الطريق للخروج من الأزمة
بعد أحداث الإسكندرية الأخيرة، أخذ الكثيرون يطرحون المشكلة القبطية، أو الطائفية، ويحللون أسباب ما جرى: هل الحكومة هي المستفيد من ذلك، وهل هي التي تقف وراء الفتنة وتغذيها؟ هل يحتاج النظام المصري لذريعة لتمديد قانون الطوارئ؟ هل الأخوان هم المستفيدون؟ هل تدخلت جهات أجنبية كأمريكا وإسرائيل تثلج نيران الفتنة قلوبها ومصالحها؟ ورغم أن كل تحليل مهم لعلاج المشكلة، إلا أن الاقتصار على التحليل فقط لن يحل المسألة.
وهكذا يقترح البعض حلولا عملية كأن يصل اليسار بدعايته إلي الجميع، ليوضح أن الخاسر الوحيد في الفتنة الطائفية هو المصريون والفقراء منهم تحديدا. فهل تستحق هذه الفكرة الدعاية لها؟
هي حسب تقديري معروفة للجميع، ومعروفة للفقراء قبل غيرهم؟ وهل تمثل هذه الدعاية حلا لشيء؟. حلول أخرى لدفع الفتنة يرى البعض أنها تتمثل في تنظيم الناس في مؤسسات تدافع عن مصالحها مما يمنع انحدار الناس إلى الصراع الطائفي. ولكننا إذا فكرنا قليلا في موضوع تنظيم الناس لوجدنا أن المثل القائل "موت يا حمار على ما ييجي لك العليق" هو خير ما ينطبق على اقتراح تنظيم الناس في مؤسسات كحل للطائفية، فإلى أن يتم ذلك التنظيم، ستكون الفتنة قد زادت، وسيسقط مئات القتلى والجرحى من الجانبين، خاصة أن اليسار عندنا يعاني من أزمة منعته من تنظيم نفسه أولا، قبل أن يفتح الله عليه بتنظيم الناس.
وفي اعتقادي أن علينا – قبل إلقاء اللوم على أي طرف حكومي أو أخواني أو أجنبي – أن نلوم القوى المستنيرة التي لا تستطيع أن تتبنى صراحة مطالب الأقباط العادلة وهي مطالب معروفة، أكررها هنا:
- نزع خانة الديانة من البطاقات وجوازات السفر،لأن المواطن يعرف بجنسيته وليس بدينه.
- مساواة الأقباط بغيرهم في أوقات البث الإعلامي والتلفزيوني لطقوس الأقباط الدينية.
- الإلغاء النهائي والكامل لكل قرارات " الخط الهمايوني " التي تعود للقرن 19، والتي تلزم الأقباط بالحصول على موافقة رئيس الجمهورية أو غيره لإصلاح دورة مياه داخل كنيسة، أو ترميم كنيسة، وغير ذلك .
- إعادة أراضي الوقف المسيحية للأقباط.
- وقف كافة أشكال التمييز عند التعيين في الوظائف، وفي الترقية، وفي الوصول إلي المناصب الكبرى كالمحافظ، والوزير، والمناصب الكبيرة في الشرطة والجيش والجامعات والمعاهد.
- وضع القوانين اللازمة التي تجرم وتعاقب على " إثارة الكراهية " من على منابر الجوامع، وفي المدارس، والنظام التعليمي، وتطبيق ذلك.
- وضع مادة تاريخ في المدارس بحيث تعتمد على حقيقة أن تاريخ مصر هو ضفيرة من الكفاح المشترك لكل أبنائها، وأن تاريخ مصر إبداع المسلمين والأقباط. وإدخال المراحل المسيحية في مواد التاريخ، وهي المراحل التي لا تشير إليها مناهجنا بحرف واحد، بحيث ينشأ لدينا جيل من الأطفال يدركون أن " الله الرحمن الرحيم " هو نفسه "الله محبة".
إن معاناة الأقباط تمتد إلي جوانب كثيرة، منها ضعف التمثيل السياسي لهم، إذ ليس هناك سوى 6 نواب أقباط في مجلس الشعب من أصل 454 نائبا، منهم واحد منتخب وخمسة معينون، ووزيران،وهم يعانون من مناخ من الكراهية المنحطة والتكفير، وانحياز الدولة الديني إلى الطرف الآخر، مما يشجع الكثيرين على التهجم الإجرامي على الكنائس والأفراد من الأقباط.
وفي اعتقادي أنه إذا كان للقوى المستنيرة من دور، فهو تبني تلك المطالب المشروعة المذكورة أعلاه، تبنيها بقوة وصراحة، ومطالبة الدولة والضغط عليها لتنفيذ تلك المطالب التي ستعطي أخوتنا الأقباط على الأقل شعورا بأن هناك من يتفهم مشاكلهم، ناهيك عن تبني حلول عملية لها.
وإذا كانت الحركة الشعبية للتغير، وبها زملاء أعزاء مثل عماد عطية، وغيرها من الحركات تريد أن تقدم لنا شيئا ملموسا، فلتبدأ ببيان يدعو الحكومة إلى تحقيق هذه المطالب، يوقع عليه الجميع، ولتواصل عملها من أجل مؤتمر أيضا لطرح هذه القضية وحدها، ليس من أجل تحليل ما يحدث، لكن لرفع صوت هذه المطالب، والضغط إلى أن تتحقق، أما المظاهرات تحت شعار "ضد الطائفية"، فإنها تظل مظاهرات تحمل شعارا عاما. فهل هناك من نظم مظاهرة مع الطائفية؟ لكي ننظم له مظاهرة ضدها؟ .
إننا بحاجة لتبني تلك المطالب المحددة، وهي مطالب عادلة، وأقل من القليل، ومن دون أن تصبح تلك المطالب واقعا قانونيا، سيظل هناك من يتجرأ ويرفع خناجره، وجنازيره، في وجه أخوتنا الأقباط، وفي وجه كنائسهم، ممزقا بذلك تاريخنا ومستقبلنا.