لبنان على حد السيف
يتجه المشهد في لبنان نحو المزيد من الانفجار مجهول العواقب والنتائج لناحية ما يسمى هناك عادة: السلم الأهلي.
على المستوى الأول يعد هذا الانفجار نتيجة طبيعية لحالة الاستعصاء القائمة في لبنان منذ ما قبل عدوان تموز 2006 وربما ارتباطاً بلحظة اغتيال الحريري الأب التي أريد لها أن تكون بحجم الحادي عشر من أيلول على المقياس والتوقيت اللبنانيين - الإقليميين بالمعنى الانقضاضي، ليصبح طرفا الصراع هما فريق المشروع الأمريكي الصهيوني ممثلاً بتيار المستقبل وحلفائه في الداخل وفريق المشروع المضاد ممثلاً بحزب الله وحلفائه، وهو استعصاء وجد أحد تجلياته في هدف إسقاط الحكومة اللبنانية التي ساند عدد من أعضائها بشكل مباشر أو غير مباشر العدوان في زمنه، وباتت تحت ضغط الراعي الأمريكي الأوربي تصم آذانها وتغلق عيونها أمام حقيقة رفض غالبية الشعب اللبناني لها مع إعادة الاصطفافات ومسألتي الأقلية والأكثرية على نحو صحيح بعدما اتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود في قضايا العدوان والاغتيالات والتحقيقات والمحكمة الدولية ورئاسة الجمهورية والوضع الاقتصادي، وهي الحكومة التي لم تقدم شيئاً للمواطن اللبناني وهمومه المعيشية سوى زيادتها ومفاقمتها إرضاءً للشروط المرتبطة بإغداق الأموال عليها من أجل استمرار«صمودها»في وجه المعارضة ليس إلا، في معركة كسر عظم تتجاوز الحدود اللبنانية في كل الأحوال، حتى بات حال حكومة السنيورة كحال حكومة أولمرت إبان العدوان: تريد الانسحاب ولكن واشنطن لا تسمح لها.
وهكذا، فعلى المستوى الثاني يتحول لبنان مرة أخرى أيضاً مسرحاً لتنازع المشروعين على المستويين الإقليمي والدولي بين من يريدون سرقة نتائج الانتصار اللبناني المقاوم والشعبي العربي في عدوان تموز، وإعادة لبنان إلى دائرة الحرب الأهلية بحكم تركيبته القائمة أصلاً على أساس المحاصصة الطائفية، وبالتالي زج بلد عربي آخر بعد العراق وفلسطين في أتون النزاع الداخلي ترتيباً للشرق الأوسط الجديد، وإخراجه من دائرة الصراع على الجبهة الأساسية مع إسرائيل، ومن يريدون لجم ذاك المشروع سيىء الصيت وتأخير فصول أخرى له تتمثل في العدوان المتوقع الذي يحث الخطى والتحضيرات باتجاه إيران وسورية الموضوعتين على دائرة الاستهداف ذاتها.
ومن هنا تكرر الحكومة اللبنانية على نحو ممجوج العزف على وتر البعد الإقليمي للصراع الدائر في لبنان، ولكنها تنكر أنها ذاتها مرتبطة بالمشروع الأمريكي الصهيوني من جهة، ولا ترتقي إلى مستوى مسؤولياتها المفترضة بها كحكومة تجاه شعبها من جهة ثانية، وهذا هو الأساس الذي يعطي المعارضة أرضية تحركها ومشروعيته.
ومع استمرار حالة الاستعصاء وبدء تحوله نحو انفراجة ما بغض النظر عن نتائجها واتجاهها، فإن ما يؤسف له في المشهد اللبناني هو بدء سقوط ضحايا في الصراع عند هذا المستوى بما يحرف الأمور باتجاه الصراع الأهلي الطائفي، وهم الضحايا الذين يفترض سقوطهم على الجبهة الأساسية، إسرائيل بوصفها مركزاً إمبريالياً استعمارياً عدوانياً بحد ذاتها وقاعدة متقدمة للإمبريالية الأمريكية.
فما هي المخارج؟ إذا كان الأمريكيون والإسرائيليون ينظرون للمنطقة بوصفها ساحة واحدة للمعركة، فينبغي النظر إليها كذلك من جانب قوى المواجهة في إدارتها للصراع. وهذا يعني على الجبهة الفلسطينية الداخلية وقف تنازع المصالح والمراكز ووقف سيلان الدماء برصاص فلسطيني، وأن تعيد قوى المقاومة توجيه البندقية نحو العدو الصهيوني. ويعني عراقياً زيادة عدد عمليات المقاومة العراقية استهدافاً لقوات الاحتلال، وتغطية ذلك إعلامياً بما يعمل على سحب العراق تدريجياً من دوامة الصراع الأهلي ومنطق تصفية الحسابات الداخلية والإقليمية، وإذا كانت سورية وإيران مقتنعتين بأنهما موضوعتان على دائرة الاستهداف الاستباقي التفتيتي - وهما كذلك - فينبغي عليهما أخذ زمام المبادرة باستباق على الاستباق سواء في الخليج أو الجولان، لا أن تبقى الأمور محصورة يلبنان أو العراق، ومن شان كل ذلك أن يعيد الاصطفافات والفرز داخلياً وإقليمياً إلى أبعاده الحقيقية، تلبية لإرادة الجماهير، وتعبيراً عنها، وبما يضمن التفافها حولها ولكن بعد اتخاذ جملة الإجراءات والتحضيرات التي تضمن ألا يكون ذلك «خطة استشهادية»أو قفزة في الفراغ، وجميعنا يذكر على سبيل المثال أنه إبان عدوان تموز وخلافاً لكل توقعات أمريكا وإسرائيل ونظم الانهزام العربي، فقد ارتفعت أعلام حزب الله وصور السيد حسن نصر الله في كل الشوارع العربية من المحيط إلى الخليج بما في ذلك الأزهر ودول الخليج العربي.