أمطار «الشتاء الحار» تُغرق نابلس بالدم والدمار
فجر الأحد 25 شباط، اندفعت أكثر من ثمانين آلية عسكرية صهيونية، والعديد من الجرافات، المدعومة بمئات من جنود وضباط جيش العدو وسط اطلاق نار كثيف، من عدة محاور نحو مدينة نابلس كبرى مدن الضفة الفلسطينية، أهم مركز اقتصادي فلسطيني، والتي يقطنها حوالي 50 ألفاً من المواطنين. العملية الوحشية التي حملت اسم «الشتاء الحار» هي الأوسع والأعنف التي تشهدها المدينة منذ عدة سنوات.
فأحياء ومناطق المدينة (رفيديا، الشرقية، القصبة، الياسمينة، المخفية، رأس العين) تتعرض منازلها ومحلاتها لعمليات تفتيش وتدمير لمحتوياتها، استخدم العدو خلالها الأطفال كدروع بشرية أثناء المداهمات. حتى أن مستشفيات المدينة (رفيديا والوطني والاتحاد) محاصرة منذ بدء العملية. وكانت حكومة العدو قد لجأت لعملية قرصنة مفضوحة، إذ أقدمت على اختراق موجات عدة محطات إذاعية وتلفزيونية محلية، وقامت من خلالها ببث بيانات تناشد المواطنين عدم تقديم المساعدة والدعم لما تسميهم بـ(المطلوبين) والالتزام بمنع التجول. العملية المستمرة وغير المحددة زمنياً، كما صرح ناطق بلسان جيش الاحتلال، أسفرت في اليومين الأولين عن اعتقال العشرات من المواطنين، وسقوط شهيد وأكثر من خمسة عشر جريحاً في المواجهات العنيفة التي دارت بين المقاومين وعساكر العدو، الذي أعلن عن سقوط جريحين من قواته.
جاءت المجزرة الصهيونية الحالية لتؤكد مجدداً – خاصة للمراهنين على وهم التهدئة – أن ماتشهده نابلس ماهو إلا حلقة جديدة لم تتوقف في سلسلة الاعتداءات منذ احتلال العدو للأرض الفلسطينية. فقد شهدت الأيام الأخيرة تصعيداً ملحوظاً في عمليات القتل الصهيونية، وهو ماعبرت عنه جريمة اغتيال محمود عبيد أحد قادة سرايا القدس الميدانيين في الضفة، والذي جاء مترافقاً مع استمرار عمليات هدم طريق باب المغاربة المؤدي للمسجد الأقصى، والتوسع في تفتيت أساساته. كما يلاحظ أيضاً زيادة عدد الحواجز الجديدة، والنشاط المحموم في عمليات تجريف عشرات الدونمات واقتلاع مئات الأشجار في أراضي محافظة الخليل.
إن هذه الجرائم المتتالية تأتي منسجمة مع التزايد الكبير للبؤر الاستعمارية، وللتوسع في المباني داخل الكتل الكبرى منها، وللتمدد المتزايد كل يوم لجدار الضم والفصل العدواني. في ظل هذه الأجواء تبدو ردود الفعل «الرسمية» الفلسطينية دون مستوى المجابهة الذي تفرضه حقائق الصراع على أرض الواقع. فمجابهة التمدد السرطاني لقوات وأدوات الموت الصهيونية، لايتم عبر بيانات «الشجب والاستنكار» بل بالمواجهة الكفاحية المسلحة والجماهيرية الواسعة، خاصة وأن ذاكرتنا مازالت تحتفظ بصور أولئك المسلحين المقنعين الذي مارسوا الخطف والإرهاب ضد أبناء شعبهم خلال الأيام السوداء الذي سادت العلاقات الداخلية الفلسطينية. إن تلك البنادق أجدر أن تكون بيد من يستحقها ويتقن تصويبها باتجاه جنود العدو، وليس نحو صدور المواطنين. لقد علمتنا تجارب المواجهات المشرفة في مخيم جنين وحي الزيتون وجباليا وبيت حانون في غزة أن مايحققه السلاح الفلسطيني أكثر جدوى من كل نداءات الاستنكار.
إن أهم درس يجب استخلاصه مما يجري على الأرض الفلسطينية من قتل وتدمير تقوم به حكومة العدو، يؤكد أن سياسة الإدانة المستندة على المزيد من «المرونة والاسترضاء» لن تجدي نفعاً مع المحتل وحلفائه الأمريكيين. فجبهة الأعداء لن تقدم التنازلات إذا لم تتعرض أدواتها ومصالحها للتهديد المباشر. فتجارب الصراع العربي-الصهيوني، كما كل الصراعات الإقليمية والدولية تؤكد أن سياسة المطالبة والاستجداء مع الأعداء لن تحقق المصالح الوطنية، بمقدار ماتفتح شهية العدو.
إن التمسك بالحقوق والدفاع عنها، يتطلب من قوى المجابهة الوطنية المزيد من الصلابة في مواجهة الحلف المعادي، وتطوير أشكال التنسيق الميدانية المسلحة والشعبية من أجل إلحاق أفدح الخسائر بعساكر الاحتلال وآلياتهم ليس في نابلس وحدها، وإنما في كل الأراضي العربية المحتلة.