقابية السورية التي برزت على المستوى العالمي كانت خير دليل على النضالات التي خاضتها الطبقة العاملة السورية وحركتها النقابية منذ النصف الأول من  القرن الماضي.

لقد وقفت الطبقة العاملة السورية بوجه من كان يحاول باستمرار إطلاق مجالات العمل المختلفة أمام القطاع الخاص، وإغلاقها أمام القطاع العام، وبالأخص الصناعي منه، بعد أن تم تشجيع القطاع الخاص بشتى السبل، بشقيه المحلي والأجنبي، بما في ذلك فتح مجالات الخصخصة أمامه، وإشراكه في تقديم الخدمات التي كانت حتى المدى القريب مقتصرة على الدولة أو القطاع العام.

 وقد وصل الأمر مؤخراً بفريقنا الاقتصادي إلى اعتبار القطاع الخاص الركيزة الأساسية للتنمية، وذلك من أجل النيل من حقوق العمال، وتقليص دور الدولة وتدخلها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، مما يؤدي بشكل تلقائي إلى انكماش دور التخطيط في توجيه الاقتصاد والتنمية، لتكون النتيجة الطبيعية لذلك اعتبار الطبقة العاملة عالة على الاقتصاد الوطني، وتصبح أية حقوق تعطى لها فيما بعد حقوقاً ممنوحة لا مكتسبة بحجة الاختلالات في سوق العمل، أو الاختلالات الكبيرة في الاقتصاد التي قد تؤدي إلى نتائج غير مرغوبة، نظراً لارتكاز القرارات الاقتصادية على معيار الكسب الخاص والخسارة الخاصة الذي يختلف عن المنظور الاجتماعي للكسب الذي تعتمده الحركة النقابية بشكل عام.

إن كل هذا يملي علينا ضرورة وضع إطار قانوني موحد يتضمن القواعد الأساسية في تحديد علاقات العمل بين القطاعين العام والخاص، بما يكفل للعمال الحقوق المكتسبة لا الممنوحة (حسب قول الوزيرة) في تحديد الأجور وظروف العمل المناسبة والرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية، وتقديم الوسائل التي تكفل الإنتاجية عن طريق عقود عمل جماعية بين كل القطاعات وعمالها وبين التنظيم النقابي، وذلك في إطار سياسات عامة تشارك في إعدادها الأطراف المعنية، وفي مقدمتها الاتحاد العام لنقابات العمال.

 إن هذه المطالب غير ممكنة التحقيق دون توفير الحرية للحركة النقابية وتأكيد استقلاليتها عن الدور الذي تقوم به الحكومة، فقد تأكد للجميع أن الحكومة والنقابات ليسا فريق عمل واحد في ظل سياسات الحكومة وفريقها الاقتصادي، وبالتالي فلابد من إنهاء تحريم الإضراب السلمي  الذي شرعه الدستور، والوقوف بوجه كل من يتصور أن ما حققته الطبقة العاملة على مر العقود كان مجرد حقوق ممنوحة، لأن تلك الحقوق هي حقوق مكتسبة بعرق ودم عمالنا الذين مازالوا مصرين على أن كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار.