اليمن وأسعار النفط: الخليج يدفع فوق طاقته

اليمن وأسعار النفط: الخليج يدفع فوق طاقته

يشهد اقتصاد دول الخليج عموماً، والمملكة السعودية بوجهٍ خاص، هزات غير مسبوقة وصعبة الحل بالنسبة لاقتصادات قائمة بالدرجة الأولى على ريع النفط الذي يشهد حرب أسعار هوت به إلى ما دون الـ50 دولار للبرميل في أحسن الأحوال منذ حزيران 2014..

«حرب أسعار النفط» هي واحدة من الأسباب الأساسية لأزمة الاقتصاد الخليجي، لكن اندفاع السعودية وحلفائها الخليجيين نحو الحرب على اليمن، هو عامل ليس أقل أهمية في هذه الأزمة، وهو ما تشير إليه الإجراءات التي بدأت تظهر في السعودية (المتكفل الرئيسي بتمويل هذه الحرب باهظة التكاليف).

في مؤشرات البورصة الخليجية- التي تعتبر مقياساً واحداً من بين عشرات المقاييس الاقتصادية ليس إلا- اللافت في هذه الفترة هو التراجع في قيمة أسهم قطاعات الإنتاج الحقيقي الكبرى، مثل سهم الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك» القيادي، الذي انخفض بنسبة 2.4% أواخر الشهر الماضي، فيما انخفض مؤشر سوق دبي 0.6%، ومؤشر أبو ظبي 0.4%، مصيباً قطاع الإنشاءات والسياحة التي تعد شريان الاقتصاد الإماراتي إلى جانب النفط.

أما في قطر، فقد هبط مؤشر البورصة بنسبة 1.2% قبل أسبوع، وهي أرقام لم تعتد عليها هذه الدول، أو على الأقل لم تكن لتمس قطاعات أساسية كبرى كما يحصل اليوم في السعودية.

التقشف خيار أساسي

في السعودية، وصل العجز المالي هذا العام إلى ما يقارب 90 مليار دولار، ما دفع السلطات لاتخاذ جملة من الإجراءات تحت عنوان عريض هو التقشف، كسبيل لتمويل عجز الموازنة. فبعد جملة القرارات المتواترة زمنياً، والتي طالت أسعار المحروقات والكثير من المواد الأساسية، قررت السلطات السعودية إلغاء صرف العلاوة السنوية، وأية زيادة مالية عن تجديد العقود أو تمديدها أو استمرارها، كما حددت عدد إجازات الموظفين السنوية التي تقلصت لتصبح 36 يوماً في السنة، مع تحديد مدة زمنية لأخذ الإجازات، وإلا يتم إلغاؤها أو التعويض مادياً في حال كانت ضرورة العمل تقتضي عدم أخذها في وقتها المحدد. وضمن القرار ذاته، عزمت السلطات السعودية على إيقاف التوظيف لغير العاملين حتى نهاية العام القادم.

هذه الإجراءات التي تمس أحوال موظفي الدولة، تبعها جملة من القرارات طالت موظفي الدرجة الأولى إن صح التعبير، فقلص البند الرابع من «القرار الملكي» المذكور أيام الإجازة السنوية للوزراء ومن في مرتبتهم، من 42 إلى 36 يوماً، إضافة إلى قرار تخفيض راتب الوزير ومن في مرتبته بنسبة 20%، وتخفيض الإعانة السنوية التي تصرف لكل عضو من أعضاء مجلس الشورى لأغراض السكن والتأثيث بنسبة 15%، وتخفيض المبلغ المقطوع الذي يصرف لعضو مجلس الشورى بنسبة 15%، والذي يشمل قيمة السيارة التي تؤمن للعضو وما تتطلبه من قيادة وصيانة ومحروقات، خلال فترة العضوية المحددة بأربع سنوات، كما تضمن القرار إيقاف تأمين السيارات لكبار مسؤولي الدولة إلى نهاية السنة المالية.

المستثنى من إجراءات التقشف هم العسكريون المشاركون في الحرب على اليمن، من إلغاء العلاوات والمكافآت، إضافة إلى من يشارك في العمليات العسكرية والاستخباراتية والأمنية في الخارج.

قرار ضمن سلسلة متكاملة

وزارة المالية السعودية قررت رفع الدعم عن 7 خدمات حكومية كانت الدولة تتكفل بـ50% من قيمتها، بالتزامن مع بدء تطبيق الرسوم الجديدة على الخدمات البلدية وتأشيرات الدخول، التي من شأنها أن ترفد الخزينة ب50 مليار دولار سنوياً.

من المؤكد أن السعودية التي تعتمد في 90% من إيراداتها على المشتقات النفطية تأثرت بانخفاض أسعار النفط العالمي، لكن سرعة الدخول في دوامة الأزمة، أي منذ حزيران 2014 افتراضاً، يدفع للبحث في أسباب أخرى أكثرها وضوحاً هو انخراط السعودية في الحرب على اليمن، والتي كلفت السعودية فقط في شهر آب الماضي 19 مليار دولار بحسب تقارير نشرها البنك الدولي، إضافة إلى صفقات السلاح الكبرى تحديداً في العام الماضي، وهي صفقات بقيمة 1.15 مليار دولار مع الولايات المتحدة، و3 مليار دولار مع بريطانيا. أي أن مستوى استنزاف الاحتياطيات المالية للسعودية وصل إلى مستويات خطيرة لم يتم الإعلان عنها بدقة، وهو ما سيدفع السعودية إلى المزيد من هذه الإجراءات وسط التعنت الذي يصيبها إزاء إنهاء الحرب في اليمن.

اليمن بوابة الفرج

من المؤكد أن السعودية التي تورطت في الحرب على اليمن ليست وحدها من يمسك بخيوط الحل هناك، إذ تجري الولايات المتحدة وحلفاؤها الكبار حساباتها استناداً إلى وقائع موازين القوى الدولية، فيما يخص إشعال أو تهدئة أحد الملفات الراهنة، ومنها اليمن ضمناً. وعلى إثر التصعيد الأمريكي (كما جرى في سورية مؤخراً على سبيل المثال)، اشتعلت الجبهة اليمنية لتسجل ارتفاعاً ملحوظاً في مستوى العمليات العسكرية التي يشنها «التحالف العربي» بقيادة السعودية في اليمن.

تمني السعودية نفسها بحل الأزمة اليمنية على طريقتها  لتنفيس أزمتها الداخلية، لكن ارتباطها الوثيق بحلفائها الغربيين، وإصرارها على خطف انتصار سياسي من خصومها في اليمن يطيل أمد الحرب، ويحمّل اليمنيين والسعوديين تكاليف باهظة، فهل بتنا قاب قوسين أو أدنى من إنهاء الحرب اليمنية؟

شهدت عُمان في الأيام الأخيرة نشاطاً مكثفاً لاستئناف محادثات السلام اليمنية، بعد «مبادرة كيري» الأخيرة لوقف إطلاق النار في البلاد، وتنص آخر الاتفاقات على هدنة مؤقتة لثلاثة أيام، يعقبها اتفاق وقف إطلاق النار قبل الذهاب إلى طاولة المحادثات مجدداً.

ومن المتوقع ألا تستغرق الجولات التالية من المفاوضات وقتاً طويلاً، نظراً للمشاورات طويلة الأمد التي شهدتها الكويت لثلاثة أشهر، حيث أن البند الأساسي العالق هو في قبول الأطراف لتوازي تطبيق الاتفاقات المبنية على قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والتي تضم بشكل أساسي تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وانسحاب المسلحين من العاصمة، وتسليم الأسلحة لطرف ثالث محايد. 

هذا الحل الذي بات قاب قوسين أو أدنى من رؤية النور، من شأنه أن يخفف الضغط الأولي عن السعودية من حيث تكاليف الحرب، لكنه سيرفع الضغط مجدداً فيما يخص تكاليف إعادة الإعمار التي تعهد بها السعوديون والإماراتيون بها إبان إطلاق «عاصفة الحزم» وفور الانتهاء من «التمرد المسلح»، فهل يصدق السعوديون؟