لبنان في ذكرى اغتيال الحريري تمخض جبل حكومة «فيلتمان» وأنجب الشتائم!
لم يراع خطباء قوى الأغلبية النيابية اللبنانية قواعد الذوق واللياقة ولا مسامع من وَفَد من جمهور إلى ساحة الشهداء وسط بيروت لإحياء الذكرى الثانية لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وهم يلقون خطاباتهم المكررة والمليئة بالشتائم والسباب وتوجيه الاتهامات، والتي تفوح منها رائحة الخيانة، والخاوية من أي مضمون سياسي قد يساهم في إقناع هذا الجمهور أولاً وبقية الشعب اللبناني ثانياً،
ولو بشكل رمزي على الأقل بأن أبطال المنابر أولئك جادون بعض الجدية في إخراج لبنان من أزماته السياسية والاجتماعية - الاقتصادية والأمنية، خصوصاً وأن المناسبة تأتي بعد يوم واحد من العملية الإجرامية التي استهدفت المدنيين في عين علق قرب بكفيا في جبل لبنان وسقط فيها عدد من القتلى والجرحى، والتي جاءت كما أكد بيان حزب الله، في إدانته للجريمة، متزامنة «مع التوتير السياسي الذي قاده السفير الأميركي فيلتمان مساء (12/2/2007) مما يطرح أسئلة حول العلاقة بين المسألتين خصوصاً أن الأمور جرت في توقيت مشبوه أقل ما يقال فيه إنه يستهدف شرذمة الوضع الداخلي وإثارة الفتن في الساحات المختلفة»، مثلما هدفت إلى خلق المزيد من أجواء التوتر، في لبنان عامة وفي مناطق معروفة بانتماء طائفي معين بهدف جر أقسام من أبنائها إلى مواقع قوى السلطة..
خطابات 14/2/2007 العصابية لم تحمل أيضاً للشركاء في الوطن، أي قوى المعارضة، أية رسالة من شأنها التلميح أو الإيحاء بأن الأغلبية النيابية المتسلطة تبالي بمصير البلاد أو بمصير أبنائه، أو أنها تسعى لإيجاد صيغ قد تساهم في حل الأزمة القائمة، وكأن جل ما أرادته الأصوات المجلجلة خلف مكبرات الصوت التأكيد للأمريكيين ومن خلفهم الصهاينة أن هذه الحكومة ومن يحاشدها ويناصرها من قوى وتيارات وأحزاب لا تزال على عهدها في السير في ركاب المشروع الأمريكي الشرق أوسطي الجديد..
وبما أن تقاسم الأدوار بين رموز تلك القوى لا يزال على حاله، فقد جدد الحريري الابن مطالبته بالمحكمة الدولية وتأكيده أنها «المعبر الوحيد لأي حل للأزمة اللبنانية»، وكرر رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع انتقاداته الشديدة للرئيس اللبناني إميل لحود واصفاً إياه بالطاغية، أما جنبلاط فشن كعادته هجوما وقحاً على سورية ورئيسها بطريقة غير مسبوقة، ولم ينس مهاجمة حزب الله ودعوته إلى تسليم سلاحه للجيش اللبناني، مع تأكيد يماثل الخيانة بأن العهد حالياً هو «عهد القرارات الدولية»؟؟
وكانت السفارة الأمريكية في تعقيبها على جريمة بكفيا (التي أدانتها بالطبع على مبدأ قتل القتيل والمشي بجنازته) عادت إلى العزف على وتر الديمقراطية والسيادة والاستقلال اللبنانيين، بالمفهوم الأمريكي طبعاً الذي يتضمن فعلياً وضع لبنان في «عهد القرارات الأمريكية» التي يتشدق بها جنبلاط.
وبينما جددت واشنطن في بيانها «التضامني» الإعراب عن دعمها للحكومة اللاشرعية «في عملها لتأكيد سيادة لبنان والانخراط في إصلاحات حيوية وتعزيز مؤسسات لبنان الدستورية»، سارع الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى الاتصال بالبطريرك صفير متحدثاً هو الآخر عن محنة لبنان في سعيه لاستعادة سيادته واستقراره، وأيضاً بالمفهوم الفرنسي الذي يتجاهل مفهوم غالبية الشعب اللبناني التي تريد سيادة واستقلال حقيقيين بعيداً عن كل مراكز الاستقطاب والتأثير دون أن يلغي ذلك التحالفات مع من له مصلحة في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني ضد لبنان والمنطقة.