عندنا ما فيش قتل... فيه منع بس!
منذ سنوات طويلة جاء الأستاذ خالد محيي الدين في زيارة لموسكو التقى خلالها بالطلاب المصريين والعرب هناك، وأخذ الأستاذ خالد يحكي لنا عن التجربة الديمقراطية في مصر حينذاك، وراح يستشهد بأمثلة لآراء كتاب المعارضة التي ينشرونها في الصحافة المصرية.
وكان الأستاذ خالد كلما ذكر موقفا جريئا لكاتب من المعارضة، تناهي إليه من القاعة صوت مندهش يسأل بلكنة عربية عن مصير الكاتب: «وما قتلوه؟» وفي النهاية ضاق الأستاذ خالد بالمقاطعة فتساءل: «مين اللي كل شوية يقول وما قتلوه؟».
وتبين أنه طالب عراقي كان مندهشا من أن بوسع البعض أن يعلن رأيه من غير أن يقتل! وقال له الأستاذ خالد: «لا يا أخي عندنا ما فيش قتل.. فيه منع بس»!. ونظرة سريعة على تقرير منظمة مراسلون بلا حدود الخاص بأوضاع الصحافة في العالم العام الماضي تبين أن العمل الصحفي قد يجر على صاحبه الموت في مناطق ، والمنع فقط في مناطق أخرى.
وبالنسبة للعراق يشير التقرير إلي اختطاف 17 إعلاميا وإلي مصرع 64 آخرين خلال العام الماضي وحده. وعلى مستوى العالم تم استجواب نحو ألف صحفي بطرق بوليسية بمختلف الذرائع ، وتهديد أكثر من ألف صحفي آخر والاعتداء على بعضهم بينما فرضت الرقابة على أكثر من ألف وسيلة إعلامية على الأقل. وشغلت المكسيك المرتبة الثانية بعد العراق في قائمة الدول الأكثر خطورة على حياة الصحفيين، وعدت الدولة الأكثر دموية في القارة الأمريكية، فقد لقى فيها 9 صحفيين مصرعهم لأنهم كانوا يقومون بتحقيقات عن تجار المخدرات، أو عن الحركات الاجتماعية المرتبطة بالعنف.
أما عن مصر فقد انضمت للمرة الأولى إلي قائمة الدول «أعداء الانترنت» و«المدونين»، بينما مازالت الصحافة المطبوعة فيها تعاني من الكثير من القيود التشريعية ، إذ تتوزع النصوص الخاصة بقضايا النشر والصحف على محاور عديدة منها قانون المطبوعات، وقانون العقوبات، قانون تنظيم الصحافة، قانون وثائق الدولة، قانون العاملين المدنيين، حظر أخبار الجيش والأحكام العسكرية، قانون الأحزاب وقانون المخابرات، مما أدى إلى توسيع دائرة القيود على العمل الصحفي، الأمر الذي سمح بإغلاق صحيفتي الدستور والشعب. وفي الوقت ذاته فإن قانون الطوارئ جعل من الممكن الحكم بالسجن لمدة عام على إبراهيم عيسى رئيس تحرير الدستور، بينما تمت إحالة وائل الأبراشي من صوت الأمة لمحكمة الجنايات.
ويمنع القانون رقم 96 لعام 1996 الأفراد من تملك الصحف، كما يضع قيودا على الصحف التي تصدرها جهات اعتبارية ملزما تلك الجهات بألا يقل رأس مالها عن مليون جنيه، أو ربع المليون إذا كانت الصحيفة أسبوعية. وصدق أو لا تصدق أن هناك قانونا للمطبوعات صدر عام 1936 مازال ساري المفعول ويمنح مجلس الوزراء الحق في منع تداول أي مطبوعات صادرة في الخارج وحظر إعادة طبعها ونشرها في مصر. ومازال الصحفي عندنا عرضة للحبس وفقا للمادة 176 في حالة التحريض على التمييز ضد طائفة من الطوائف إذا كان من شأن هذا التحريض «تكدير السلم العام»، وبطبيعة الحال فإن تعبير «تكدير السلم العام» قابل للتأويل بمختلف الطرق. وخلال الفترة ما بين عامي 2004 – و2006 نظر القضاء المصري في حوالي 33 قضية خاصة بالصحافة شملت صحفيين من جريدة المصري اليوم، والفجر، وصوت الأمة، وحوادث الأسبوع، والجيل، والعربي الناصري، وأخبار البرلمان، والأسبوع، وفجر حلوان، وتعرض الصحفيون في كل تلك القضايا لأحكام بالغرامة أو السجن أو المنع.
وبالرغم من كل تلك القوانين فإن الصحفيين عندنا مازالوا لا يلقون مصرعهم، وأقصى ما قد يتعرضون له هو الضرب أو الحبس أو الغرامة أو المنع، ومقارنة بالعراق والمكسيك تصبح أحوال الصحافة عندنا أفضل بكثير على الأقل لأن عندنا: «ما فيش قتل.. فيه منع بس»!