ما الجديد في «العرس الديمقراطي» الأمريكي!
يقترب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وسط اهتمام إعلامي منقطع النظير من خلال التقارير والبرامج، وصولاً إلى إدخال هذا الحدث كعنصر أساسي في التحليلات السياسية عند طرح أي حدث راهن على مستوى العالم.
المؤكد أن لهذا الحدث أهمية ما، يجب أخذها بعين الاعتبار، لكونها مؤشر واحد من بين مئات المؤشرات التي تسمح بالتنبؤ بالسلوك العام للإدارة الأمريكية المقبلة. وبمعنى آخر، فإن هذه الانتخابات بنتائجها- أياً كانت- لا يمكن أن تمثل وحدها معياراً لهذه التوجهات.
يختلف «الصراع» بين «الجمهوريين» و«الديمقراطيين»- اللذين يمثلان في نهاية المطاف التيارات الأكثر نفوذاً وقدرة على الظهور السياسي في الولايات المتحدة- عما كان عليه قبل هذه الانتخابات على أقل تقدير في قضية محددة، هي أن هامش الخيارات الأمريكية في التحرك خارج الحدود كان واسعاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي: ما شهدناه في أوروبا الشرقية والعراق في تسعينات القرن الماضي، ثم في أفغانستان والعراق مرة أخرى أوائل هذه الألفية.
فالخلاف حينها كان على أولويات من نوع محدد، ألا وهي كيف السبيل إلى تثبيت أعلى قدر ممكن من الهيمنة على مقدرات العالم، والذي هو خيار متفق عليه بين الجميع، وعليه كان صراع الآراء يجري ضمن النخبة الحاكمة هناك، وهو ما يمكن اعتباره حينها من الخلافات الثانوية التي تحسمها عادة العوائل الكبرى فيما بينها في البلاد، لكن المختلف اليوم، هو أن صراع النخب في الولايات المتحدة اكتسب صفة جديدة غير مسبوقة، وهي ظهور تيارات تقول بضرورة «الانكفاء نحو الداخل الأمريكي»، في وجه التيار التقليدي المعتاد على تصدير أزمات بلاده الداخلية عبر الحروب بالدرجة الأولى، ونفوذه في المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية.. إلخ.
معضلة الوقت الحرج
كما أن للانتخابات الأمريكية شكلاً ووظيفة محددين، ارتبطا بوزن واشنطن الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، إذ اقتصرت على «صراع آراء» لا يخرج بنتائجه عن الاستراتيجية العامة المرسومة في الاندفاع خارج الحدود، إلا أن اختلال موازين القوى الدولية المتسارع في السنوات الأخيرة، من شأنه أن يغير بحدود ما شيئاً من مضمون الانتخابات الحالية.
على أرض الواقع، الدافع وراء نشوء التيار الجديد في الإدارة الأمريكية، والناتج عن موازين القوى الدولية الجديدة بشكل رئيسي، هو الخوف على الولايات المتحدة بحد ذاتها من تراجع واسع على الصعيد الدولي، تنعكس آثاره في داخلها، وهو ما بدأ يظهر مؤخراً عبر أحداث أمنية واحتجاجات واسعة ذات طابع اجتماعي متعلقة بالعنصرية، سرعان ما يتطور هذا الشكل إلى مستويات اقتصادية- اجتماعية، لها أرضيتها الخصبة، أساسها الأزمة الاقتصادية الأمريكية، حيث توقع مسؤولون أمريكيون في مكتب الميزانية التابع للكونغرس الأمريكي أن يصل عجز الميزانية الأمريكية هذا العام إلى 590 مليار دولار، ما يمثل 3.2% من الإنتاج الاقتصادي الإجمالي، بعد أن سجل العام الماضي عجزاً بلغ 438 مليار دولار، هو الأعلى له منذ 8 أعوام.
ويمكن المرور على أرضية الانفجار المحتمل اجتماعياً عبر آخر الأرقام التي أصدرها تقرير الوظائف الأمريكي لشهر آب الماضي، والذي شهد تخفيضاً بـ30 ألف وظيفة عما كان مخططاً له.
أزمة السقوف المنخفضة
بالعودة إلى افتراضات الانتخابات الأمريكية، التي نقول فيها بوجود تيارين «تيار الانكفاء»، و«تيار الحرب»، اصطلاحاً على أن المرشح الرئاسي، دونالد ترامب، هو ممثل التيار الأول، و المرشحة هيلاري كلينتون، ممثلة للتيار الثاني، وهو في الحقيقة تجريد وتبسيط لتركيبات معقدة في الداخل الأمريكي.
أياً كان الواصل إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض، فإن قرارات إدارته مرهونة بنتائج الصراع المستمر بين أصحاب القرار الحقيقيين في الولايات المتحدة، أي بين تياري الحرب والانكفاء، والذي يبدو فيه تيار الحرب أقل حيلة وأكثر تأزماً، بالنظر إلى خيارات الحرب وحتى استمرار إشعال الملفات في منطقتنا، وقريباً من الحدود الصينية والروسية، من حيث تكاليفها اللاحقة.
وبالتالي، فإن ما ينطق به المرشحون اليوم ليس له علاقة مباشرة بالتخطيط الاستراتيجي للمرحلة المقبلة، والتي يتم العمل عليها وفق آجال زمنية باتت أدق من أي وقت مضى، نظراً للتطورات المتسارعة على مستوى العالم، كظهور منظمات «بريكس» و«شنغهاي»، وتعالي الأصوات المطالبة بتغيير هيكلية مجلس الأمن والأمم المتحدة، كإشارات على توازن دولي جديد خارج الحسابات الأمريكية المعتادة.
مناظرات الرئاسة
المرشح الوسيم، والمرشح المجنون، والمرشح «الأسود»، والمرشحة الحربجية إلخ، هي الأشكال التي تتحفنا بها «الديمقراطية الأمريكية» كل أربع سنوات، لتعطي انطباعاً عن خصوصية «الديمقراطية الأمريكية» في تنوعها واختلافها!
جديد الديمقراطية الأمريكية اليوم هو في ظهور دونالد ترامب، الممثل للحزب «الجمهوري»، بشخصية وصفها أغلب المتابعين بـ«المجنونة»، عبر تصريحاته المتتالية فيما يخص قضية المهاجرين غير الشرعيين، والأحداث الأمنية التي تعيشها بعض الولايات بوصفها أحداثاً «يثيرها أشخاص ليسوا بأمريكيين».
هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، والتي تظهر العداء لروسيا والصين أكثر من ترامب، عبّرت في المناظر الأولى عن صدمتها من دعوة ترامب، للرئيس الروسي إلى الولايات المتحدة، واتهمت روسيا بتنظيم القرصنة ضد الكثير من المنظمات الأمريكية. وفي الوقت ذاته، رد عليها ترامب حول هذه المسألة بالقول أن لا أحد يستطيع تأكيد أن روسيا قامت بأعمال قرصنة، والإشارة هنا إلى روسيا في متن المناظرة كونها من يتصدر الصراع الدولي في وجه الهيمنة الأمريكية، حيث يبدو ترامب أقل حدة في تعاطيه مع عدوه المباشر «روسيا».
وأضاف ترامب في أحد تصريحاته: «أريد مساعدة كل حلفائنا لكننا نخسر مليارات الدولارات، لا يمكن أن نكون شرطي العالم، ولا يمكننا حماية كل الدول في العالم، عندما لا يدفعون المتوجب عليهم».
ترامب أضاف في السياق ذاته، موجهاً كلامة إلى كلينتون: «إذا نظرنا إلى الشرق الأوسط، فإنه في حالة فوضى عارمة، وهذا أمر حصل إلى حد بعيد في ظل إدارتك، أنت تتحدثين عن تنظيم الدولة الإسلامية لكنك كنت وزيرة للخارجية عندما كان لا يزال في طور النشوء، الآن انتشر في 30 دولة وتريدين التصدي له؟ لا أعتقد ذلك».
أما اقتصادياً، فقد تقاسم الطرفان الوعود ذاتها لكن بأشكال مختلفة، فيما يخص السياسات الضريبية وفرص العمل.. إلخ.
هذه الأجزاء من المناظرة تعبر عن أماني وتطلعات ما يمثله الطرفان، والتي ستبقى رهن التصريحات، طالما أن الواقع الذي تعيشه الولايات المتحدة أصبح اليوم مرهوناً أكثر فأكثر بأزمتها الاقتصادية الكبيرة، وتغيرات موازين القوى الدولية إلى غير مصلحتها على مستوى العالم.