اجتماع القدس المحتلة... جولة استكشاف جديدة !
بعد طول انتظار، انعقد يوم الإثنين 19 / 2 اللقاء الثلاثي الذي جمع رئيس حكومة العدو، ووزيرة الخارجية الأمريكية ورئيس السلطة الفلسطينية بعد عدة محاولات قامت بها حكومة العدو من أجل الغائه.
وقد حاولت "تسيبي ليفني" وزيرة خارجية الصهيونية، أن ترسم خطة عمل اللقاء الثلاثي قبل انعقاده بقولها(إن القمة الثلاثية هي وسيلة ضغط على أبو مازن بشكل خاص، والفلسطينيين بشكل عام، من أجل الالتزام بمطالب الولايات المتحدة واسرائيل أساساً). وبالرغم من الساعتين والنصف التي جمعت الأطراف الثلاثة على انفراد في أحد فنادق المدينة المحتلة قبل أن تنضم لهم الوفود المرافقة، فإن التسعين ثانية التي قرأت خلالها "رايس "على الصحفيين بياناً مقتضباً، أعادت للذاكرة – المثقوبة لدى البعض – حقيقة الموقف الأمريكي المتحالف والمتوحد مع العدو المحتل، من خلال تكرار ماسبق أن تحدث به أكثر من مسؤول في الإدارة الأمريكية، وحكومة العدو، والبيانات الصادرة مؤخراً عن أطراف اللجنة الرباعية التي أصبحت ناطقة بشروط الإدارة الأمريكية.هذه الثواني المعدودة كانت معبرة عن انسداد الأفق السياسي، بسبب الإشتراطات القديمة/ الجديدة التي تتعامل بها هذه الأطراف مع القضية الفلسطينية. فقد أعادت "رايس" على مسامع الصحفيين والمتابعين (نؤكد نحن الثلاثة على التزامنا بحل الدولتين واتفاقنا على أن الدولة الفلسطينية لايمكن أن ترى النور وسط الإرهاب والعنف، وجددنا التأكيد على قبولنا للاتفاقات والالتزامات السابقة، بينها خارطة الطريق). لاجديد في لغة الخطاب العدواني/ الإقصائي . فالدولة المقصودة هنا، كانت " رؤية بوش" لهذا الكيان الممسوخ والمسلوب السيادة. أولمرت لم يتأخر في التعبير عن موقف حكومته، فقد تحدث أمام مندوبي حزبه " كاديما" في الكنيست، بلغة متطابقة مع ماتحدثت به رايس. لكن بعض المصادر السياسية في المطبخ الحكومي/ الإعلامي داخل كيان العدو، وصفت هذه القمة بمثابة(أعمال صيانة جارية لدعم أبو مازن، فربما يجلب البضاعة المطلوبة من "حماس") في إشارات واضحة إلى شروط اللجنة الرباعية !
اللافت لنظر المراقبين كانت تصريحات "صائب عريقات" كبيرالمفاوضين الفلسطينيين (إن أولمرت ورايس أوضحا للرئيس عباس أنه يتعين على أي حكومة فلسطينية أن تقبل الاتفاقات والالتزامات السابقة) مضيفاً (أعتقد انه ليس لدينا أي مجال للمناورة) ! إنه تأكيد مسبق وواضح، غير قابل للمواربة والاجتهاد، يعلن بأن الطرف الرسمي الفلسطيني قابل لكل ذلك. كما أن تصريحات رئيس الوزراء المكلف"اسماعيل هنية" أثناء انعقاد جلسة "حكومة تسيير الأعمال" بعيد انتهاء لقاء القدس المحتلة، والتي حمل فيها على المواقف السلبية التي تتبناها الإدارة الأمريكية، تضمنت توجهات جديدة يصفها العديد من المراقبين بـ"المعتدلة" (إن برنامج حكومة الوحدة، فيه مساحة واسعة للتحرك السياسي ويمكن أن يبنى عليه الشيء الكثير في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة). إن اجتماع القدس المحتلة الثلاثي وكما يقول "عزام الأحمد" رئيس كتلة (فتح) في المجلس التشريعي( أُفرغ من مضمونه قبل أن يبدأ.... إنه اجتماع علاقات عامة). لقد أراد "أولمرت" أن يكون اللقاء (منبر لمناقشة نظرية حول" الأفق السياسي" الممكن) خاصة مايتعلق بقيام " دولة فلسطينية مؤقتة" – يرفضها الفلسطينيون أصلاً-على أساس الاعتراف بشروط اللجنة الرباعية . ولهذا حقق" أولمرت" هدفه من اللقاء، بمعارضته البحث في قضية "الحل الدائم" بما تعنيه مناقشة العديد من القضايا مثل (القدس واللاجئين والعودة إلى حدود الرابع من حزيران 67 والمستعمرات والمياه...) .
إن تأكيد "رايس" على عودتها القريبة للمنطقة، وأملها في أن يلتقي أولمرت وعباس قريباً، يشيران إلى أن اللقاء كان يهدف إلى سماع رأي "عباس" في ماحصل في "مكة" وتداعياته على مستقبل المنطقة، وكذلك إلقاء المواعظ والتوجهات الأمريكية/الصهيونية على رئيس السلطة. وهذا ماعبر عنه "شون ماكومارك" الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية بالقول(إن الثلث الأول من الاجتماع خصص لمناقشة حكومة الوحدة) . كما أن الحديث الذي بدأ يتسرب من مكتب رئيس وزراء العدو يشير إلى احتمالات عقد اجتماع خماسي يضم الأردن ومصر والفلسطينيين والولايات المتحدة وكيان العدو من أجل مواصلة " الحوار السياسي"، الذي تتحدد وظيفته-كما يقول المراقبون- بموضوع الحكومة الفلسطينية الجديدة ودورها في ترجمة توجهات حلف " المعتدلين" .
إن مواجهة نهج العدوانية المستعرة والمتمددة في أكثر من مكان ومستوى، يتطلب درجة عالية من الصلابة السياسية المستندة على عمل ميداني يعمل من أجل تكثيف الضغط على قوى العدوان في سبيل تحجيم اندفاعها، وتحقيق تراجعها. وهنا تكمن أهمية تجسيد وحدة وطنية فلسطينية حقيقية، تجمع قوى العمل السياسي/الكفاحي/الأهلي، في قيادة جماعية موحدة، تلتزم خطة عمل مشتركة قائمة على التمسك باستمرارية النضال الوطني وإدامة الاشتباك مع العدو، وتحصين المجتمع بكل عوامل الصمود، من خلال محاكمة الفاسدين ومثيري الفتنة، الذين مارسوا القتل والتدمير والتخريب الداخلي.